من دون مواربة أو مفردات تجميلية، السؤال المستحق هو: هل حملت عملية السابع من أكتوبر في طياتها شهادة "استشهاد القضية الفلسطينية"؟
السؤال الصعب يخرج من رحم الواقع الأصعب، والآتي من الأيام حبلى بمفاجآت تسونامي ما بعد طوفان الاقصى.
لقد شكل الشقاق الداخلي في ثمانينات القرن الماضي نواة انهيار القضية الفلسطينية، واستُخدمت الفصائل المسلحة ذات البعد الديني في تآكل الوعود التي قدمت للفلسطينيين في مفاوضات أوسلو وما بعدها.
اليوم حلم "الدويلة الفلسطينية" يتلاشى، والقضية التي شغلت الشعوب على مدى ثمانية عقود تنتظر تحضير البيئة الاقليمية والدولية المناسبة لاطلاق مراسم.. الوفاة.
الأحداث تمضي وفق سيناريو دقيق متقن منذ انفجار "طوفان الاقصى" والعشوائية الوحيدة التي ظهرت هي في آلة القتل الإسرائيلية في قطاع غزة.
اليوم، العالم الحر المتمدن تناسى اغتيال الإنسانية في غزة وجنوب لبنان وغيرها من دول المحيطة التي تطالها يد الإجرام الإسرائيلية، والتركيز على ما بعد "حوار المُسيرات" بين طهران وتل أبيب، هذا الحوار الذي تديره الإدارة الأميركية باتقان انطلاقا من غرف المراقبة في البنتاغون.
ولكن ما سر هذه العودة الأميركية الى المنطقة بعد سلسلة اجراءات صبت جميعها في خانة الانكفاء، بدءا من انسحابها من أفغانستان، وصولاً الى تقليص تواجدها العسكري في العراق وسوريا، وكل ذلك بهدف التفرغ لمواجهة التنين الصيني القادم الى مسرح الشراكة العالمية.
مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وجدت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن نفسها أمام واقع جديد يلقي بتداعياته في ميدان الشرق الاوسط ويهدد موازين القوى والتفاهمات التي ابرمت فيها، فكان ان فرض عليها العودة للقيام بدور ضابط الايقاع.
وبعيدا عن سر الأسرار في توقيت ونوعية عملية السابع من اكتوبر، إذ أن التاريخ وحده كفيل بسبر أغوار حقيقة دوافع الطوفان، تزامنت العودة الأميركية الى المنطقة مع حملات الانتخابات الرئاسية الأميركية وهو الامر الذي يحتاج مهارة في استثنائية للتعامل مع تسونامي الطوفان والبيت الابيض لن يغامر باية قطرة دماء.
اصطدمت الإدارة الأميركية بحليف عاق في إسرائيل يتمثل في رئيس حكومة وجد في عملية السابع من اكتوبر منصة لإنقاذ تاريخه في الداخل. وتجاوز نتانياهو في معركة تحصين موقعه السياسي بداعي استعادة هيبة الجيش الإسرائيلي خطوط التفاهم بقصفه القنصلية الإيرانية في دمشق وهو الامر الذي هز منصة ضابط الايقاع وهدد بالانتقال الى مرحلة جديدة من الصراع. الا ان الادارة الأميركية وجدت نفسها في المقابل تتعامل مع حنكة إيرانية تجيد تجيير المواقف والمحطات لمصالحها الاسترتيجية.
لقد عكس رد المسيرات الإيرانية التي سلكت مسار الامان نحو تل ابيب، ومن عقبه الرد الإسرائيلي على الرد الإيراني، قدرة ضابط الايقاع الأميركي على الامساك مجددا بمفاصل السيمفونية. والجميع خرج راضيا، إسرائيل ارضت غطرستها، وإيران سجلت للتاريخ بانها اول دولة تستهدف إسرائيل من اراضيها بعد 45 عاما على ولادة الجمهورية الاسلامية.
في ضوء هذه المعطيات، ومع تسارع عداد الايام نحو الموقعة الرئاسية الأميركية فان الاشهر المتبقية تحمل جعبتها الكثير من المفاجآت، فالجمهورية التي تصدح جوامعها أسبوعيا بشعار الموت لأميركا تحاور "الشيطان الاكبر" بطريقة او باخرى، وتتعزز احتمالات التوصل الى اتفاق إيراني أميركي جديد قبل فتح صناديق الاقتراع الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر).
يبقى السؤال الاهم ماذا عن الاوضاع في الضفة الغربية وغزة وجنوب لبنان؟
ذاكرة الشعوب العربية مثقوبة!