هل لا يزال جمر الخلافات الطائفية والمذهبيّة على الرغم من كل المصالحات التي تتمّ بمشهد فلكوريّ لا يرسم غير القليل من مضامين اللقاءات المتعددة والمُتبدّدة بعلنية مبتورة تماما كما يخفي كافة النوايا التي تتيح للجمر فعلا أن يظلّ كامنا ومتأهّبا للتصعيد في أيّة لحظة صفر تحت الرماد اللبناني، وهل شبح الحرب مفردة لا بدّ منها لتبقى سائدة ومسيطرة على الذهنية العامة حتى تفرض ملامح واقع من المخاوف والتحفظات والهواجس إلى ما لا نهاية؟. ولماذا يكمن الرعب الحقيقي لدى كل موسم انتخابي في بيروت وقد صار قاب قوسين أو أدنى، وأشبه بناب ذئبين أو أكثر، يتناحران على فريسة واحدة هي الشعب دائما والشعب أيضا وأيضا الذي لا حيل له ولا قول، غير تأييد هذا السياسي أو تمجيد ذاك الزعيم، لتظلّ اليقظة الحقيقيّة في خبر كان، ووحده المواطن هو الذي يدفع quot;دمه quot; واستقراره وأمْنه بتكلفة عالية وفواتير باهظة لا يجنيها غير الأحزاب التي تُجيد كما كلّ مرّة، المزايدة بالقرابين البشرية على هذه الجهة أو تلك، مقابل حصص وزاريّة أو نيابيّة أو quot;وجاهيّة quot; لا تخدم غير أصحابها من السياسيين الذين يتقنون فنّ المتاجرة والاستثمار والمضاربات المصيريّة، وبجميع الأحوال لا يفوز المواطن الذي يرهن دمه وروحه فداء لهذا وذاك بأكثر من الفتات مقابل الثروات الطائلة التي ينعم بها quot;المتريّسون.. والمتزاعمون quot;، فهل حقا يتأثّر أصحاب السياسة بالمستجدات الاقتصادية وانهياراتها العالمية؟ وهل يضطّر واحدا من هؤلاء السياسيين إلى شدّ الحزام حول أحشائه في يوم من الأيام، تيمّنا بشعار الرئيس الراحل حافظ الأسد في فترة الثمانينيات الذي أطلقه تجاه الشعب السوري، والذي يتضاعف ويتفاقم تِباعا مع الوقت حتى يومنا هذا، مع العلم أنّ استمراره لم يعد مرهونا بشعار محدد، فمن تلقاء نفسه أصبح المواطن السوري كما المواطن العربي في أكثر الدول العربية التي يلقي المواطن على عاتقه مراعاة النظام الحاكم وأسرته الكريمة على أتمّ وجه بشدّ الحزام المتواصل، ويرتضي الشعب بمعنويات عالية وروح رياضيّة، من أجلها الكثير من التضحية والإخلاص والذلّ، ولا ينسى كل صباح حكمة الاستغناء والترفّع عن الكثير من التفاصيل الحياتية الباذخة والمترفة وحتى العاديّة جدا، ليكتفي بكفاف يومه حامدا شاكرا صامتا مكتوف الأيدي داخل بيضة الوقت ينتظر الفرج مغتبطا لا لضيق ذات يده بل ليُسر الحياة وكرمها مع الأسر الحاكمة كرّم الله تسلسلها، وعزّ مجدها ومجد ورثتها، وبيّض الله وجهها وفالها ونواياها إلى يوم الدين اللهم آملين، فهي لا تستحق الضنك أو التقشّف وإن قليلا، لأنّ المواطن ينوب عنها نيابة تامّة وعلى أكمل حضور وتبنّي، تماما كما تتبنّى هي التفكير عنه والقرار عنه وجمع الثروات الطائلة بالتأكيد عنه، إن لم يكن منه!!!.
