تتواصل ردود المثقفين المصريين حول نهاية مشروع الجماعة الإخوانية تنظيما وفكرة، وفي الجزء الأول من هذه الردود كان ثمة إجماع على أن الجماعة تلقت ضربة أجهزت على الكثير من قواها الداخلية والخارجية لكنها لم تنته ولم تتفكك كجماعة وتنظيم ولم تسقط كفكرة، فهي متغلغلة في جسد الوطن وتاريخها يحمل الكثير من المراوغات، فقد اعتادت على الكمون والدخول في حالة بيات حتى تنتهي العاصفة أو المحنة لتعاود الظهور مرة أخرى، حدث ذلك في العهد الملكي وعهود جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك، أيضا لابد لانهاء مشروعها من العمل على التنمية الثقافية والتنمية الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية وتوفير سبل الحياة الكريمة، وتطهير المؤسسات الثقافية والتعليمية والتربوية من كوادرهم، وكل هذا لم يبدأ العمل عليه بعد بل لم تظهر بوادر ونوايا العمل عليه.
على أية حال نواصل التعرف على رؤى المثقفين والكتاب والتي ترسم خارطة الجماعة كمشروع تنظيما وفكرا لا يزال يعمل في الشارع المصري، والأسباب والدوافع التي تكفل له الاستمرار والدعم والمساندة والإمكانيات المتاحة لمقاومته وانهائه.&&&

إنهم يجرفون عقول التلاميذ والطلاب
الكاتب والناقد د.عيد صالح يتحدث مندهشا من واقع تجربته "لم أكن أتصور حجم ولا عدد المنتمين للثورة المضادة والطابور الخامس ممن اصطلح علي تسميتهم بالخلايا النائمة حتي أتيحت لي فرصة زيارة مدارس محافظة دمياط وبعض كلياتها في قوافل ثقافية في احتفلات اكتوبر 2013 لأفاجأ بحجم التجريف الذي حدث للتلاميذ والطلاب واستيلاء المتطرفين والمتخلفين علي منابر الأنشطة الثقافية من إذاعة وخطابة ورسم وغناء وتحولت إلى تواشيح غبية تغييبية وتكفيرية وثغاءات كمأمآت العنزات في هجوم كاسح للذئاب ما الذي حدث وكيف ومنذ متي بالتأكيد لم يحدث ذلك بين ليلة وضحاها ولم يكن في ذلك العام الذي استولت فيه جماعة الاخوان علي الحكم، ولكن الأمر أبعد من ذلك بكثير ويرجع لسنوات الردة الساداتية ونزوح الآلاف لمجتمع النفط الوهابي وعودتهم بسلوكيات وأفكار البداوة الفظة والتي تخلي عنها أهلها بانفتاحهم علي العالم التقني والذي لا يتعارض مع المباديء السماوية وجرت مياه كثيرة، لقد زحف المتأسلمون برضا نظامي السادات ومبارك علي النقابات منذ عام 1978 وحتي الآن إلى المؤسسات التعليمية بما فيها الأنشطة وأولها الإذاعات المدرسية وتحولت المدارس الي خلايا رسمية كالنقابات والتي انتهت بسيطرتهم علي نقابة المعلمين.
&ويضيف د.صالح "هكذا كان سهلا في العام الذي تمكنوا فيه من السلطة أن يغيروا في عام واحد أشياء مهولة في المناهج والبرامج وإعداد الكوادر الملقنة سلفا ولسنوات بأفكارهم التي يقودونهم بها حتي الآن ورغم اندحارهم في تظاهرات بفتية وصبايا من مختلف الأعمار وما يحدث في جامعات الأزهر والقاهرة وعين شمس عنا ببعيد نعود لدمياط وقصر الثقافة لنري العجب، فذلك الذي كان لا يمانع من التطبيع مع اسرائيل وله من قبل قصص وحكايا وصلت للقضاء ظهر فجأة وبصورة مكثفة كناقد وكاتب يتناول الاعمال بحرفية ليعرج بعد ذلك بدهاء علي المنظور السياسي للأعمال ويسقط عليه أفكاره التي فوجئنا بها، وقد تحولت من النقيض للنقيض من اليسار المتأتحف لليمين المتأسلم المتطرف، وذكرني هذا بالشاعر محمود الزيات الشيوعي المتطرف سابقا والذي قام في أحد ندوات مؤتمرات الثقافة الجماهيرية بالمنصورة في نهاية حكم مرسي ليؤيد مجزرة وزير ثقافة الجماعة ويدعو لاستئصال التنويريين بحجة الفساد وتصديت له بعنف كاد يفشل الندوة لولا تدخل رئيس الاقليم ورئيس الثقافة الجماهيرية والذي كان حاضرا لن أدخل في تفاصير أغاني التكفير للرسم بحجة الرسوم المسيئة للرسول ولا ذلك المدرس الشاعر الذي كان معنا كمشارك ومستضيف وكان ممن يتناوبون الذهاب لرابعة والنهضة".
وينبه صالح إلى أن المعركة مع ما حدث من تجريف في التعليم والثقافة للأجيال الناشئة طويلة وليست أمنية ولا قمعية، وإن كان ذلك مطلوبا في حده الوقائي والقانوني معركتنا تنويرية باستعمال العقل وتغيير المناهج وحصار التكفيريين وإبعادهم عن اللعب باسم الدين والرد علي ادعاءاتهم البعيدة أصلا عن الدين الذي يدعو الي سبيل الله بالحكمة والعقل والرشاد.

