منذ قيام الكيان الكردي في شمال العراق عام واحد وتسعين لم يحظى اقليم كردستان باهتمام أمريكي حافل وفعال بمثل الاهتمام غيرالعادي الذي حظي به من قبل الادارة الامريكية في الاسبوع ما قبل الاخير من شهر اكتوبر الجاري، وذلك من خلال زيارات مكوكية لوفود قادمة من واشطن للقاء الشخصيات الرئيسية الممثلة للقيادة الكردية، وبالرغم من ولاية الرئاسة المنتهية للسيد مسعود البرزاني والفساد الرهيب وعدم الشفافية التي تتمع بها سلطة وحكومة الاقليم برئيسها ووزرائها، الا ان التعامل الدولي مع البرزاني وأنجاله ونجل اخيه مازال قائما وفي ذروة الاهتمام، وكذلك مع قيادات الاتحاد الوطني الكردستاني وبالاخص السيد كوسرت رسول علي النائب الاول لرئيس الحزب، ويبدو ان الاهتمام الامريكي على مستوى البيت الابيض ووزارتي الدافاع والخارجية.

وفي ذروة هذه اللقاءات جاء الاتصال الهاتفي للرئيس الامريكي السيد باراك اوباما مع قائد ميداني للبيشمركة وهو منصور نجل البرزاني للتهنئة بالانتصارات الميدانية للقوات الكردية وليرسم لاهتمام واشنطن حضوة امريكية خاصة للاقليم بصورة خاصة وللكرد بصورة عامة، وكذلك من باب الاهتمام الجدي نجد ان زيارات الوفود الاخيرة الاول منها كانت برئاسة السيد اشتن كارتر وزير الدفاع والثاني برئاسة الممثل الرئاسي بريت ماكغورك والثالث زيارات عسكرية على مستوى القيادات العليا للقوات الامريكية، كانت مكثفة ومحددة بلقاء اصحاب وصانعي القرارات في قيادة الاقليم وفي البيت الكردي، ولكن اللقاءات المركزة التي أجراها الممثل الرئاسي مع القيادات الكردية تعتبر من اهم اللقاءات التي حملت معاني كبيرة وتحليلات كثيرة لانها تميزت بمخزى سياسي عميق، وأسباب الاهتمام تحسب بمستوى كبير من الاهمية لانها حملت تحليلات وقراءات سياسية متنوعة على الصعيد الكردستاني والعراقي والاقليمي والدولي وهي مبعث احتمالات وتأويلات عديدة.

ولكن التصريح الذي صدر من السيد ماككغورك خلال لقاءه الاخير بالسيد كوسرت رسول حمل بعدا سياسيا كبيرا وعبر عن اهتمام امريكي جاد بالاقليم، حيث طالب الممثل الرئاسي جناحي الاتحاد الوطني بحل خلافاتهما الداخلية والقيادية لاعادة ترتيب البيت الكردي وتوحيد قيادتها وقرارها لمجابهة التغييرات المتوقعة حصولها في المنطقة، ومن خلال قراءة ما بين سطور هذا التصريح يمكن الاستنتاج بان اللقاءات العديدة التي قام بها ممثل الرئيس اوباما مع القيادات الكردية بان الغرض الاول اريد منه اعادة ترتيب وتوحيد البيت الكردي وخلال فترة قادمة قصيرة، والغرض الثاني منها هو اعداد وتهيئة الاقليم لاداء دور اكبر في العراق وفي المنطقة خاصة بعد النجاحات العسكرية غير المتوقعة التي حققتها قوات البيشمركة في عملية تحريرالموصل، والغرض لثالث من اللقاءات يتوقع ان يكون هو التهيئة الاولية والعملية لتكليف الكرد في العراق وسوريا بمهمات استراتيجية كبيرة في المنطقة وفي الشرق الاوسط لصالح خدمة المصالح الامريكية وخدمة الامن والاستقرار الدولي والسلام العالمي، ويبدو ان الادراك الاخير للولايات المتحدة لاناطة دور استراتيجي لاقليم كردستان يأتي بعد فشل الجهود الدولية لوقف الحرب السورية والادراك بصعوبة التعامل مع المستنقع العراقي لتعقد مشاكلها الطائفية والمذهبية وصعوبة ضمان مقومات التعايش السلمي بين المكونين الشيعي والسني والتكلفة العالية لاعادة البنية التحتية المدمرة للدولة العراقية، وصعوبة التعامل مع تركيا الاردوغانية التي تتصف بتعنت غير عادي والحاحات غير منطقية، وكذلك ادراك الولايات المتحدة بفشل كل من ايران وتركيا والسعودية في القيام بدور اقليمي ايجابي في المنطقة لضمان الامن والاستقرار والسلام على الصعيدين الاقليمي والدولي.

