أكّدت الدكتورة فيروز حاتم مديرة قناة الحرية الفضائية، أن طبيعة عملها الإداري والإعلامي تجعلها أقل عرضة للمضايقات التي تعترض الإعلاميات في ظل عدم وجود قوانين وتشريعات تحميهن وتضمن حقوقهن .


بغداد: قالت الدكتورة فيروز حاتممديرة قناة الحرية الفضائيةالتي تقدم برنامج (ونطقت شهرزاد) إن عنوان البرنامج يريد استنهاض همم المرأة لتنطق بكل ما لحق بها من مشكلات ، مشيرة الىان صوت المرأة اليوم وفي أحسن أحواله صوت مخنوق كأنه صراخ في علبة ، مؤكدة في حوار مع (ايلاف) ان ظهورها على الشاشة هو الذي منحها الشهرة وحب الناس وليس عملها الاداري .
*ما طبيعة برنامجك (ونطقت شهرزاد) ،ولماذا اخترت هذا االعنوان ؟
- نحن نعتقد أن وضع المرأة في عموم بلدان الشرق ومنها العراق يعاني من إلتباس ثقافي مزمن أنتجته مجموعة من العوامل التراكمية التي تتصل بتاريخ المنطقة ، فالوضع الإجتماعي لعموم مناطق الشرق مقترن بالتطورات والتغيرات السياسية التي أفرزها التداخل بين الدين والسياسة ، الأمر الذي أدى الى ولادة صياغات حضارية متدنية، لعل وضع المرأة هو أبرز ضحاياها ، هذا الإلتباس أخذ بالتعقيد مع صعود النزعات القومية التي أنتجت بروز أنظمة دكتاتورية أجادت بامتياز سياسة غلق الباب أمام تطلعات عموم مظاهر الحياة ومنها حياة المرأة ، فساد الظلم والفقر والأمية والجهل، وهذا جعل من المرأة تقف في أسفل السلم الإجتماعي حتى غدا طبيعيا سومها العذاب عن طريق إستغلالها كواحدة من أدوات الرقيق ، وما إن تهاوى ديكتاتور العراق ونظامه الشمولي ، واجهت المرأة العراقية أنماطاً جديدة من التحديات كظهور ثقافة العنف وتفاقم أزمات الفقر والبطالة والجهل ، فكان من الطبيعي أن تتضاعف أعداد الأرامل والمطلقات والعوانس ، فضلاً عن تفشي ظواهر من قبيل زواج القاصرات وتعدد الزوجات وتحدي التهجير والطائفية ، كل هذه الوقائع تمثل ردة وتجاسرًا على مكانة المرأة المقدسة ودورها المرجو في البناء الوطني والإجتماعي والأسري ،هذا كله مثّلَ الدوافع والحاجة الملحة لرصد كل هذه الاوضاع لتكون مادة لبرنامج تلفزيوني يصف ويحلل ويعالج وضع المرأة العراقية ، فكان برنامج ( ونطقت شهرزاد) ، أما عن الشطر الثاني من سؤالكم والمتعلق بعنوان البرنامج ، فهو مُستقى من موروثنا الثقافي ، فشهرزاد رمز للمرأة التي نجحت بالحفاظ على نوعها والانتصار لها وترويض شهريار الرامز هو الآخر للظلم والإستخفاف بحياة النسوة وهذا كله ورد في سياق الحكايات الشهرزادية الواردة في سفر ألف ليلة وليلة ، وكأن العنوان يريد استنهاض همم المرأة لتنطق بكل ما لحق بها من مشكلات ، وبالتالي يكون هذا البرنامج بمثابة الناطق باسم النسوية العراقية.
*هل تعتقدين أن المرأة ما زالت غير قادرة على النطق بصوت واضح وسليم وقوي؟
- في ظل الوضع الراهن سيكون الجواب ، نعم ، فكل السياقات الراهنة تشير لانتصار إرادة التكميم والمصادرة والتهميش ، وصوت المرأة اليوم وفي أحسن أحواله صوت مخنوق كأنه صراخ في علبة ، ودعني أضرب لكم مثالاً بسيطاً على ذلك ، فمنذ فترة يتم تداول مسودة القانون الجعفري في الأروقة السياسية والإجتماعية ، هذا القانون أثار غضب عدد غير قليل من الناشطات والمنظمات والقانونيين ، لكن هذه الصرخات المضادة لا ترقى الى مستوى جسامة الآثار الخطيرة المترتبة على هذا القانون ، بل إن المخاوف التي ترى ان هذا القانون ماضٍ على قدمٍ وساق ليصل الى عتبة التشريع يعكس مدى تجاهل السياسي لهذه النداءات وتعاليه على إرادة المرأة المتنورة ، وهذا المثال يوضح أن قوى الإرتداد ما زالت ماسكة بزمام رسم خارطة أحوال المرأة الشخصية ، ومن هنا فان برنامج ( ونطقت شهرزاد ) هو صرخة بوجه كل الإرادات التي تحد من تطلعات وأحلام النساء العراقيات ، لكن نستدرك فنقول إن الأمل ما زال قائما بتنامي أصوات الرفض ولا بد من تعاظم هذا الصوت ليكون قادراً على إسترعاء الإنتباه .