وهكذا يشهد العالم أجمع بتفرّد المواطن العربي وحده بثقافة الإيثار، وكيف ينعمُ بثناء التضحية، وكيف يفوز عند ربّه بفضيلة الصبر وما أدراك ما الصبر. وهو يتكبّد في الوقت عينه إضافة إلى أزماته الداخلية المزمنة كعاهة مستديمة، كل المستجدات السياسية والاقتصادية سواء الذي يمرّ به النظام العالمي الجديد من تقهقر وتدهور في البورصات التي لم يعرف عنها أو يفرح لفيضها في يوم من الأيام المواطن العربي، في حين أنّ تدهورها المفاجئ أصبح الشغل الشاغل للطفل واليافع والشيخ والرضيع وربّة المنزل ومدبّرة الزيجات المحنّكة، تماما كما هو الحال مع أي رأسمالي عتيد، دخل البورصة بقدميه غير مبالٍ بأحد من هؤلاء جميعا، وهاهو يخرج على ركبتيه زحفا ليستجرّ الجميع إلى بلوائه ويركعهم قبل ركوعه ليمتطي ظهورهم من جديد بعدما انتعل أفكارهم وأعصابهم وأحلامهم وآمالهم دون تمييز، تماما كما هو الحال عند أدنى خلاف سياسي أو أصغر مفترق طرق يعترض المسيرة الحزبيّة لأية فئة من الفئات، تبدأ بشحن المواطن وحقنه بجرعات متواصلة من فيتامين الضغائن والغلّ والحقد والبغضاء، في حين أنّ المصالحات تضمن لهم تحييد المواطن كلّيّا عن موائدهم العامرة وعن دوائر الضوء وعن بذخهم الطاعن في الاستفزاز.
يومان من القلق مرّت على المواطن اللبناني وليلتان من الأرق والتخمين الذي وصل حدّ
الظنّ مستعرضا كافة الشكوك بذاته وبمن حوله يفتّش أنحاء بيته ذرّة ذرّة عله يكون متّهما أو مشاركا دون وعي بعملية اختطاف الأمريكيان /هولي شميلا ndash; وتايلور لوك /
الصحافيان في صحيفة التايمز الأردنية، وقد انتفضت لأجلهما كافة الهمم والصحافة في جميع المنابر والدوائر والسفارات، إلى أن تمّ العثور عليهما في دمشق، وبعدما أسرج القاصي والداني خيل ظنونه ريبةً واحتسابا واحتمالات شتّى، إذ كان من أبرز المخاوف أن تُداهم البيوت وتغلق مفارق الطرقات بالإطارات المشتعلة وتُقلب الحاويات والحارات رأسا على عقب، كما يفعل quot;الفاتحون quot; عادة، بحثا عن الصحفيين اللذين أعلن عن اختطافهما، في الوقت الذي لم يستبعد أحد مسألة الاختطاف هذه، فكل رديءٍ محتمل حدوثه في بيروت، التي تستقبل الكارثة تلو الأخرى وتنهض كما يُقال نهضة العنقاء ذاك الطائر الخرافي، الذي يتآكله الجمر من تحت الرماد والذي تخالجنا لأجله الظنون هل حقا سينهض بعد كل هذا الرماد الذي يكسونا تماما؟!.
أسأل الكاتبة والمربّية لطيفة الحاج قديح عما حلّ من مواجهات مفعمة بالأحقاد في بيروت وعمّ قد يحلّ تجيب: quot; لبنان بلد عنده دستور وعنده ميثاق، وهما خشبة الخلاص، وحجر الزاوية الذي يجب أن نعتمد عليهما، ولا شرعية لأي سلطة تخالف ميثاق العيش المشترك. ولا شك أن ما حصل شيء بشع جداً ، ولا يمكن قبوله، وعسى أن يعتبر اللبنانيون مما حصل ، فلا يعودون إلى مثل هذا التقاتل البغيض المرفوض بالمطلق.
كما أننا ضد كّم الأفواه، وضد كل ما حدث لوسائل الإعلام، سواء المرئية أم المسموعة.
وبرأيي أن هذه الأزمة التي حدثت مؤخرا وكادت تشعل نار الفتنة ، وتفقد اللبنانيين الثقة فيما بينهم ، ليست جديدة . وإنما هي انعكاس لخلافات قديمة متراكمة موجودة بين الأفرقاء. و قراءة النتائج فقط لا تكفي وإنما علينا معرفة أسباب التقاتل وتحليلها والعمل على إزالتها كي لا تتكرر المأساة .
