-1-
كان على كشف الحساب هذا، أن يظهر قبل سنة أو سنتين، لكي نرى نحن الليبراليين، هل خسرنا أم ربحنا في السنوات الماضية، التي كانت مفصلاً مهماً في مسيرة الليبرالية العربية؟
وهل نحن الليبراليين نتقدم أم نتراجع؟
لا شك بأن شعورنا، وسجلاتنا، ومشاهداتنا، وردود فعل القراء التي تُنشر أو تأتينا على بريدنا، تقول لنا بأننا نتقدم، ولو أن هذا التقدم بطيء جداً، وغير ملحوظ يومياً. فحالنا كحال الأزهار التي تتفتح، ولا نلحظ أو نشعر بتفتحها، ولكنها تتفتح، والدليل على ذلك، أنها تكون في بداية الربيع براعم، لا تلبث أن تتفتح بعد مدة لتصبح أزهاراً جميلة. ولكن لا أحد يلحظ هذا التفتح ساعة بساعة، ويوماً بيوم.
-2-
أن أكبر دليل على تقدم الليبرالية العربية في السنوات الخمس الماضية، هو خروج هذا الكمِّ الكبير من الكتّاب الليبراليين إلى ساحة الإعلام العربي، والتعبير عن آرائهم في مختلف القضايا والإشكاليات العربية، وتلك واحدة من فضائل quot;بغداد 2003quot; الجديدة والكثيرة علينا. وهو دليل على أن الليبرالية العربية، تكتسب فترة بعد فترة، المزيد من الكتّاب المثقفين. صحيح أن من بين الكتّاب الليبراليين من هم تافهون ومهرجون، لا يستحقون القراءة، ويجترون كلاماً مكروراً ومملاً، ولكن هذا طبيعي. فلا بُدَّ أن تخرج حبات معطوبة من سحارة الطماطم، وإلا كانت الطماطم من البلاستيك، وليست طبيعية.
-3-
أن أكبر دليل على تقدم الليبرالية العربية في السنوات الخمس الماضية، وجود هذا العدد الكبير من المواقع الإليكترونية الليبرالية التي تستقبل نتاج الكتّاب الليبراليين، وهذا العدد الهائل من ردود القراء على هذه المقالات، وهو ما لم يكن متوفراً في سنوات ما قبل quot;بغداد 2003quot; الجديدة.
صحيح أن هذا العدد، لا يقارن بكثرة المواقع الأصولية على الانترنت، ولكن علينا أن نعلم بأن العبرة ليست بالكثرة، ولكن بمدى التأثير. فمعظم المواقع الأصولية تُكرر نفسها، وتُكرر ما قاله الأموات والكتب الصفراء. في حين أن المواقع الليبرالية تحاول أن تأتي بالجديد كل يوم، وهي مرآة تعكس الواقع بكل تفاصيله وإشكالاته.
ورغم أن الخطاب الليبرالي ليس موالاً مطرباً، تهتزُ له أعطاف السكارى، وليس خطاباً شعبوياً، يشبع غرائز الجمهور، ويمسح على جراحهم النرجسية الغائرة، ولكنه موجه بالدرجة الأولى للنخبة العاقلة، حيث النخبة العاقلة هي التي تصنع التاريخ وليس الجمهور المصفق، إلا أن الخطاب الليبرالي السياسي والديني والثقافي والاجتماعي نال حظاً كبيراً ووافراً لدى الجمهور، حيث أقبل الجمهور عليه، ولم يُقبل الخطاب الليبرالي على الجمهور، مع تأكيد الليبراليين دائماً بأنهم ليسوا مطربي السهرة، ولا راقصي الزفة، وليسوا خطباء المنابر الملتهبة بالمشاعر والغرائز، والجروح النرجسية.
-4-
أن أكبر دليل على تقدم الليبرالية العربية في السنوات الخمس الماضية، هو ظهور كثير من الليبراليين النساء والرجال في الصحراء العربية ومنطقة الخليج العربي. فمن كان يظن، أن هذه المنطقة من العالم العربي هي ساحة رمّاحة للأصوليين فقط، فهو خاطئ. ولعل ليبراليي هذه المنطقة من العالم العربي، هم من أكثر ليبراليي العالم العربي حماسة وشجاعة وإقداماً. ومن يقرأ الصحافة الورقية الخليجية الآن، يرى أن تسعين بالمائة منها ذات توجه ليبرالي، تنادي وينادي كتابها ndash; وهم الأكثرية - بضرورة النقد الذاتي، وفرز التراث، واحترام حقوق الإنسان، وبالمساواة بين الرجل والمرأة، وبحرية الرأي والرأي الآخر، ورفع الرقابة كليةً عن الثقافة، وبالمساواة بين كافة المواطنين بالحقوق والواجبات بغض النظر عن جنسهم، ولونهم، وطائفتهم.
-5-
ليس لدينا إحصاء دقيق لعدد الكتَّاب والإعلاميين الليبراليين في العالم العربي مقارنة مع عدد الأصوليين. ولكن الشاهد أن أعداد الليبراليين تزداد كل يوم. وما هذا الصوت الأصولي العالي والمتفوق الذي نسمعه كل يوم، إلا من جرّاء منح الأصوليين الحظوة الأولى لدى الأنظمة العربية، خوفاً من الأصولية وليس حباً لها، أو إيماناً بطروحاتها. فالليبراليون لا يملكون سيوفاً ولا سياطاً، ولكنهم يملكون أقلاماً فقط.
أما الأصولية، فهي تتسلح بالسيوف، والخناجر، والسياط، والأحزمة النازفة، والمتفجرات، والسيارات المفخخة. ومن هنا، تتغاضى الأنظمة العربية عن كثير من نشاطات الأصولية. فلا يُغلق لهم موقع على الانترنت إلا مقابل غلق عشرات المواقع الليبرالية، ولا تُحجب لهم صحيفة إلا مقابل حجب عشرات الصحف الليبرالية. ونشاهد في الوقت ذاته أقوى وأكبر الفضائيات وأكثرها تأثيراً في الرأي العام العربي، تفتح ذراعيها لهم ليقولوا ما يشاؤون، ويشتموا كما يشاؤون، ويكفِّروا الآخرين، ويخرجونهم من الملة كما يشاؤون.
فهل كان يمكن لخطاب quot;القاعدةquot; الدموي الإرهابي أن ينتشر هذا الانتشار الكبير، لولا وجود فضائيات ذات جماهيرية واسعة، تبثُّ خطابات ابن لادن بالصوت والصورة كل ساعة، وعلى مدار الساعة، وفي مقدمة نشراتها الإخبارية. وتأتي بـ quot;المعلقين المتخصصين بالجماعات الإسلامويةquot;، التي أصبحت بضاعة رابحة، لتحليل هذا quot;التنزيلquot;، وإلقاء الأضواء على هذا الهُراء والخطابات البلهاء، ولمدة يومين كاملين، كما تمَّ لهرطقات وشعوذات ابن لادن الأخيرة قبل أيام؟
وما زال في الجُعبة كلام.
السلام عليكم.