تمرّ بعد أسابيع قليلة في الرابع عشر من يونيو، حزيران القادم ثماني سنوات بالتمام والكمال على سيطرة حركة حماس على قطاع غزة عبر انقلابها العسكري الذي نتج عنه اقتلاع وتطهير تنظيمي كامل لحركة فتح في القطاع، ويقابله في الضفة الغربية حيث السيطرة المنفردة للسلطة الفلسطينية أي حركة فتح، نفس الأفعال اتجاه حركة حماس مما أوجد خلال هذه السنوات الثمانية حسب السائد والسلوك وردود الأفعال ما يمكن تسميته: " إمارة حماس في القطاع " و دويلة عباس في الضفة ". هذا الوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في القطاع والضفة لا يمكن لشخص لم يتابع الأخبار والتطورات أولا بأول أن يصدقّه، لأنّ الشخص المحايد يتجول في عقله السؤال الوطني: على ماذا تتصارعون وتقتلون بعض وسجونكم ممتلئة بالأصدقاء الأعداء؟ هل تحرّرتم من الاحتلال وحصلتم على دولة مستقلة كي تتصارعون على من يحكمها ويسرق ثرواتها بالإنقلابات العسكرية كما يحدث في غالبية أقطار العرب العاربة والمستعربة؟.

هل هو صراع من أجل التحرير والدولة المستقلة؟
وهذا السؤال الطبيعي والمنطقي موجه للطرفين المتصارعين "حماس وفتح" حيث صراعهما قتل العشرات من الحركتين وأدخل المئات السجون حيث الاختفاء والتعذيب. إنّ رصد اتهامات كل حركة للأخرى توحي وكأنّ هذه الحركة كانت على بعد دقائق من التحرير والدولة المستقلة لولا عرقلة الحركة الأخرى، في حين أنّ ادعاءات الحركتين كذب مطلق مفضوح، والدليل على ذلك هذه الحرب التي افتعلتها الحركتان ضد بعض، مما جعل مسؤول عسكري إسرائيلي يجيب على سؤال للقناة الثانية الإسرائيلية حول تخفيض الجيش الإسرائيلي لعملياته في القطاع والضفة قائلا: السبب أنّ فتح وحماس تقومان بالمهمة المطلوبة من جيش الدفاع...بمعنى أنّ الجيش الإسرائيلي كان يدخل القطاع والضفة لقتل الفلسطينيين واعتقالهم، وها هي فتح وحماس تقتل كل واحدة أعضاء ومناصري الأخرى، فلماذا يتدخل جيش الدفاع؟. ورغم ذلك كان الاجتياح الأخير لجيش الاحتلال قد أوقع قرابة 2800 قتيل فلسطيني وألاف الجرحى والمصابين وتدمير عشرات ألاف البيوت والمنازل التي نتج عنها تشريد ألاف ما زالوا في المدارس والجوامع والكنائس بدون مأوى خاص بهم.

أي تحرير والحركتان تخطبان ودّ ورضا الاحتلال؟
إنّه صراع وقتال وحرب المصالح الشخصية وتنمية الحسابات في البنوك بدليل أنّ الحركتين في القطاع والضفة لا يطلقان الرصاص على الاحتلال ، بل يعتقلان ويسجنان كل من يقوم بذلك، وأيا كانت نتيجة الاجتياح الإسرائيلي الأخير للقطاع ، فما الفائدة من معارك كل سنتين ثلاثة ينجم عنها هذا التدمير والخراب دون تقدم خطوة واحدة نحو التحرير؟ بالعكس تدور الآن مباحثات غير مباشرة بين حركة حماس ودولة الاحتلال من أجل تهدئة لمدة خمس سنوات، أي الفترة القادة لرئاسة بينيامين نتنياهو الجديدة لحكومة يمينية ستكون أكثر الحكومات الإسرائيلية تطرفا واقتلاعا للفلسطينيين. وأية مصالحة متوقعة بعد كل هذه الاتفاقيات التي عقدت بين الحركتين في القاهرة والدوحة ومكة وغيرها، ويتم التنصل منها وتبادل الاتهامات فور مغادرة عاصمة التوقيع؟ المصالح الشخصية وحياة رفاهية عائلات الحكام والمسؤولين وشرائهم العقارات خارج القطاع والضفة هي الهدف والسبب وراء لا مصالحة..لا مصالحة..بل انقسام دائم يعني شقاء شعب ورفاهية قيادات.

هنية وعباس حاكمان حتى اللحد
لقد بلغ محمود عباس قبل أيام قليلة الثمانين من عمره، وهو في رئاسة السلطة الفلسطينية منذ وفاة الرئيس عرفات أي قبل 11 عاما. وعبر هذه السنوات يمتلك السلطات والمهمات التالية:

رئيس السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية فقط
رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ( التي لا وجود لها سوى بيانات انشائية واجتماعات سياحية ترفيهية من حين لآخر ).
رئيس حركة فتح التي هي السلطة الفلسطينية وهي اللجنة التنفيذية للمنظمة، وباقي التنظيمات مجرد شهود زور ومصدري بيانات.
رئيس كافة الأجهزة الأمنية في الضفة فقط.
رئيس كافة الصلاحيات والقرارات بعد تعطيل المجلس التشريعي الفلسطيني الذي لم يجتمع منذ انقلاب حماس في يونيو 2007 . لذلك يرى الدكتور حسن خريشة النائب الثاني للمجلس التشريعي " أنّ الشرعيات الفلسطينية تآكلت بفعل غياب المجلس التشريعي منذ سنوات..وهذا الأمر يشكّل خطورة على الوضع الفلسطيني لأنّ ربط القضية بيد شخص واحد يسيء لكل شيء ".

واسماعيل هنية ، أبو العبد هو رئيس كافة الصلاحيات والمهمات في القطاع بما فيها خطبة الجمعة في مساجد القطاع التي أحلت لقوته الأمنية التنفيذية في أغسطس من عام 2009 ، قصف مسجد ابن تيمية في مدينة رفح بالصواريخ والراجمات وتدميره على رؤوس من فيه ممن يطلقون على أنفسهم "جماعة جند أنصار الإسلام " ومقتل قرابة ثلاثين منهم من يدّعي رئاسة الجماعة الشيخ عبد اللطيف موسى.

لذلك لا مصالحة..بل انقسام دائم،
والوضع الموصوف سابقا في القطاع والضفة دائم حيث رفاهية للحكام والمسؤولين وعائلاتهم وشقاء وعوز دائم لغالبية الشعب الفلسطيني..وحقيقة شكرا لنعمة الجغرافيا التي لم توجد حدودا مشتركة بين القطاع والضفة، وإلا لشهدنا حروب عصابات وقصف وتوغل دائم بين الحركتين ضد بعض مما كان سيزيد من عدد القتلى الفلسطينيين وازدياد نسبة الشقاء الفلسطيني...والنتيجة لكل ما سبق: دوام وراحة الاحتلال وازدياد ابتلاع مستوطناته لما تبقى من مساحة الضفة الغربية وتهويد متسارع للقدس.
www.drabumatar.com
&