أمير طاهري: بينما تدخل أزمة ما بعد الإنتخابات في إيران أسبوعها الثالث يبدو أن لا إستراتيجية مخصصة تتبعها الحكومة ولا المعارضة للتعامل مع تداعياتها. فالحكومة منقسمة إلى ثلاثة أجنحة: جناح يقوده quot;المرشد الأعلىquot; علي خامنئي الذي يحاول استخدام مرجعيته للحيلولة دون حدوث مزيد من الانقسامات داخل النخبة الحاكمة.

في البداية حيا خامنئي اعادة انتخاب الرئيس محمود احمدي نجاد في 12 حزيران/يونيو بوصفها quot;انتصارًا للاسلامquot; حتى قبل ان تغلق مراكز الاقتراع ابوابها. وسائل الاعلام الرسمية وصفت تدخل خامنئي بأنه quot;فصل الخطابquot; بلغة لاهوتية، تعني quot;نهاية المسألةquot;.

ولكن عندما نزل ملايين الى الشوارع لرفض النتيجة وافق خامنئي على اعادة فرز جزئية وأوعز بإرجاء الاعلان الرسمي عن النتيجة لمدة اسبوع ، في خطوة لا سابق لها. كما حاول شق صفوف المعارضة. اقترح خامنئي على الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني ورئيس البرلمان السابق ناطق نوري ضمانة عامة ضد ملاحقتهما وافراد عائلتيهما قانونيا بتهمة الفساد. (خلال الحملة الانتخابية توعد احمدي نجاد بتقديم الاثنين الى العدالة).

كما وعد مبعوثو خامنئي المعارضة بنصيب أكبر في انتخابات العام المقبل لاختيار مجلس اسلامي جديد ، هو برلمان ايران المزعوم. يشكل احمدي نجاد ومؤازروه في المؤسسة العسكرية ـ الأمنية جناحا ثانيا داخل النظام. وهم من البداية كانوا ينظرون بازدراء الى محاولات خامنئي التصالحية.

في الاسبوع الثاني من الأزمة كانت هناك بوادر تشير الى ان الغالبية ربما أخذت تؤول الى جناح احمد نجاد. وبدا ان الحملة الشعواء في عموم البلاد التي اوقعت 25 قتيلاً على الأقل وأدت الى اعتقال أكثر من ثلاثة آلاف شخص ، أسفرت عن تهدئة الشوارع في وقت انحسرت المسيرات الاحتجاجية الى انفار.

بحلول يوم الجمعة الماضي ، كان آية الله احمد خاتمي ، وهو من كبار ممثلي الجناح المتشدد ، يدعو الى تقديم قادة المعارضة للمحاكمة بتهمة الخيانة. جناح ثالث يضم شخصيات مثل رئيس البرلمان علي لاريجاني وعمدة طهران محمد باقر قليباف ، رفض التسليم بإعادة انتخاب احمدي نجاد منتقدا في الوقت نفسه quot;تجاوزاتquot; المعارضة.

يمكن ان نلحظ الانقسام على كل المستويات: من عائلة خامنئي وحاشيته الى أجهزة الدولة مثل البرلمان ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجمع الخبراء.

مع كل يوم يمر يزداد وضوحًا ان القوة وحدها لا يمكن ان تحل المشكلة. وفي حين ان عدد المحتجين تناقص في الشوارع فإنّ جهودًا تُبذل لتنظيم اضرابات عامة ، بما في ذلك اضرابات في البازارات وصناعة النفط والغاز الحيوية. نشر النظام نحو 100 الف رجل من افراد الباسيج (تعبئة المستضعفين) للسيطرة على طهران وثماني مدن كبيرة أخرى.

ولكن من الواضح ان مثل هذا التحشيد لا يمكن الاستمرار به طويلا. وثمة مخاطرة تتمثل في انضمام مقاتلين من الباسيج الى صفوف المحتجين. وقال حسين طالب القائد الاعلى للباسيج quot;ان اعدادا كبيرة من الأفراد الذين يرتدون ملابس الباسيجquot; اعتُقلوا بعد مشاركتهم في مسيرات احتجاجية.

