لطالما اعتبر اللبنانيون مؤسسة الجيش التي لم تكن يوماً من الأيام محايدة أو خارج نطاق الصراعات والتجاذبات، مؤسسة وطنية يمكن لها ان تقود دفة البلاد حال الاختلاف والتجاذب السياسي، لكن تاريخ هذه المؤسسة التي انقسمت على نفسها في الحرب اللبنانية وشاركت في الحرب الأهلية بضراوة، لم يكتب لها أن تبقى مجرد مفرخ للقيادات لتبوء منصب رئاسة الجمهورية، بل إنها فشلت حتى الآن في توحيد لبنان تحت مؤسسة واحدة، رغم كون معظم الرؤساء اللبنانيين متحدرون منها، كما في "إسرائيل"!!
الجيش اللبنانيّ شهد أخيراً ما قد يكون أول حالة انشقاق عن المؤسسة العسكرية اللبنانية في المرحلة الأخيرة، وذلك على خلفية الانقسام العمودي في لبنان المتصل بالثورة السورية. وقد نشر حساب لـ"جبهة النصرة" على موقع "يوتيوب"، تسجيلاً مصوراً للعريف في الجيش اللبناني، عاطف سعد الدين، يعلن فيه انشقاقه عن الجيش. ويظهر في خلفية التسجيل المصور، راية لـ"تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الشام – جبهة النصرة"، وعدداً من بنادق "أم 16" الأميركية مع منظار ليلي، يُعتقد أن سعد الدين قد أخذها معه. مع أن الولايات المتحدة هي من زوّدت الجيش اللبناني بهذه المناظير الليلية، في إطار دعم "الحفاظ على الاستقرار ومحاربة الإرهاب".
يعرف سعد الدين عن نفسه في بداية الفيديو، وهو جندي في اللواء الثامن ويخدم على الحاجز الفاصل بين بلدتي اللبوة وعرسال (شرق لبنان قرب الحدود مع سورية)، قبل أن يرفع هويته العسكرية معلناً "الانشقاق عن الجيش اللبناني الموالي للحزب" (في إشارة إلى حزب الله).
ويعدد سعد الدين الأسباب التي دفعته للانشقاق، ومن أبرزها انحياز الجيش اللبناني لحزب الله على "حساب أهل السنّة" كما يقول في الفيديو. وقد نشر سراج الدين زريقات، الناطق الإعلامي "كتائب عبدالله عزام"، المحسوبة على تنظيم "القاعدة"، صورة سعد الدين، في تبنٍّ غير مباشر لعملية الانشقاق. ظهر سعد الدين في الفيديو بلباسه العسكري كاملاً وجعبه، وخلفه علم "جبهة النصرة"، مبرزاً هويته العسكرية، وقارن العريف المنشق بين كيفية تعاطي الجيش مع "أهل السنة" ومع "شباب حزب الله والضاحية الجنوبية" متجنباً استعمال تعبير "الطائفة الشيعية".
ورأى سعد الدين ان "الجيش اداة بيد حزب الله"، متحدثاً عن مضايقات بحق شباب السنة فيما شباب الحزب يعاملون بأسلوب مختلف بحجة المقاومة. وفند الأسباب التي دفعته الى الانشقاق، متحدثاً عن ما اسماه "مضايقات بحق شباب السنة على الحواجز"، ومضايقات بحق المشايخ، مستشهداً بالشيخ أحمد عبد الواحد الذي قتل على حاجز في عكار مؤخراً، وحسام الصباغ الذي القي القبض عليه مؤخراً في طرابلس.
العريف المنشق طالب بـ"الصحوة والتفكير بالدين والطائفة"، مكرراً أن "العسكريين والضباط السنة يدركون أن الأوامر تصدر من حزب الله بحجة الإرهاب"، متسائلاً: "من فجر مسجدي التقوى والسلام اليس ارهاباً؟ احداث عبرا أليست ارهابا؟ اعتقال المشايخ والشباب اليس ارهاباً؟ احداث 7 ايار أليست ارهاباً؟ وقتل النواب والوزراء وتفجيرهم اليس ارهابا؟"، متحدثاً عن اهمية القتال في سبيل الله.
اللافت أنه للمرة الأولى يحصل انشقاق في صفوف الجيش اللبناني ويعلن عنه على الطريقة التي اعلنت خلال الثورة السورية انشقاق عسكريين وضباط عن الجيش السوري.
من جهتها، قالت مصادر في الجيش اللبناني إنها فقدت الاتصال بالعريف سعد الدين، لكنها لم تؤكّد انشقاقه، واعتبرت أنه قد يكون مخطوفاً. وستكون هذه حالة الانشقاق الأولى في الجيش (إذا صحّت) رغم الدعوات المتكررة من "جبهة النصرة" والشيخ أحمد الأسير لعناصر الجيش للانشقاق.
انشقاق العسكري اللبناني قد يكون مقدمة لتفتيت الكيان غير المتجانس والهش أساساً، وربما يدشن مرحلة كبيرة من الانشقاقات في صفوف الجيش اللبناني الذي يشكل وسكان منطقة عكار الفقيرة معظم عناصره، وهو تطور إن حدث سوف يعني الغاء الكيان اللبناني ودخوله دوامة التفتت المذهبي والطائفي، لا سيما أن الاحتقان في هذا البلد قد بلغ أوجه مع تزايد الانقسامات المذهبية والطائفية في كل من العراق وسوريا ومن حوله من البلدان العربية.

هشام منوّر كاتب وباحث
&