أحزاب الخضر والسياسة الاوربية: حول الاندماج، البيئة و العدالة الاجتماعية (1/2)

في ذروة انشغالي بالموضوع المعنون quot; صورة الإسلام في أوربا quot; للبروفسور د. هاينر بيلفلد، الموضوع الذي شارك في ترجمته و أرسله لي مشكورا الدكتور حامد فضل الله ( و هو ما يتناول ضمن أمور أخرى موضوع اندماج المسلمين و الاجانب عموما في المجتمع الغربي ) دخل على الخط حدثٌ آخر لم يكن في جوهره يبتعد كثيرا عن موضوعة الاندماج بل ربما في صلبها، ألا و هو فوز ( جِم أزديمير Cem Ouml;zdemir ) التركي الأصل في الانتخابات الأخيرة لحزب الخضر في ألمانيا بمركز زعيم الحزب على المستوى الاتحادي.
حزب الخضر الألماني هو حزب رئيسي يشغل غالبا المركز الثالث في تسلسل الأحزاب الألمانية، و بمستطاعه أن يلعب دورا حاسما في الموازنة السياسية من خلال تحالفاته سواء على الصعيد الفدارلي ( الاتحادي) أو على صعيد الحكومات المحلية لذلك لم يكن موضوع رئاسة حزب كهذا من قبل شخص من أصل غير الماني بالموضوع الذي يسهل قبوله في ألمانيا و هو في كل الأحوال حدث فريد من نوعه و ربما يمكنه أن يحدث فقط و حتى إشعار آخر في حزب الخضر.
بدا لي هذا الموضوع مثيرا من عدة وجوه فهو يطرح العديد من التساؤلات في المقدمة منها هل أن لهذا الحدث علاقة بالدفع المعنوي الكبير الذي سببه الفوز الملهِم لباراك اوباما ذي السيرة الخاطفة.
كانت ثمة أسئلة كثيرة أخرى أصبحت الآن من الأمور المحيرة في برنامج أحزاب الخضر و خصوصا الموقف من مسألة استخدام الطاقة الخضراء و ما الذي آل إليه مصير القرارات التي عمل هذا الحزب على اعتمادها حين كان شريكا في الحكم أبان حكم المستشار السابق شرودر في التخلص التدريجي من استخدام الطاقة النووية للأغراض السلمية بسبب ما يترتب عليها من مشاكل مثل المخلفات النووية و أخيرا و ليس آخرا موضوع التلوث المتفاقم للبيئة... إلخ ثم هل من الممكن أن يؤدي ما تضمنه برنامج باراك اوباما الداعي الى تعزيز البحث في مجال الطاقة الخضراء و نيته في رصد تخصيصات لها و كذلك موقفه المتحفظ من حفر المزيد من آبار النفط في إلاسكا... إلخ إلى رد الاعتبار لبرنامج الخضر و تفعليه بعد خروج الخضر من السلطة و تصاعد نفوذ اليمين في المانيا و عموم اوربا و تراجع برامج الخضر؟
رفعت سماعة الهاتف و تحدثت مع السيدة ( Atiye Altuuml;l) اليسارية التركية و مدرّسة الرسم على الحرير ساعيا إلى معلومات خاصة لا تتضمنها شبكة الانترنت أسألها : من هو جم ازديمير؟
قالت انها تعرف أزديمير و لكن ليس عن كثب كل ما تستطيع ان تقوله انه صادق ثم أضافت أنها تعرف صديقا له و أن بوسعها ان ترتب لقاءا بيننا وجها لوجه للاجابة على بعض من تساؤلاتي !
لم اكن اسعى الى ذلك و لكنني لم استطع الرفض من حيث المبدأ رغم أن اللقاء قد لا يتم بحكم انشغال الساسة بأمور كثيرة.
لكن الفرصة مع ذلك قائمة و عليّ تحضير تساؤلاتي عن ما هو الجديد في موضوعة الاندماج و السياسة البيئية و المهاجرين.. الخ على وجه العموم و عن شخص أزديمير بشكل خاص، ما هي ملامح برنامجه، ما هو الشيء الذي تخطى به موضوعة اصله غير الألماني ليقنع أعضاء هذا الحزب بجدارته؟
ليس هذه الاسئلة من أجل لقاء قد لا يتم و لكنها عدا ذلك تدخل ضمن الاسئلة العامة و تقصي شيئا آخر يهمني : أين تكمن مسببات عدم قدرة العربي و العراقي على الاندماج خصوصا في المجال السياسي و عدم القدرة بشكل خاص على العمل في الاحزاب السياسية الالمانية بشكل فاعل.