ولهذا ولكل هذه الاسباب يتوقع ان تشهد العلاقات الامريكية الكردية تطورا سريعا ونموا تصاعديا في االمستقبل القريب والبعيد، وليس ببعيد ضمن هذا السياق ان تكلف الولايات المتحدة الكرد في العراق وفي سوريا للقيام بدور الشرطي الايجابي الحامي للشرق الاوسط الجديد من براثن التيارات والحركات الدينية المتشددة والارهابية والتكفيرية في الحاضر وفي المستقبل، خارطة جديدة للمنطقة ترسم ملامحها وخرائطها بين العواصم الاقليمية وعواصم الدول الكبرى.

ومع هذا الاهتمام الامريكي تبقى مسألة مراعاة المسار الديمقراطي في الاقليم خاصة وان ولاية الرئاسة لا قانونية وغير شرعية والبرلمان متوقف عن العمل والحكومة مشلولة وسياسة القمع مازال سارية وقامعة للحريات الطبيعية العامة في مجال حقوق الاننسان، والاحوال المعيشية والحياتية رديئة بسبب الفساد الرهيب والنهب القاروني للسلطة والعوائل الحاكمة في الاقليم، هذه الملفات والقضايا الدارية والمالية والاقتصادية والتجارية الفاسدة من اهم المعوقات التي تعرقل استباب النظام الديمقراطي والعدالة والمساواة وحقوق الانسان في اقليم كردستان، وان قامت الولايات المتحدة بمعالجة كل هذه المعوقات وازالتها من الحياة العامة فانها بذلك تقدر على اقامة نظاما قويا عادلا للكرد، ولكن بعكس هذا ان بقيت الحال على واقعها وتم اسناد السلطة والعوائل الحاكمة بالاقليم بعوامل القوة للقيام بدور

عراقي واقليمي اكبر في المنطقة فان ما سيحصده كرد الاقليم من الولايات المتحدة سوف لا يكون الا الدمار والخراب بفعل استبداد وقارونية السلطة التي تحكم الاقليم منذ ربع قرن من السنين العجاف.

ولكن يبقى الاهم من كل هذا وفق المنظور الامريكي وهو ان تكليف الكرد ان تحقق حسب ما يقرأ من المشهد سوف لن يكون الا لحماية وخدمة المصالح الاستراتيجية والسياسية الامنية والاقتصادية والتجارية للولايات المتحدة في المنطقة بصورة عامة، ومع مراعاة خدمة التطلعات الانسانية للكرد وشعوب المنطقة من العرب والترك والفرس وكل القوميات والاديان والمذاهب الشرق الاوسطية، ولا ينكر ان هذا التحول الوشيك والمتوقع تحقيقه قريبا او بعيدا ان جاءت القراءة صحيحة يحمل خدمة كبيرة للسلام وهذا هدف انساني نبيل ان كانت نوايا المخططين ايجابية وان كانت من باب خدمة المصالح الذاتية، ولكن مع هذا يبقى سلام المنطقة هو الامل المرتجى وان تحقق فهو خير الاماني الانسانية لكل البشرية، والله من وراء القصد.

كاتب صحفي