يتصدر الوضع الاقتصادي، المتقشف، حديث الشارع السعودي. وتمتلئ الصحف ومواقع التواصل، بالغاضبين على القرارات الأخيرة، والتي خفضت الرواتب وألغت البدلات. وراح الجميع يسأل لماذا لم تفكر الدولة بالمستقبل أيام الرخاء؟

ثم استحال الغضب الى شعلة نار عندما زاد وزير الخدمة المدنية قائلا إن انتاجية الموظف السعودي هي ساعة واحدة في اليوم. فهل أخطأ الوزير؟ في رأيي هو كان صريحا جدا في وقت مؤلم. فأنا لا ألوم الناس على غضبها، لكني لن انكر ما قال. فنحن نعرف، ونعرف جيدا، أن صفة الموظف السعودي الجيد والملتزم لا تنطبق على أكثرنا. فمعاملة يمكن انجازها في يوم واحد قد تستغرق أكثر من اسبوع. البيروقراطية مسؤولة ولا شك، لكن الموظف يستغلها ويتوكأ عليها وينام ايضا. وهو عوضا عن أن يفكر في أوجه القصور فيه، ويخاف الله فيما يعمل إكراما للحديث "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا ان يتقنه" راح يكيل التهم للوزير وكأنه ما نطق إلا كفرا. لي قريب في منصب وظيفي. نصف يومه في العمل يقضيه لإنجاز أعماله الخاصة، والنصف الثاني بين هاتفه والصلاة! أنا لن أدافع عن أي مسؤول إن أخطأ. لكن مجرد هذه الإنتفاضة السعودية على ما قال الوزير تؤكد أنه ما جانب الصواب كثيرا. فنحن لا نحب من يواجهنا بعيوبنا.

أما السؤال لماذا لم تفكر الدولة بالمستقبل في وقت الرخاء؟ فأنا أقول نعم، هي أخطأت عندما كان الفائض فائضا لم تحسن التصرف به. وعندما لم تفكر بالغد. وعندما استنزفت الكثير من الرخاء في حرب اليمن وسوريا. لكن نحن أيضا لم نكن نفكر بالغد. ما كان يعنينا هو يومنا فقط. كثيرا ما صدرت دراسات تتحدث عن غياب حس الادخار لدى المواطن. فهو يصرف ما بالجيب انتظارا لما يأتي به الغيب. حسن، ها قد أتى الغيب جافا، فلماذا لم نفكر به من قبل؟

لدينا جميعا أخطاؤنا. أفرادا ووزراء وأمراء، وكلنا مسؤول عنها، كما نحن مسؤولون عن الخروج منها لا بالنقد والاتهامات المتبادلة، بل بإعادة التفكير الهادئ والاستفادة من التجارب.

الوطنية ليس أن نحب ملكا أو أميرا وقت الرخاء ثم، وعندما تحدث الضائقة، نكيل النقد لكل شيء حتى الحجر. الوطنية تظهر في الأزمات، لا في الرفاه والرخاء. والدولة التي أكرمت أبنائها وقت الفائض، هي نفسها التي تنتظر أن يردوا جزءا من الجميل، ولو بالتزام الصمت حتى تمر العاصفة.

[email protected]