لم تنته وستعاود الظهور
ويتفق الكاتب والشاعر سمير درويش مع القائلين بأن الجماعة ومشروعها لم ينتهيا بل لا يتصور أن ذلك ممكن في المنظور القريب، ويقول "قد يخفت تأثيرها ويقل انتشارها في الشارع لفترة تطول أو تقصر، وهذا حادث ويحدث، لكنها ستنتظر فرصة مواتية ورجلاً مهيَّئًا لكي تعود مرة أخرى إلى الحياة في مصر، سواء سياسيًّا أو اجتماعيًّا أو اقتصاديًّا.. إلخ، ذلك لأن خطابها- السطحي النفعي- سيجد الأرض ممهدة دائمًا ما دامت هناك مظالم، وهناك فقر وجهل ومرض وتبعية، ولا أتصور أن هذا سيزول قريبًا- أو سيزول أصلاً- رغم هذا الحراك الشعبي الكبير، لأن مصر عشوائية بدائية، يدور نظامها حول فرد، واقتصادها حول بعض عائلات، والمجال فيها مفتوح دائمًا- وفقط- أمام المغامرين والفاسدين الذين يساهمون في صناعة الآلهة".
ويؤكد درويش "أن "الجماعة" فكرة، تقوم على استغلال الخطاب الديني بأحد تفسيراته، والخلط عمدًا بين العقيدة والدولة، للتأثير على البسطاء والجهلاء والمظلومين الباحثين عن منفذ ما، لجني مكاسب، هذه الفكرة من الممكن أن تتجسد دائمًا في أشكال متغيرة، ليس شرطًا أن يظل قوامها هو جماعة الإخوان المسلمين المعروفة، وستجد الأرض ممهدة دائمًا في انتظارها ما لم تخض مصر- وتقود العرب إلى- حربها الضرورية ضد التخلف، ويكون عندها استعداد لدفع الثمن الذي دفعته الأمم على مر التاريخ لتنطلق على طريق الحرية والتحديث، وهما متلازمان دائمًا وأبدًا، وبعيدان عنا لدرجة أنني يائس من بلوغهما يومًا!".

