(1)تشخيص الازمة
الهجرة واسباب جديدة
استفحلت مؤخرا العديد من المشكلات الصعبة في الأوطان الجديدة التي اختارها المهاجرون واللاجئون واللائذون والفارون والهاربون من المسلمين الذين تركوا أوطانهم القديمة في العالم الإسلامي إلى حيث يلقي كل من هؤلاء رحله في مكان ما من شتات هذا العالم الفسيح، وبأساليب منها رسمية، ومنها إنسانية، ومنها مناورات غير قانونية.. ولعل أغلب هؤلاء يأتون من بلدان العالم الإسلامي في كل من آسيا وأفريقيا لمختلف الدواعي والعوامل، تقف على رأسها أسباب سياسية، وأمنية، ومعيشية صعبة، وأخذت اليوم طورا جديدا من الأسباب العقائدية والانقسامية والطائفية، أو يبرر البعض وجوده من خلال (الهجرة)، عشقه لها كونه يسّجل حسنات في ميزان أعماله مشبها نفسه بالمهاجرين المسلمين الأوائل وأدوارهم في نشر الدين! إذ أن هذا اغرب ما سمعته مؤخرا، ذلك أن الهجرة إلى العالم (وخصوصا إلى المجتمعات الغربية الكافرة بالذات) هي نوع من الجهاد، وان المهاجرين كمن يلوذون بعالم آخر، كي يبشرون بدينهم أسوة بما فعله المهاجرون الأوائل في الإسلام! وهم، اليوم على قناعة تامة بما يفعلون.
الاعراف الوطنية
إن اغلب هؤلاء الذين يجدون أنفسهم في دول أخرى تنقذهم إنسانيا، أو تمنحهم حق اللجوء سياسيا، والهجرة إلى مدن آمنة ومستقرة، تعتبر ملاذا لهم، وهم لا يعرفون أي شي عنها، ولا عن قوانين البلاد الجديدة، ولا عن أعرافها، ولا عن ثقافاتها، ولا عن أنظمتها الإدارية والاجتماعية.. ولا يفقهون شيئا من الأعراف الوطنية التي يتمسك بها أي بلد من بلدان العالم.. وعلينا أن ندرك، كما يعرف الجميع، أن بلدان العالم الحر، فقط، هي التي فتحت أبوابها لأمثال هؤلاء الذين وصلوا إليها بمعاملات رسمية، أو بأساليب غير رسمية ولا مشروعة سواء كان ذلك في دول غربي أوروبا، أم الأمريكتين، أم استراليا ونيوزيلندا.. وأحتوتهم وقدمت لهم المساعدات.. أما بقية دول العالم شرقا وغربا، فلا يمكن لها أن تفتح أبوابها لكائن من كان إلا بصعوبة منقطعة النظير، ومنها اغلب بلدان العرب والمسلمين التي تتشدق ليل نهار بالعروبة والإسلام..
اضمحلال الهوية
إن جملة من القوانين كانت قد صدرت في دول العالم الحر كهذه، حتى وصل الأمر إلى أن يقيم الإنسان في المهجر، ثم يصبح مواطنا من مواطني تلك الدول شريطة أن يلتزم بالأعراف الوطنية التي إن أدى القسم أمام القضاء عن ذلك، مستكملا شروط المواطنة، فانه يمنح إياها، ويصبح احد أبنائها.. وبالرغم من ذلك، فان تجارب المهاجرين أثبتت بما لا يقبل مجالا للشك، أن تلك quot; المواطنة quot;، هي مجرد حبر على ورق، في عرف بعض المهاجرين، وخصوصا للجيل الأول الذي يبقى متماهيا في انتمائه، ويغدو أولاده من الجيل الثاني مزدوجي الثقافة.. في حين يندمج الجيل الثالث بعد أكثر من خمسين ـ ستين سنة من حياة المهجر في المجتمعات التي ولد ونشأ فيها. إن عملية الاندماج بتلك المجتمعات، يكاد يكون مستحيلا عند أغلبية أبناء الجيل الأول، بل وكلما يمضي الزمن، نجد أن المهجر محطة، أو معبرا لأمر يجهله صاحبه نفسه، فهناك من يقضي ما تبقى من عمره، وهناك من جعله مهجرا سياحيا في رحلة شتاء وصيف، فهو يعمل في مكان ويؤمّن على ملجأ في مكان آخر.. ومنهم من رسخ في ذهنه، أن المهجر هو ارض الله الواسعة التي له الحق في أن يقيم، أو حتى يعبث بها.. ومنهم من بدأ يؤسس لتيارات سياسية سرية، ولطقوس دينية علنية، ومجالس طائفية خاصة، ولوبيات عنصرية، إذ يعكس كل طرف من الأطراف، طبيعة ما يؤمن به، حتى وان تعارض ذلك مع الأعراف في أي بلد من بلدان المهجر!