تستضيفين في البرنامج رجالًا ؟ لماذا؟ الا ان تخشين ان يكون احدهم شهريار ؟
- ليس بالضرورة أن تكون المرأة هي أفضل من يعبر عن صوت المرأة ، فالمشكلات التي يقاربها البرنامج وان كانت بإطارها العام مشكلات تخص النساء العراقيات الا ان هذه المشكلات تمس جميع مفاصل النسيج الاجتماعي العراقي فمن المستحيل فصل واقع المرأة عن عموم الواقع الإجتماعي ، من هنا فإن وجود الصوت الرجولي الى جانب الصوت النسوي يعطي للبرنامج مناسبة لعدم جنسنة المشكل النسوي ، فالمشكلة عامة تخص عموم المجتمع ، فما المانع والحالة هذه من الاصغاء لتصورات متخصصين تصب في خدمة المرأة ، ومن نافل القول الاعتقاد بأن قضايا المرأة لا تنتصر لها وتدافع عنها المرأة لمفردها ، بل كل المتنورين من رجال ونساء يسعون لبلوغ هذا الهدف .
*هل تنحازين للمرأة كمقدمة للبرنامج ام تقفين في منطقة الحياد ؟
- ليس لكوني إمرأة أبدو منتصرة ومنحازة لقضايا المرأة بل ان هذا الموقف نابع من ايمان حقيقي وعميق بضرورة مناصرة قضايا المرأة العراقية ، صحيح أنني أسعى الى الحياد ، ولكن أجزم ليس بوسع مقدم برنامج من نوع هذا البرنامج الذي نقدمه أن يظل ماكثا لساعة ونصف الساعة في منطقة الحياد ، ولكن دعني أقول لكم إننا نسمح لسماع الرأي المختلف ونعطيه مساحة كاملة لقول ما يريد ، وهذا هو جوهر الحيادية
*ما اصعب الحلقات التي قدمتها ولماذا؟
- كل حلقة من حلقات هذا البرنامج هي أشارة لمشكلة معينة ، وبعض هذه المشكلات هي مما نراه ونلمسه طافيا على السطح الاجتماعي ، فيما البعض الآخر يقع في منطقة الغاطس الاجتماعي أو المسكوت عنه أو ما يعتقده البعض بأنه خادش للحياء ، بيد أننا نؤمن بأن المشكلات التي تنتمي لهذا السياق هي مشكلات جادة وحقيقية ولا نرى مناصا من تناولها وفتحها بدرجة 180 تلمسا لفهمها أولا ، ومن ثم تقديم التصورات العلاجية لها ، ولا نرى من داعٍ لتركها تصول وتجول في الخيال الاجتماعي مؤثرةً ومتأثرة في وجدان الناس ، فيما نحن نتوانى عن طرحها بحجة الحياء أو ما شاكل ذلك ، فمع التردي في نسق الحياة النسوية العراقية الذي شرحناه قبل قليل ، تبرز الحاجة ملحة للتحلي بالشجاعة وتناول الغاطس في الوجدان الاجتماعي ، فاذا كان البغاء والسمسرة على سبيل المثال لهما وجود فعلي في الحياة الاجتماعية، اذا ما المانع لتناول هذه المسألة وغيرها في البرنامج ؟ لكن الصعوبة التي لمّح اليها السؤال تكمن في أطار الحصول على شهادات من جمهور المشكلة التي تتدثر تحت لحاف الحياء ، ومع هذا فقد قبلنا هذا التحدي وحصلنا على شهادات نادرة عن كل ما يتعلق بالمشكلات الغاطسة أو المسكوت عنها.
*ما رأيك ببرامج المرأة المقدمة على القنوات العراقية والعربية المختلفة؟
- نكنُ كل التقدير والاحترام لكل قناة إعلامية تحاول مقاربة المشكل النسوي فذلك كله يصب في النهاية في خدمة قضايا المرأة العراقية والعربية ، وهناك برامج نوعية جيدة تصب في هذا الاتجاه وتسعى جاهدة لتكون منبرا من منابر الصوت النسوي ، لكن ثمة مشكلة أو قلْ إشكالًا يعترض البعض منها وذلك عندما تنحو بعض هذه البرامج منحىً وصفيا أو تجريدا إنشائيا دون أن تقوى على تنضيج توصية تنبثق من مسار المعالجات ، كما أن التنوع العقائدي والفكري لبعض هذه القنوات يجعلها تجاور المشكلة أو تلامسها بشكل خجول لا أن تعيش في صلبها وتعبر عن عميق مكنونها وهنا سيكون التقاصر نتيجة حتمية ، بل ان ما تعتبره قناة معينة تجاوزا صارخا على حقوق المرأة تعتبره قناة أخرى واجبا ولا ترى ضيرا في ذلك ، كصراع الاسلمة والعولمة في فضاء النسوية ، مثالا ، وما يقتضيه هذا الصراع من تباين حاد في وجهات النظر ، وهذه المشكلة تتجاوز سياسة أي قناة لتصبح تجليًا وإنعكاسًا لمشكل أعمق متجذر في الواقع وتلك هي المفارقة.