مخطئ من يظن أن الجماعة انتهت
ويرى الكاتب د.ياسر ثابت أن جماعة الإخوان المسلمين تواجه أزمة تعد من أشد الأزمات التي واجهتها طوال ثمانية عقود، لكن من يعتقد أن الجماعة انتهت أو في سبيلها إلى ذلك، على الأقل على المدى المنظور، فإنه مخطئ. ويقول "هناك أسباب خاصة بالجماعة والفكرة وارتباطها بالعاطفة الدينية لدى أتباعها، تجعل ذلك متعذرًا، فالأفكار لا تنتهي في ساحات الحرب – حتى وإن كانت الحروب عادلة- لكنها قد تزول وتندثر& في حروب الأفكار داخل المجتمع.& إضافة إلى ذلك، فإن الجماعة كقوة تنظيمية مازالت قوية، ولديها قوى – على الأقل في الخارج-& تدعمها ماليـًا سياسيـًا وتساندها في ساحات الإعلام ومنابره. يضاف إلى ذلك أن البعض يرى أن التخوفات من عودة نظام مبارك والوجوه القديمة إلى المشهد، أكسب جماعة الإخوان المسلمين زخمـًا قويـًا، رغم اعتقال معظم قياداتها البارزة وفي مقدمتهم الرئيس المخلوع محمد مرسي.
&

المنفذ السياسي للجماعة قادم
ويوضح ثابت "هناك قضية جوهرية أثبت التاريخ صحتها هي أن إغلاق النوافذ السياسية يوفر مددًا إضافيـًا لعمليات العنف والإرهاب ويمنع تجديد الخطاب الديني والاتساق مع عصره بقيمه وتحدياته".
ويؤكد "الفكر هو الأساس، والتأثر بكتابات سيد قطب التي تتبناها المجموعة القيادية فى مكتب الإرشاد وراء زخات الرصاص وتفجيرات القنابل. وبالنهاية فإن منفذًا سياسيـًا سوف يتبدى في المشهد المصري، إن لم يكن الآن فغدًا. هذه حقيقة ساطعة وأي كلام آخر محض توهمات. وأي منفذ محتمل يستند بالضرورة على المنظومة الدستورية والقانونية وقواعد العدالة الانتقالية. ساعتها، ستكون المحاسبة واضحة لكل من تورط في العنف أو التحريض عليه، كما ستكون المراجعة شاملة وواجبة لأداء الجماعة وممارساتها في بحور السياسة".

الهراء الإعلامي
ويؤكد الكاتب والشاعر علي عطا أن الكلام عن انتهاء الجماعة هو من قبيل الهراء الإعلامي، من ناحية، والتدليس التنظيري من ناحية أخرى، ولا يمكن أن يتقبله عقل طفل ينام ويصحو على أخبار الاغتيالات والتفجيرات والمظاهرات التي تقف وراءها الجماعة ومناصروها، ومعهم من يوهموننا بأنهم يعملون ليل نهار من أجل استئصالها.
ويقول "ينطبق الأمر نفسه على ما يقال عن انتهاء مشروع "الإخوان" الذي يستهدف، ليس فقط الوصول إلى الحكم هنا وهناك، لإحياء الخلافة، بل تغيير الهوية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للأفراد والمجتمعات، وهو ما يتفق وأهداف المستعمرين القدامى. على الصعيدين السياسي والفكري تحققت أهداف كثيرة للإخوان خلال عشرات السنين من العمل الدؤوب المدعوم من دعاة الليبرالية والديموقراطية في الغرب الأمريكي ورأسماليته المتوحشة، باختراقهم مجال التعليم بالذات، فضلا عن مجالي العمل الإعلامي والعمل الثقافي، على المستويين الرسمي والأهلي.
&ويلفت عطا إلى أن "الإخوان جزءا لا يتجزء من تيار سلفي عارم، يتحالف معه نظام الحكم في مصر، إذا كنا هنا نتحدث عن الحالة المصرية تحديدا، وبالتالي لا يصح أن تنطلي على المرء مقولات ذلك النظام ومثقفيه وإعلامييه المدلسين من أنه يعادي تلك الجماعة ومشروعها، وأنه يحتاج إلى تفويض شعبي دائم حتى تتحقق تلك المهمة المقدسة التي لا ينبغي لوت أن يعلو فوق صوتها، ومن ثم يظل الأمل في غد أفضل معلقا إلى ما شاء الله، وما شاء الحاكم الذي لا غنى له أبدا عن وجود الإخوان والسلفيين، باعتبارهم فزاعة مثالية للأقباط بخاصة ولناس أجمعين وفي القلب منهم الطبقة المتوسطة؛ مفرخة الثورات على مر العصور".