وجدت أن بمستطاعي حتى ذلك الحين بلورة أسئلة اخرى تخص البيئة في نقاش مفتوح مع القارئ.
صحيح إن أولويات مجتمعاتنا تختلف، إلا أن عدم الاهتمام بالبيئة لا يمكن تبريره بأنه غير مهم لدينا بل على العكس انه ذو أهمية قصوى و خصوصا تلوث المياه و ما سببته الحروب و الحصارات و سياسات الانظمة من تخريب غير مسبوق للبيئة و كيف أن عدم إيلاء هذه المشاكل الاهمية التي تستحقها ربما يعود إلى انخفاض مستوى الإدراك البيئي و المخاطر بعيدة المدى المترتبة على بيئة غير ملائمة.
ثم ما لبثت أن طرحت سؤالا: كيف يمكننا أن نقنع المواطن أن يهتم بالبيئة في الوقت الذي تكون حياته مهددة في كل لحظة، رغم إن بيئة مخربة تزداد خرابا كل يوم هي في واقع الحال موت بطئ اوسع نطاقا و اكثر ايلاما؟
و لكننا أيضا في البلدان العربية نفتقر إلى معرفة جيدة للخريطة السياسية في البلدان الاوربية التي تساهم في صناعة القرار العالمي و نفتقر إلى الميل إلى دراسة الظواهر الجديدة فيها قبل أن تكون واقعا لجيل جديد من الساسة من الذين قد يرسمون سياسة بلدهم في العقد القادم، لذلك علينا قبل كل الشيء التعريف بـ quot;جم ازديميرquot;

من هو جم أزديمير؟
جم ازديمير الذي و لد عام 1965 في ( Bad Urach) جنوب غرب ألمانيا هو أبن مهاجر تركي. أنهى دراسته في التربية الاجتماعية في عام 1987 فعمل مربيا و صحافيا، متزوج من امرأة المانية ـ أرجنتينية الأصل و يسكن في منطقة كرويتس بيرغ في العاصمة برلين، هذه المنطقة التي يعافها السياسيون التقليديون ويفضلون عليها الأحياء الثرية هي المكان المفضل لسكن الاجانب و الطلاب و الفنانين و تتميز بنفوذ تقليدي لليسار. و أزديمير عضو في حزب الخضر منذ عام 1981 و له بعض المؤلفات منها كتاب بعنوان quot;Currywurst und Douml;ner quot;.
وعنوان الكتاب يتضمن : الـ quot; Douml;ner quot; و هو نوع من الشاورما التركية و quot; Currywurst quot; و هو السجق بالكاري، الأول طبق طعام تركي تقليدي و الثاني طبق ألماني و العنوان يشير إلى علاقة الاتراك، الذين جلبوا معهم حين قدومهم هذا الطبق، بالمجتمع الالماني، في حين يشير العنوان الثانوي للكتاب إلى أنه عن الاندماج في ألمانيا.
يتضمن الكتاب دعوة للجيل الجديد من الشباب، ألمانا كانوا أم وافدين، إلى بناء مجتمع يقوم على الاندماج و التكامل، هذا الاندماج الذي أسماه أزديمير عن قصد quot;الاندماج الفاعلquot;، فيه يدعو إلى مجتمع مشترك حداثي ديناميكي مسالم، و القول بالاندماج الفاعل هو لوم مبطن للداعين إلى الاندماج السلبي الذي يدعو، كما كتبنا في مقال سابق، الى التخلي عن الخلفية الثقافية للوافدين : quot; اترك كل شيء خلفك، ليس لديك ما تعطيه لنا ستجد كل شيء جاهزا هنا quot;.
ربما يكون هذا البحث قائما على مزاوجة التجربة المهنية مع التجربة السياسة، التجربة المهنية التي اكتسبها ازديمير حين عمل في مجال تخصصه في العلوم الاجتماعية ما مكنه من متابعة نمط تفكير الجيل الجديد و ما يترتب عليه من مهمات من أجل بناء مجتمع مشترك قبل أن يضفي أزديمير على تجربته العملية الطابع السياسي ضمن اطار عمله اللاحق في حزب الخضر.

