ليس أمام السيد نوري المالكي ألاّ التوقيع على الإتفاقية العراقية / الأمريكية الامنية بعد كل ما ظهر للعيان المكشوف من نتائج خطيرة يمكن أن تترتب على رفضه خاصة فيما يتعلق بمصير شيعة العراق، بل شيعة العالم.
لقد أعلن السيد مسعود البرزاني أن المنطقة الكردية سوف توافق على بقاء القوات الأمريكية في كردستان العراق حتى إذا لم يتم التوقيع على الاتفاقية، كما أعلنت الصحوات عن رضاها الضمني عن الاتفاقية بل وصفتها بالملاذ، وليس سرا إن كل الاقليات مع الاتفاقية لما لهم فيها من ضمان، وأعتقد إن كل دول الجوار العربي مع الاتفاقية ما عدا سوريا.
الأخبار تفيد أن السيد نوري المالكي يريد التوقيع على الاتفاقية، بل تلوح بعض تصريحاته بمثل هذه الرغبة، وربما حزبه أيضا، ولكن مراقبين سياسيين يرون إن السيد المالكي يعيش حالة تردد مرهقة الاعصاب في الإ قدام على ما يؤمن به، خاصة بعد أن فهم إن عدم التوقيع على الاتفاقية يعني تجميد عشرات المليارات من الدولارات العراقية وتعريض الامن العراقي كله للاهتزاز والانهيار، وربما حرب أهلية بين مختلف الطوائف العراقية، وسوف يكون الشيعة هم المتضررون الأكثر.

ترى لماذا التردد؟
مراقبون يقولون أن هناك تهديدا صريحا وصل إلى السيد المالكي وربما بعض أعضاء حزبه بالتصفية الجسدية، مما جعله يحجم أ و يفكر أكثر في الموضوع، فيما يرى آخرون بالاعتماد على معلومات يصفونها بأنه خاصة إن مصدر التردد هو الخوف من (إثارات) يمكن أن يشهرها الرافضون الاقليميون علنا تسيء للسيد رئيس الوزراء وبعض المتعاونين معه، ولم يفصح هؤلاء عن نوع هذه الإثارات ا لتي كما يبدو تتعلق بمواقف سياسية لها تاريخ مع هؤلاء المهددين! وبالتالي، فإن الوطنية الشخصية ربما تكون أغلى من طائفة برمتها!!
لست أدري مدى صحة هذه التصورات لأنها تعتمد على أخبار بالدرجة الأولى، ومثل هذه الاخبار عهدتها على أصحابها، ولكن الذي يهمني هو الجواب على سؤال مهم، ترى هل سوف يجازف المالكي ويعلن توقيعه على الاتفاقية؟ خاصة وقد وصلت إليهرسالة أوباما التي مؤداها إنه غير مستعجل في خصوص مشروع الانسحاب الامريكي من العراق، وإن الثوابت ا لتي تحكم العلاقة بين وجود هذه القوات على الأرض العراقية والمصالح الامريكية سوف تبقى ماضية في سياسة أوباما.
إن الطائفة الأولى التي ستكون ضحية عدم التوقيع هم شيعة العراق، فهل يكرر السيد المالكي أخطاء الشيعة السابقة؟
لقد وقع الشيعة في أكثر من خطا جسيم خلال تاريخهم المعاصر، أي منذ دخول الانكليز العراق في أوائل القرن العشرين، كان أولها رفضهم قبول رئاسة الوزراء بحجة إستمرار الوجود الاجنبي، والثانية كانت تحريم الدخول إلى المدارس، والثالثة كانت الفتوى العشوائية بتكفير الشيوعية، والرابعة كانت الوقوف ضد قانون الاحوال الشخصية والإصلاح الزراعي، والخامسة كانت دعم خط البكر / صدام للإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم، والسادسة كانت إلمراهنة على إيران في إسقاط نظام صدام حسين، فهل ستكون المغامرة السابعة على يد السيد نوري المالكي المسكين؟!
الحقيقة إن الدول العربية متمثلة في المملكة العربية السعودية ومعها دول المجموعة الخليجية والكويت ومصر يجب أن يتواصلوا مع السيد المالكي لإعطائه الدعم المطلوب في ا لخروج من ضغوط بعض الدول الاقليمية فيما صح إ ن هناك ضغوطا بالفعل على السيد المالكي من قبل هذه الدول.
لقد صرح الوزراء السياديون أ ن توقيع الاتفاقية أمر مصيري بالنسبة للعراق، أي وزراة الدفاع والداخلية والتخطيط، وهناك تصريح واضح بالوقوف إلى فكرة التوقيع من قبل الأكراد والصحوات، فما الذي بقى من موانع تحول دون موافقة السيد المالكي؟
أخشى أن تكون تلك التهكنات صحيحة؟
خبثاء يروجون في المحافل العراقية وغير العراقية إن هناك دولة جارة هددت بعض المحسوبين على الرافضين بأنها سوف تصادر ممتلكاتهم فيما إذا وقعوا على الاتفاقية، ولكن في تصوي إن هذه مجر د دعاية مغرضة، فإن الممتلكات مهما كانت قيمتها دون قطرة دم عراقية واحدة!
إن السيد المالكي في وضع صعب،والمطلوب دعمه من قبل كل القوى الخيرة التي تريد للعراق خيرا، وتريد للمنطقة سلاما، وتريد للعالم أمنا، فإن قضية العراق اليوم هي عنق الزجاجة لكثير من الحقائق والمشاكل التي تمر بها المنطقة والعالم.
إن جماعة السيد المالكي يؤكدون الدعم الأمريكي للسيد المالكي،ويؤكدون إنه رجل شجاع ووطني،وفي مثل هذه الحالة، لا أعتقد أن السيدالمالكي متردد بفعل تلك النماذج من التهديدات، ولكن ربما متردد بسبب الخوف من كلام تاريخ قريب، فيما يجب عليه أن ينظر إلى التاريخ البعيد.
إن السيد المالكي يعلم جيدا إنه أصبح مرمى قريبا لرصاص التيار الصدري لو لم تسعفه القوات الامريكية بطلب منه، فهل يغامر بحماية العراق بالاتكال على جيش عراقي ما زال هشا،بل المالكي نفسه لا يطمئن إلى أن تكون حمايته من الجيش ذاته.
إن المنطقة الخضراء ترفض حماية بسقف عراقي، وتصر على بقاء الحماية الأمريكية، وهذه هي المنطقة الخضراء ليست مسيجة بالحماية الا مريكية وحسب، بل أكثر بيوت المسؤولين الكبار ودوائرهم فيها قد أحيطت بالاسيجة والحمايات، فهل يجازف السيد المالكي ويجعل كل هذه الأسوار عرضة للإقتحام المفاجئ من قبل جماعات تنتظر هذه اللحظة حيث لم ينس أبدا عمليات القصف المدفعي التي كانت تدك قلب منطقته والتي لم يتكتشف إحداثياتها إلا العدو الامريكي...
اللهم أعن الرجل