على الرغم من الأوضاع الأمنية والسياسيّة الملبّدة، نجد مثقفو وفنانو لبنان رافضين لفكرة الجلوس والخنوع والرضوخ للواقع، ونشهد فورة سينمائية ومسرحيّة للنهضة بالمكتبة الفنيّة اللبنانيّة، ولعلّ أبرز هذه الأعمال مسرحيّة quot;ريماquot; بطولة روزي يازجي وإخراج جو قديح.


بيروت : افتتح مسرح الجميزة نشاطه مع quot;ريماquot; مسرحية تنتمي إلى نوعيّة المونودراما من كتابة وإخراج جو قديح وبطولة روزي يازجي التي تعود إلى المسرح بعد غياب سنين إثر مشاركتها في تسعينيات القرن الماضي في أعمال للمبدع زياد الرحباني.

مسرح الجميزة أعدّه وجهّزه الفنان جو قديح الذي اشتهر بالستاند آب كوميدي وحواراته القريبة من الواقع اللبناني وتعبّر عنه، ليكون قبلة لمحبّي المسرح وروّاده، وتحوّل على مدار أشهر إلى عامل بناء وديكور لإنهاء المسرح وتجهيزه لاستقبال العروض المسرحيّة الموعودة والتي كانت باكورتها مشرّفة مع quot;ريماquot;.

بين الخيال والواقع : وقفت ريما
تتمحور قصّة ريما حول إمراة تخضع لتجربة أداء أمام مخرج وهمي، فتقدّم أدوارها في الحياة، فهي إمرأة تحاول تخفيف وزنها إرضاءً لزوجها ولكن من دون جدوى، ومعلّمة تعاني من روتين مهنتها، وهي أم لطفل تساعدها في تربيته عاملة منزلية.

كلّ هذه الأدوار تمرّ بوتيرة سريعة وبطريقة طريفة وكوميديّة تسلّط الضوء على كثير من مشكلات النساء اللبنانيات وهمومها وجدولها اليومي المكتظّ بالمهام، وبعض القضايا في المجتمع اللبناني مثل العاملات الأجنبيات في المنازل وكيفيّة التعامل معهن.

تنطلق المسرحيّة التي تمتدّ حوالى ساعة وربع الساعة مع ضحكة روزي يازجي التي تعلو في كلّ أرجاء المسرح لتسرد حياة إمرأة تفاجؤنا في النهاية بمدى ألمها وحزنها، فالعمل لا يقتصر على الكوميديا، وإنّما يحمل في طيّاته الكثير من المواقف الدراميّة، فبعد أن ضحك الجمهور على مدار ساعة من الوقت، خرج في النهاية مذهولًا.

أداء متمكّن برغم غيابها الطويل
نرى حياة ريما تمرّ أمامنا في مشاهد سريعة لا تترك المجال أمام الممل ليتسلل إلى المشاهد، فتظهر من خلال الكوميديا الساخرة عذابات هذه المرأة ومنغّصات حياتها اليوميّة، التي تعود وتشتاق إليها في نهاية العمل مفضّلة إيّاها على العيش وحيدة.

هذه الأحداث جسّدتها روزي يازجي ببراعة سواء بحركات جسدها أو غنائها أو تمثيلها، فكانت ملكة على المسرح ولم يملّ المشاهد منها أمامه، فشكّلت بذلك حركة فريدة استطاعت أن تفتح الباب أمام النساء لتقديم هذا النوع من الأعمال بعدما كان حكرًا لفترة طويلة على الرجال فقط. اختارها جو قديح ليعرض سلسلة من أفكاره الناقدة للمجتمع، فكان خياره مناسبًا ورهانه في مكانه.

جو قديح الحاضر الغائب
وعلى الرغم من وجود روزي بكل ما تملكه من إمكانات تمثيلية وطاقات مذهلة، إلّا أن جو قديح كان الحاضر الغائب خصوصًا من خلال النص المحبوك بطرافة ومتانة، وكانت روحه تحلّق فوق المسرح من خلال التفاصيل الصغيرة.
مسرحية quot;ريماquot; تستمرّ حتى السادس عشر من شباط/فبراير المقبل، وهي عمل يستحق المشاهدة وإضافته إلى المكتبة الثقافيّة اللبنانية.