أسئلة كثيرة
كانت الحوارات التي دارت في مجال البيئة قد أشرت بعض معالم الوضع العالمي الحالي و خصوصا المشكلة الايكولوجية ( علاقة الانسان بالبيئة ) أشرنا إليها دون تفصيل في الموضوع المنشور في إيلاف و المعنون quot; أزمة أسواق المال و دوغما اليسار العقائدي quot; و ذلك ضمن سياق الإشارة إلى تحديات الوضع العالمي. تبدو المشكلة متفاقمة إلى الحد الذي يدفع المرء للتفكير في أن المزيد من quot; التقدم quot; سيعني خطوة أخرى تدفع عالمنا إلى الإيغال في السير في طريق تحطيم الذات و صولا إلى نقطة اللاعودة ما يدفع الى الشك في أن مفهوم التقدم قد احتفظ بمحتواه و أن المفهوم الحالي له يقوم بالدرجة الأولى على الزيادة المطردة للانتاج ضمن شروطه الحالية غير الملائمة للبيئة بل تلك الشروط التي يمكن أن نصفها بالانتحارية.
إن مفهوم التقدم لا يمكن أن يحصر ضمن إطار التقدم الصناعي كما تسعى بعض الأوساط التي تعمل على إعادة حشوه وجعله يتضمن حصرا التقدم الصناعي الذي يعني، ضمن شروط الانتاج الحالية، المزيد من إنبعاث الغازات و المزيد من التلوث و المزيد من ارتفاع درجة حرارة الكوكب.. الخ، هذا التحوير لمفهوم التقدم و لمحتواه قامت به الاوساط التي تحاول المحافظة على مواقعها في السوق العالمي في ظروف العولمة و الصراع الشديد على المواقع المقرون بالادراك بأن المواقع التي تخسرها دولة ما أو شركة ما في السوق العالمي سوف يتم اشغالها فورا من قبل منافس آخر مما يستدعي ( حسب وجهة نظر هذه الجهات ) تحشيد كل القوى و الامكانيات و ضمن كل الشروط غير الملائمة للبيئة للمحافظة على الموقع.
و يبدو البعد الآخر واضحا و هو أن عملية اعادة هيكلة الصناعة بما يضمن انتاجا في ظروف افضل بيئيا سوف يزيد من التكاليف مما يرفع كلفة المنتج الصناعي و يقلل من قدرته على المنافسة. كل هذا مرتبط بالربح و المزيد من الربح و المحافظة على المتحقق و تعزيزه.
ينبغي اعادة الشمول لمفهوم التقدم بإعتباره مفهوما عاما بما يجعله يتضمن كل ما يحسّن حياة الانسان ليس ماديا و على المدى القصير بل أيضا و من كل بد عالما نظيفا يستطيع فيه ليس الانسان وحده بل كافة الكائنات من حيوانات و نباتات ان تعيش فيه باطمئنان و تجد فيه بيئتها الملائمة.
و لكن هذه الاسئلة التي تحتاج إلى اجابات و التي تتضمن طرق الخروج من التورط المتسارع في صناعة حطام عالمنا القادم تنتهي نهايات مفتوحة و غير محسومة، فالغالبية العظمي من الناس لا تقبل بديلا عن المزيد من التحسين في مداخيلها و في شروط العمل المباشرة و الملموسة أما الاضرار غير المباشرة و التي ستظهر على المدى المنظور فيتم إهمالها حتى من قبل تلك الاوساط التي تتفهم من حيث المبدأ راهنيتها.
فحزب الخضر فقد الكثير من شعبيته بعد أن عمل على اصدار تشريع يزيد من الضرائب على السيارات الخاصة و يشجع استعمال وسائط النقل العامة التي تلحق اقل الضرر بالبيئة، فيما يبدو ان المصالح الأنانية،الآنية و المباشرة تتغلب على الادارك بعيد المدى لمصالح الكوكب و الساكنين عليه حتى لدى بعض شعوب اوربا المتحضرة.
هذه التساؤلات لا تحتاج إلى إجابات واضحة كخطوة اولى تشير إلى طرق الخروج من الدائرة الشيطانية فحسب بل أيضا إلى أن تكون الإجابات و الحلول مقبولة من قبل الاوساط ذات النفوذ و القوة أو أن تكره على قبولها كتشريع يضمن ان تتحول إلى قوة فاعلة و يتم الشروع بتنفيذها.
فهل سيستطيع اوباما أو أزديمير تحقيق جزء من برنامجهم و بشكل سريع في وقتنا المتسارع الآخذ بالنفاذ؟ هل سيستطيعان اقناع أو اكراه اوساط النفوذ و القوة المتمثلة بالشركات الكبرى و مراكز الثروة و النفوذ و تحويل رغبة الجماهير في التغيير إلى واقع؟