وللأسف فإن اللبنانيين حتى الآن غير متفقين على مفهوم المواطنية الصحيحة، حيث لا يوجد في مدارسنا الرسمية،حتى الآن كتاب تاريخ موحد متفق عليه،( على الرغم من مرور سنوات على المنهجية الحديثة للتعليم المعتمدة في لبنان) ونناشد المسؤولين ضرورة إصدار هذا الكتاب بسرعة، على أساس المصير المشترك للمجموع البشري الذي تشكل منه لبنان الحديث. وبهذه المشاركة يكون هناك معنى للهوية والانتماء،ويكون كل فرد من أفراد المجتمع معنيا بالمصير العام للوطن، بعلاقاته الداخلية والخارجية. و بالتالي يكون معنيا بالديمقراطية،.بما هي فعل تعددية، للجماعة الوطنية، ما يسمح لنا بالشروع في مخططات تربوية وعلمية وثقافية تدمج الفكر بالعمل وبواقع البلد، وتخطط لتحقيق رغبات ومطامح الأجيال الناشئة . ومن هنا أهمية تذكير الحكام في خضم تصارعهم على الحصص انه لن يبق حصة لأحد، لو أن غالبية الشعب أصبحت تحت خط الفقر.
وأنا لا أصدق أن التقاتل الذي حصل يعود إلى أسباب طائفية أو مذهبية وإنما هو قتال سياسي بامتياز ،ولكنه ألبس لبوس الطائفية، والدليل أن لا فرق من الناحية الفقهية بين السنة والشيعة، فكلا الفريقين يدين بدين واحد وكتاب واحد.عدا عن ان الشعب اللبناني يتعايش مع بعضه البعض وهناك الكثير من حالات المصاهرة بين سني وشيعي، وأيضا بين مسلم ومسيحي.
وباعتقادي أن المقاومة هي رأ س الحربة في هذا الموضوع ليس فقط بالنسبة إلى لبنان بل إلى جميع الدول العربية quot;.
ثمّ أسأل الكاتب والباحث حسن عجمي ذات السؤال فيجيب بمرارة واضحة :quot; نحن سوبّر متخلفون، فبينما الغرب دخل عصر السوبر حداثة، نفتتح نحن عصر السوبر تخلّف وبهذا نحن مبدعون! لم يسبقنا شعب من شعوب العالم لدخول عالم السوبر تخلّف بإصرار، اليوم السوبر تخلّف هو إنجازنا
الوحيد، والفرق شاسع بين التخلف والسوبر تخلف، فالشعب المتخلف هو الذي لا ينتج ما هو مفيد للبشرية والعالم، بينما الشعب السوبر متخلّف وهذا حالنا يطوّر التخلّف من خلال استخدام العلم من أجل التجهيل، وهذا ما نقوم به بالضبط، فمدارسنا وجامعاتنا ووسائل إعلامنا مراتع عامّة لتطوير التخلّف، تستعمل العلم وتكنلوجياته، من أجل نشر الجهل والاقتتال الطائفي والمذهبي وزرع الأحقاد،
نحن سوبر متخلفون لأننا نرفض العلم والمنطق، فبدلا من أن تخرّج جامعاتنا مبدعين وعلماء، تخرّج إرهابيين وعنصريين وطائفيين يتصارعون على حكم مملكة السوبّر تخلّف، ومن مظاهر تخلفنا أننا محددون في أدقّ التفاصيل، فمعتقداتنا ورغباتنا وتصرفاتنا محدّدة سلفا، ولذا أصبحنا مجرد آلات في قبضة الطغاة، وما حروبنا الأهلية المتكررة إلا تجليات السوبر تخلّف والسوبر إرهاب الذي لا يقتل الجسد وحسب بل هو يجاهد ليقتل إنسانية الإنسان quot;.
أقرأ في كتاب /الباحث خليل أحمد خليل /نقد التضليل العقلي الصادر في بيروت عن {المؤسسة العربية للدراسات والنشر} حيث يقول: quot;من الخطأ أن تسعى أي جماعة دينية، سنيّة أو شيعيّة، إلى استنساخ النموذج اللبناني المقاوم، بوصفه أنموذجا دينيّا بحتا، وتوظيفه في غير موضعه أي في الخلاف على السلطة، أو الرغبة في قلب الدولة (كتجربة العراق المأساويّة، مثلا ). فمعركة التوحيد الوطني ضد الاحتلال هي غير معركة التوحيد المذهبي أو الديني ضد سلطة الدولة، وفي الحالين يتجلّى العقل التآمري، ضد التوحيد الوطني، وهنا تنشط مخابرات الدول العظمى وأموالها جاهزة للتدخل في كل مجال، تستطيع اختراقه وتحريكه، ثم توظيفه، لفرض الحروب المحلية، الأهلية، الطائفية أو المذهبية، أينما تسنى لها ( تحريض السنّة ضد الحاكم الشيعي، وتحريض الشيعة ضد الحاكم السني ). quot;.
www,geocities.com/ghada_samman
[email protected]