جاء ابني ميكال في الصباح ونظر إلي بعينيه الصافيتين وقال "ماما أنا بانتظار أن تمتلئ الدينا بالثلج" فقلت له "أي حلو أنك تحب كل الفصول". فأضاف بفرحة "أنتظر الثلج لأن سانتا سيأتي مع الهدية عندما يغطي الثلج كل الدنيا!". سانتا كلوز هو بابا نويل الذي كما يعلم الجميع يحضر الهدايا ليلة الميلاد ويضعها في أسفل الشجرة المزينة والمضاءة.
منذ أن وصلت إلى كندا قبل عشرين سنة وأنا أستمتع كثيرا بأوقات عطل الميلاد. من لا يستمتع بالمدينة المزينة بكل أشكال الإضاءة وألوانها، بالبيوت التي تتحول إلى لوحات فنية مضاءة وبمنظر أشجار السرو المزينة من الشبابيك، وفوق كل ذلك جو الفرح الذي يعم البلد بشكل عام؟ كنا أنا وأخواتي نضحك ونقول كوننا مسلمين نستطيع أن نستمتع بكل الأشياء الجميلة في هذه العطل من مناظر جميلة وعطلة من الدراسة وترخيصات في الأسواق. ومع نهاية الموسم نكون قد أصبحنا ندندن أغاني الميلاد أيضا...جينغل بيل... جينغل بيل... وهذا من غير أن نعذب أنفسنا بواجبات الموسم من توزيع الهدايا على القاصي والداني وتزيين المنزل وشراء الشجرة وزينتها كل سنة.
ثم أنتهى هذا العهد المريح مع وصول الأولاد. ما زال غامضا بالنسبة لي كيف عرف ميكال صاحب السنوات الأربع، الذي لم يذهب إلى حضانة إلا منذ شهر (وصاحبتها مسلمة) ولا يتكلم إلا العربية، بكل التفاصيل المحيطة ببابا نويل ووقت حضوره. كنت صادقة مع أولادي الأكبر وأخبرتهم أن بابا نويل خيالي عندما سألوني إن كان سيمرعلى بيوت المسلمين أيضا ولكن قلت لهم أن يبقوا السر بيننا لأن الكثير من الأطفال الآخرين يعتقدون بأنه حقيقي. ولكن مع ميكال الذي يحب السحر والخيال ويحرس مكتبه الصغير تنين أحمر على اليمني وتنين أسود على اليسار أحببت أن انتظر قليلا قبل محادثة "بابا نويل لن يأتي لبيتنا". سنعود لقصة بابا نويل لاحقا ولكن السؤال الذي يطرح نفسه كل سنة ويتناقش به جزء كبير من المسلمين الموجودين في بلاد الغرب هو كيف سنتعامل مع أعياد الميلاد. هل نقول لأولادنا (ولأنفسنا) هذا ليس عيدنا ولا يجوز أن نحتفل به ونحن محاطون بكل أشكال الاحتفال والبهجة في كل مكان من المدرسة للسوق للجيران وحتى المباني والشوارع العامة؟&
&مثل الكثير من الأشياء الأخرى في حياتي ساعدني أولادي على أن أتعامل مع أعياد الميلاد بشكل جديد. عندما وصل أولادي الأكبر من ميكال لعمر يفهمون فيه ما يجري حولهم بدأت المحادثات عن العيد وطقوسه وما هي مناسبته ومناقشات من هذا القبيل. وتحدثنا عن أنه عيد ميلاد النبي عيسى عليه السلام المتفق عليه لأنه إذا كان تاريخ ميلاد جدي رحمه الله ليس أكيدا فمن الطبيعي أن يكون عيد ميلاد النبي متفقا عليه أيضا. هكذا شرحت لهم حتى لا أدخل في تفاصيل تاريخية وثقافية وأن الثقافة المسيحية أخذت أعياد الرومان وغيرت أسمائها. وجدت أن قصة جدي أفضل لتقريب الفكرة. وببديهة فطرية سألوا "مثل المولد النبوي عندما وزعوا علينا حلويات في الحضانة الإسلامية؟" قلت لهم "تماما، ولكن عند اصدقائنا المسيحين هذا يعتبر مثل عيد الفطر أو عيد الأضحى بالنسبة لنا يعني أنه أكبر من المولد النبوي". لم يكن عند الأولاد مشكلة في تقبل كل هذه الأمور ولكن طبعا بابا نويل والهدايا كان الأهم في المحصلة فقلت لهم أن الأولاد الآخرين لا يأخذون العيدية والملابس الجديدة التي تأتيكم في العيد ولكن للتعويض يمكن أن نعمل عشاء عائلي بمناسبة عيد ميلاد النبي عيسى عليه السلام. وهكذا كل سنة نشارك بأفراح أهل البلد بأن نعمل مولدأ في بيتنا.