الامن والقانون اولا واخيرا
إن مجتمعاتنا وبلداننا معا لا يمكنها قبول مجموعات بشرية غريبة عنها أبدا، وان قبلت، فهي لا تمنح المواطنة لكائن من كان إلا لأسباب نادرة.. ويبقى كل مقيم، أو لاجئ، أو أجنبي مطالب بالالتزام بأعراف بلادنا الوطنية.. فكيف إذا لم يلتزم بذلك أبدا؟ وكيف إذا زاد من نزقه وبدأ يشتغل بسياسات محظورة في مواطنه الجديدة المهاجر إليها، أو يسيء إلى الأمن والنظام؟ مثيرا للشغب.. مشيعا للكراهية والاحقاد.. كيف إذا تمتع بمكان عبادة وتهجد تصرف عليه الدولة الغربية التي قبلته من المال العام، وهو يستخدم ذلك quot; المكان quot; لإغراض مبهمة وسرية وغير سليمة أبدا تتعلق بالإخلال بالأمن والسلامة العامة؟ إن المناخات الحرة في البلدان التي استقبلت المهاجرين واللاجئين.. قد سمحت بالعمل السياسي والاتجاه الفكري الذي منح حقوقه الدستور وضمنها في اطار خدمة ذلك البلد، بحيث لا يؤثر ذلك على الأمن الداخلي للدول المضيفة لمجموعات هائلة من الجاليات. لقد أثبتت تقارير رسمية نشرت مؤخرا في كل من استراليا وكندا ان ثمة مشكلات كبيرة مع الجاليات الإسلامية بالذات فيها، إذ لا تكثر المشكلات إلا لدى الجاليات الإسلامية مقارنة بغيرها سواء من الصين أو الهند. إن الآلاف المؤلفة من هذه الجاليات الإسلامية لا تدرك معاني الحقوق المدنية في البلاد التي تقيم فيها، بل ويتعمّد البعض الإساءة ومزاولة الضرر العام.
لماذا يهاجرون الى بلاد الكفر والدعارة؟
إنهم يهاجرون، أو يلجئون إلى بلاد غريبة عنهم منحتهم حق المواطنة، والعيش الكريم، والإنسانية، ولكنها تبقى في ذاكرتهم (بلاد الكفر والكفار)، كما يقولونها صراحة، ولقد سألت أحدهم، وقد أعادها أمامي أكثر من مرة : إذا كانت كذلك، لماذا أتيت إليها، وأقمت فيها؟ يجيب : كي اهرب من الاوضاع الصعبة في بلداننا الأصلية، وأجاهد من هنا! اجيبه: ولكنك تتمتع بحقوق إنسان لم تتمتع بها في أي مكان آخر! يجيب : كل شيء مباح! ويظن هؤلاء أن الحريات الممنوحة لهم هي مجال يتحركون من خلاله سياسيا وعقائديا ضد الآخرين، وان المهام التي يؤدونها تستند إلى مرجعيات متمكنة في بلادهم الأصلية. إن معظم أدبياتهم، تشير إلى أن بلدان أوروبا وأمريكا واستراليا ونيوزيلندا.. بلاد دعارة وانعدام أخلاق، وأنها ـ كما تبدو لهم ـ بمنتهى القبح بالرغم من كل ما يحظون به من رعاية واهتمام فيها.. وما يصرف عليهم من تأمين صحي، وتعليم مجاني، ومساعدات اجتماعية.. الخ مباح لهم! واقرأ عند بعضهم، أن ثمة ممارسات اضطهاد ضدنا، دون أن يدركوا متسائلين : لماذا تبلور أي نوع من أنواع الاضطهاد والتي يعاقب عليه القانون عقابا قويا؟؟ هل استوعب هؤلاء كلهم.. البلاد التي جاءوا إليها؟ وهل عرفوا أنظمتها في الحياة؟ من الصعوبة أن يندمجوا مع الآخرين، ولكن من الخطأ العمل ضد قوانين البلاد، ومحاولة زعزعة نظمها..
(انتظر الحلقة الثانية : تفاقم الازمة)
www.sayyaraljamil.com