*هل تعتقدين ان الاعلام أنصف المرأة؟
- الاعلام ليس هو الرهان الأنجع لإنصاف المرأة من عدمه فهو ndash; أي الاعلام - لا يعدو كونه وسيلة لايصال الصوت وبالتالي فالقرارات التي تنصف المرأة هي خارج إطار الاعلام أولاً .. فهناك مؤسسات سياسية ودينية ومنظومات عشائرية وقوى إجتماعية بالمحصلة هي الفواعل الحقيقية في رسم خريطة انصاف المرأة في الفضاء الإجتماعي والسياسي والثقافي ، عندها يكون دور الاعلام اما مساندًا لتوجهات هذه المؤسسات والمنظومات أو معارضًا لها أو بين هذا وذاك ، ومن هنا يبلور موقف الاعلام من قضايا المرأة .
*كيف ترين واقع الاعلام العراقي بشكل عام ؟
- النظر الى واقع الاعلام العراقي هو نظر الى الواقع العراقي نفسه بكل ما يحمل هذا الواقع من تناقضات وتصارعات وتجاذبات ، واليوم وبعد مرور أكثر من عشر سنوات على التغيير اكتسب الاعلام العراقي مهارات تأثيرية في المتلقي نمّاها التنافس بين عدد غير قليل من هذه الفضائيات ، ونكرر ما اوردناه سابقا صار لكل فئة طائفية او قومية او عشائرية وسيلتها الاعلامية وهذا هو النمط السائد ، يجاوره نمط أقل إشراقا ولكن أكثر موضوعية تمثل بوجود قنوات وطنية هدفها مخاطبة الانسان العراقي بصرف النظر عن مرجعياته أيا كان نوعها ، وتبقى الحاجة لقنوات تختص مثلا ببناء الطفل أو قناة ترفيهية توفر إسترخاءً للانسان المتَعب أصلا.
*ما الصعوبات التي تعترض عملك كإعلامية ؟
- ربما طبيعة عملي الإداري والإعلامي تجعلني أقل عرضة للمضايقات التي تعترض زميلاتي الاعلاميات في ظل عدم وجود قوانين وتشريعات تحميهن وتضمن حقوقهن ، ولكن صعوبة الجمع بين العمل اليومي في إدارة قناة الحرية الفضائية بكل تفاصيله وتقديم برنامج بهذا المستوى بالاضافة الى الاشراف المباشر على دائرتي الاخبار والبرامج رغم تأثيرها السلبي على وضعي الصحي الا انها تشعرني بالقوة وتمنحنى الثقة بالنفس لإثبات ذاتي أمام ذكورية المجتمع وفحولة العقل الجمعي .
*ما رأيك بمستوى مقدّمات البرامج وما الأشياء التي تنقص بعضهن للنجاح ؟
- هناك مفارقة تخص عموم مقدمات ومقدمي البرامج ، هذه المفارقة تكمن في حاجة الشاشة التلفازية لوجه مقبول شكلًا وبنفس الوقت يحتاج المقدم والمقدمة الى قدر من الثقافة تؤهله لإدارة البرنامج وامتلاكه أرضية ثقافية تساعده على المناورة وإدارة دفة الحوار ، وهنا تقع الازمة فمن الصعب أن تجد مقدما او مقدمة تحمل هاتين الصفتين الا في حدود ضيقة وهذا الامر يصنع ببغاوية تدفع البعض لترديد أسئلة المعد ، دون امتلاك القدرة على الاستنباط والرد ، ومن هنا أوجه دعوة لكل من يتصدى للتقديم أن يسعى لخلق بصمته وملامحه وشخصيته ليحدث الشد والقبض على متلقٍّ صار نرجسيًا قد يهرب من قبضة اي برنامج ان لم نحسن استدراجه ليمكث رائيًا وسامعًا ومنفعلا بالموضوع الذي يتناوله البرنامج .
*ما الذي يعجبك في كونك مقدمة برامج ؟
-القدرة في التأثير على المتلقي من خلال صورتي في البرنامج أكثر ما يعجبني في التقديم وأنحاز لفيروز المقدمة لا المديرة لأن ظهوري في الشاشة هو الذي منحني الشهرة وحب الناس وليس عملي الاداري .
* سؤال خارج المتن : لماذا لم تعمل قناة الحرية على انتاج مسلسلات درامية ؟
- نقص التمويل.. واذا ما توفر هذا الشرط سنصطدم بأزمة الدراما العراقية التي يعرفها جميع المختصين.