مرة مررت من بيت مزين وكأنه ليلة عيد الميلاد ولكننا كنا في الصيف وضحكت بيني وبين نفسي وقلت أصحاب البيت إما نسوا الزينة من الشتاء الذي قبله أو خربطوا في توقيت الفصول ثم انتبهت أن هناك أعلام وعليها إشارات إسلامية وكان يومها ثاني أو ثالث أيام عيد الفطر فأدركت أنه بيت عائلة مسلمة تحاول أن تخلق جو عيد إسلامي مشابه لأجواء أعياد الميلاد. قدرت جهدهم وفكرت بالموضوع قليلا ووجدت أنني شخصيا لم أجده مناسبا. كما أنك تقول للأولاد سأعمل لكم مثل الكرسماس أو عيد الميلاد تماما لا تزعلوا ولكنه سيكون في عيدنا. أنا رأيي أن نستمتع بكل عيد بخصوصيته وطقوسه المعينة. نذهب للمسجد في عيد الفطر وبعدها للتربة ونتزاور مع الأصدقاء والأقارب ويلبس الأولاد الملابس الجديدة ويحصلون على العيدية من الأهل ونأكل كلنا أكثر مما يلزمنا بكثير من السكر يومها. وأيضا أوقات أعياد الميلاد نستمتع بها كما هي من زينة مضاءة وأجواء جميلة وسهرات دافئة وعشاء نذكر فيه عيسى عليه السلام.
أعرف أنه سيأتي من يقول المسلم الذي يشارك في أي من مظاهر الاحتفال بأعياد الميلاد فدينه ضعيف ويريد أن يستغرب أي أن يصبح غربيا ويريد أن يخرج من جلده وغيرها من الانتقادات اللاذعة. فكرت بالأمر وتخيلت لو أن عائلة مسيحية أو بوذية تعيش في بلد أغلبية سكانه من المسلمين الذين يحتفلون بعيدي الفطر والاضحى وأن هذه العائلة توزع الحلوى يوم العيد على الأطفال وأنهم يعايدون جيرانهم بهذه المناسبة وربما يلبسون أطفالهم ملابس جميلة يومها ليجاروا أناقة باقي الأطفال وأنهم يذهبون للحديقة للعب والاستمتاع بالعطلة وبالأجواء الاحتفالية. لو رأيت هذا هل كنت سأقول إنهم يريدون أن يخرجوا عن دينهم أو عن جلدهم كما جرى التعبير؟ أم أنني سأرى عائلة تحترم تقاليد اغلبية السكان وتعرف أن تستمتع بالناحية الجميلة من العيد من غير أن تفقد دينها أو هويتها الثقافية؟ أنا مع الرأي الثاني طبعا. يبقى موضوع بابا نويل الذي يتطلب أن أكذب على الأولاد وهذا ليس مريحا لي وليس عمليا لأنني لا أريدهم أن يفكروا فقط بالهدايا والألعاب بهذه المناسبة. أما من ناحية العيد بحد ذاته فأجد أننا نستطيع أن نشارك فيه ونستمتع به وأن نتذكر فيه قصة عيسى عليه السلام وهي مناسبة لنحكي قصة أمه مريم وقصة ولادته التي هي جزء من ديننا وتراثنا أيضا. لماذا يجب أن تعني مشاركتنا في طقوس واحتفالات أهل البلد الذي نعيش فيه تنكرا لديننا وثقافتنا الإسلامية. الله تعالى قال في كتابه "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". أي أن الله أراد للبشر أن يكونوا مختلفين ويشرح السبب بشكل واضح. أن نتعارف. أن يعرف قدرتنا على أن نعرف بعض ونتقبل بعض رغم اختلافاتنا.&
بالنسبة لميكال وسانتا قررت أن أقول له الحقيقة بعد أن أخذني منذ عدة أيام ليريني فتحة مدفأة الخشب التي في بيتنا وقال إنها صغيرة جدا وأنه يريد أن يجرب أن يدخل فيها حتى يتأكد أن سانتا سيستطيع أن يمر منها! هو ما زال غير متأكد مما أخبرته. بالنسبة للزينة على البيت فشكرا جزيلا سأستغني عنها في أعياد الميلاد وكذلك في أعياد المسلمين لأنه عندي أولادي الأربعة يجب أن ألبسهم ملابسهم كل يوم ولا أريد أن أضيف لذلك ملابس للبيت أيضا.
&