3 محاور للإجهاز على الجماعة
ويحدد الروائي والمترجم ياسر شعبان 3 محاور ينبغي العمل عليها لو أردنا فعلًا التخلص من الإخوان لنصف قرن على الأقل.. ويقول "المحور الأول يتمثل في المواجهة الأمنية، وهذه المواجهة تستهدف الجانب المادي من أعضاء وقيادات وممتلكات وأسلحة وعلاقات مخابراتية وتجارية.. إلخ وبالطبع مع الإرادة السياسية التنفيذية ستؤدي هذه المواجهة الأمنية إلى إلحاق أضرار بالغة بجسد الجماعة& وستدفعه للكمون تماما مثلما يحدث مع الفيروسات عند مواجهتها لجرعات من الدواء.. لكن لا يعني هذا أبدا التخلص النهائي من الفيروس.
وهنا يأتي المحور الثاني، والمتمثل في المواجهة الدينية – الثقافية – الاجتماعية لمعتقدات وأفكار الجماعة.& ويجب أن يتم ذلك بوعي وجدية على جميع المستويات سواء كانت مؤسسات الدولة أو مؤسسات أهلية، يجب أن يعمل الجميع لتفكيك المركب الإخواني وكشفه أمام الناس ـ عموم الناس قبل خاصتهم، كشف ما يحتويه من أكاذيب وتشوهات وضلالات. وفي هذه الحالة علينا الانتباه إلى أن هذه مواجهة تحتاج إلى نفس طويل وعمل جماعي بين الناس وليس فقط على شاشات التليفزيون.
وبالتوازي مع المحورين السابقين، علينا العمل على إيجاد البدائل لملء الفجوات الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن استئصال هذا الورم الإخواني الذي تركناه عن عمد حينا وعن استهانة حينا وعن غفلة أحيانا ليستفحل وينتشر. على الأزهر دور مهم ومحوري في نشر وتأصيل وترسيخ الإسلام الوسطي للقضاء النصب باسم الإسلام الذي برعت فيه جماعة الإخوان أو الهوس السلفي. وعلى جماعة المشتغلين بالثقافة أن يتنازلوا وينخرطوا في عمل جماعي بين الناس لنشر القيم والمفاهيم الجمالية والأخلاقية للفنون ومن أهمها التعددية. كذلك علينا الانتباه للمنظومة التعليمية، لإيجاد تربة صالحة لغرس قيم التسامح والمواطنة والتعددية في الأطفال منذ المراحل الأولى للتعليم وإلا سيكون من الصعب علينا التفاؤل بشأن المستقبل. وأخيرا هناك البعد الاقتصادي/الاجتماعي المتعلق بالفقر والبطالة، فعلى الدولة بقطاعيها العام والخاص العمل لتحقيق العدالة الاجتماعية واستعادة الطبقة المتوسطة وتوسيعها لأنها الطبقة القادرة على امتصاص غضب الفقراء لسهولة انتقالهم إليها بالتعليم والعمل، فهي الحلم القريب يسير التحقق، وهي كذلك منطقة عازلة بين الفقر المدقع والثراء الفاحش وهي الطبقة الأقدر على مواجهة المحاولات المتطرفة لتجنيد الفقراء بمزاعم دينية أو سياسية.

&