من المهم الإقرار بداية بان أية إجراءات تتخذها الحكومات في الوقت الحالي للتعامل مع الأزمة المالية هي إجراءات تجريبية بطبيعتها، قد تصيب وقد تفشل، لأننا ببساطة لا نعرف الحل الأفضل بحكم أن الأزمة الحالية تختلف عن كل الأزمات السابقة من حيث أنها نتاج للدين المفرط للمؤسسات المالية شجعت عليه الابتكارات في مجال الخدمات المالية ووسائل الاتصال الحديثة التي خفضت تكلفة عقد الصفقات المالية إلى الصفر تقريبا.
لقد اقتصرت برامج الإصلاح حتى الآن على ضخ أموال حكومية في رأسمال البنوك واعتماد برامج انتعاش اقتصادي تعتمد على استثمارات حكومية ضخمة في مجال البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة، على أمل أن تساهم في خفض البطالة وزيادة الطلب على السلع والخدمات مما يشجع بدوره استثمارات القطاع الخاص. لكن هذه الإجراءات لم تتعامل حتى الآن مع احد جذور الأزمة وهو تراكم ما يسمى بالأصول المسمومة أي قروض البنوك المتعثرة المشكوك في تحصيلها. وحصل هذا بعد أن تراجع وزير المالية الأمريكي السابق عن مقترحه الأصلي لشراء هذه الأصول وإخراجها من الحسابات المالية للبنوك (ربما على اعتبار المهمة مستحيلة من حيث صعوبة تقييم أسعار هذه الأصول) وفضل بدل ذلك مساهمة الحكومة الأمريكية في رأسمال البنوك، وهو إجراء سبق وأن اعتمدته حكومة جوردون براون في المملكة المتحدة، التي قامت كذلك بضمان الأصول المسمومة، حيث تتكفل الحكومة بدفع 90% من مستحقات هذه الأصول في حال لم يقم المدين بالسداد.
مع تواصل التدهور الاقتصادي نتيجة تردد البنوك في الإقراض، بدا هناك إحساس جديد بأنه لا بديل عن التعامل بطريقة أفضل مع الأصول المسمومة للبنوك، ومن هنا جاء مقترح quot;البنك السيئquot; أو ldquo;Bad Bankrdquo;. وتقوم الفكرة على إنشاء بنك مستقل يقوم بشراء كافة الأصول المسمومة من البنوك الأخرى وبذلك يتخلص النظام المالي من هذه المشكلة وتعود الثقة فيه مما يعطي دفعا للإقراض في أسواق ما بين البنوك (quot;الانتربنكquot;)، وتعود بذلك السيولة إلى شرايين الاقتصاد الوطني، وهو ما حصل في التجربة السويدية عام 1991. ومن المهم التنويه بان البنك السيئ يقوم بشراء الأصول المسمومة بأسعار السوق المنخفضة بطبيعتها ويتوجب على البنوك تحمل الخسائر المترتبة عن هذه العملية، وهي خسائر يتحملها المساهمون في رأسمال البنك. وهذا هو نموذج quot;البنك السيئ الصالحquot; أوldquo;Good Bad Bankrdquo; خلافا لنموذج quot;البنك السيئ الطالحquot; أو (Bad Bad Bank ) الذي يقوم بشراء الأصول المسمومة بأسعار تفوق أسعار السوق (بدعوى مساعدة البنوك)، وهذا مثال سيء لان دافع الضرائب سوف يتحمل التكلفة وكذلك لان هذا الإجراء من شانه أن يشجع المؤسسات المالية على مزيد المخاطرة في المستقبل، وهي ظاهرة يطلق عليها في علم الاقتصاد ldquo;Moral Hazardrdquo;.
بعد طول تردد، يبدو أن هناك مقترحات جدية باعتماد نموذج البنك السيئ من طرف إدارة الرئيس اوباما. والمشكلة الوحيدة التي سوف يتوجب التعامل معها في هذه الحالة تتمثل في الخسائر الكبرى التي سوف تمنى بها البنوك، مما يعني تأميم عدد منها (بصفة وقتية) أو إفلاسها. وهذا خيار صعب، وربما الأصعب من ذلك كيفية تخلص البنك السيئ من الأصول المسمومة التي يجمعها. والتجربة الصينية في هذا المجال غير مشجعة. لقد قامت الصين بإنشاء 4 مؤسسات لإدارة الأصول المسمومة عام 1999 والمقدرة بحوالي 540 مليار دولار، التي قامت المؤسسات المعنية بشرائها مقابل إصدار سندات تكفل المصرف المركزي الصيني بشرائها، وإلى الآن تجد البلاد نفسها متورطة في هذه العملية. لكن تحسن الوضع الاقتصادي في الدول الغربية قد يساعد البنك السيئ على بيع هذه الأصول ربما بسعر أفضل من سعر الشراء. ومهما كانت الشكوك على هذا المستوى، يبدو أن حل البنك السيئ هو الأفضل في الوقت الحاضر مقارنة بكل الخيارات المطروحة الأخرى.

كاتب المقال محلل إيلاف الاقتصادي وخبير سابق بصندوق النقد الدولي بواشنطن
[email protected]