ان الباسيج ، الذين غالبيتهم مراهقون من الأرياف ، مكشوفون لـquot;مغرياتquot; الطبقات الوسطى المدينية. وان مواطنين يدعون افراد الباسيج الى بيوتهم ويقدمون لهم الطعام والمرطبات ويطلبون منهم ان quot;يتخذوا جانب الأمة ضد الظالمينquot;. يعترف طالب quot;ان بعضهم يمكن ان يستسلم للاغراء بانكشافه الى هذا النوع من غسيل الدماغquot;.

في الواقع ، إذا تفكك الباسيج يمكن ان يلعب النظام ورقته القوية وهي الحرس الثوري الاسلامي. ولكن الحرس الثوري ايضا منقسم على نفسه حيث يتعاطف عدد غير معروف من ضباطه مع المعارضة. وما هو أسوأ من وجهة نظر النظام ان الحرس الثوري إذا سيطر على البلد يمكن ان يغريه ذلك بأخذ مقاليد السلطة بيده بدلاً من حماية ملالي فقدوا شرعيتهم.

المعارضة ايضًا منقسمة.

اعتمد موسوي مقاربة الحد الأدنى بالتركيز حصرًا على قضية الانتخابات. وامتنع عن انتقاد النظام بأكمله مجازفًا بخسارة قسم من قاعدة تأييده. مهدي كربوي ، المرشح الرئاسي الخاسر الآخر ، حاول اثارة قضايا أخرى لا سيما تحديد سلطات quot;المرشد الأعلىquot; بتعديلات دستورية. المرشح الخاسر الثالث محسن رضائي مير قايد أقر عمليًا بإعادة انتخاب احمد نجاد مقابل وعود بمنح مؤيديه عددًا اكبر من المقاعد في البرلمان القادم. كما يبدو ان قطبين آخرين من اقطاب المعارضة يتفاوضان لعقد صفقات يبقيان بموجبها جزءًا من المؤسسة.

الرئيس السابق محمد خاتمي يقترح الامتناع عن رفض اعادة انتخاب احمدي نجاد مقابل موافقة الحكومة على اسقاط التهم المتعلقة بتمويل مؤسسته quot;بارانquot;. الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني من جهته يجري مفاوضات لتأمين الحصول على ضمانة بعدم توجيه تهم ضده وضد افراد عائلته. كما يريد رفسنجاني نصيبًا أكبر من السلطة لجماعتين سياسيتين يدعمهما ، بما في ذلك ان يكون له تمثيل في حكومة احمدي نجاد الجديدة.

المجهول في هذا كله هي مشاعر الملايين الذين ما زالوا غاضبين على النظام. وقياسًا على استمرار التظاهرات بصورة متقطعة والهتافات التي تردد quot;يسقط الدكتاتور!quot; من الأسطح في عموم البلاد ، لا يبدو ان المارد الذي خرج من القمقم مستعد للعودة اليه. لعل ايران مقبلة على مياه لم تبحر فيها من قبل.

ما زال بامكان النظام أن يعيد بناء وحدته ، جزئيًا على الأقل ، وان يسترد السيطرة بممارسة البطش على نطاق واسع. كما يستعد احمدي نجاد لإجراء جولة جديدة من التطهيرات التي بدأها قبل اربع سنوات لتوحيد نظام الحكم على المستويات كافة بطرد العناصر quot;نصف الحبلىquot; ، أي الأفراد الذين يحلمون بالابقاء على النظام الثيوقراطي وراء واجهة ديمقراطية. وفي هذه الحالة سيصبح النظام مجرد دكتاتورية أخرى من نمط العالم الثالث يحافظ على سلطته باستخدام القوة. وسيفقد مفردة quot;الجمهوريةquot; من اسمه الرسمي مع الابقاء على دعواه بصفة quot;الاسلاميةquot;.

ولكن من الجائز ان تعود حركة الاحتجاج بعنفوان أكبر بعد فترة من الاختمار. فالحركة التي أدت الى سقوط الشاه احتاجت الى سنة لتحقيق هدفها ، ومرت هي ايضًا بفترات من الهدوء النسبي عندما شُطب عليها بوصفها quot;قوة مستهلَكَةquot;.