أثارت مشاركة الفنانة الشابة "هبة طوجي" في الموسم الرابع من النسخة الفرنسية لبرنامج الهواة الشهير The Voice& ردود فعل متضاربة بين مشجع لهذه الخطوة وبين مستغرب أو منتقد لها.


بيروت: منذ أعلنت الفنانة اللبنانية الشابة "هبة طوجي" عن مشاركتها في الموسم الرابع من النسخة الفرنسية لبرنامج الهواة الشهير The Voice والأقلام الصحفية لم تهدأ، وإنقسمت بين مستغرب لإقدام فنانة&محترفة&أثبتت حضورها على الساحتين اللبنانية والعربية، وصنعت لنفسها خطاً خاصاً بها، على المشاركة في برنامج للهواة. وبين مهاجم يرى أن في مشاركتها تقزيم لإسم العائلة الرحبانية الشهيرة (لأن منتجها ومكتشفها وداعمها هو أسامة الرحباني إبن هذه العائلة الفنية العريقة). وبين داعم يرى في خطوتها هذه فرصة لفتح أبواب أوسع ورفع إسم لبنان عالياً، وإظهار صورة مشرقة ومشرفة للمرأة اللبنانية وللفن اللبناني في المحافل الدولية.
&

هذا الإنقسام بالرأي في الإعلام إنتقل الى مواقع التواصل الإجتماعي والسؤال هل أخطأت هبة عندما أقدمت على هذه الخطوة، وهل أساء أسامة الرحباني لإسم العائلة الفنية العريقة؟ كان محور الجدل،&وللإجابة عليه كان علينا أن ننظر الى المشهد الفني اليوم بواقعية مجردة عن العواطف والإسقاطات السياسية أو الأغراض الشخصية:
&

أولاً: هبة طوجي وأسامة الرحباني عانا الأمرين طيلة السنوات الماضية&ليتمكنا من إنتاج موسيقى محترمة تسير عكس التيار السائد، وغامرا بكل ما يملكان&دون أي دعم إنتاجي من أية جهة خاصة كانت (شركات إنتاج) أو حكومية (إعلام الدولة أو وزارة ثقافتها)، وذلك في ظل الواقع العربي المضطرب في كافة دول المنطقة (لبنان وسوريا ومصر وتونس والعراق)، التي تشكل إما مراكز هامة لصناعة الموسيقى، أو تعتبر سوقاً لها&بمهرجاناتها وحفلاتها، فيكاد يكون الريع لأي عمل فني معدوماً اليوم، فلا المهرجانات ولا الحفلات ولا مبيعات الألبومات يمكن أن تغطي كلفة الإنتاج. والبحث عن فرصة في الخارج بات ضرورة حتمية للإستمرار.
&

ثانياً: لا يشترط برنامج The Voice& في المتقدم أن يكون "موهبة مغمورة" عديمة الخبرة لأنه ليس ستار أكاديمي، ولا نعتقد أن مشاركة هبة فيها إنتقاص لفنها أو لقدراتها، بالإضافة الى أنها بالنسبة للفرنسيين موهبة مغمورة بالفعل لو أردنا القبول بهذا المنطق.
&

ثالثاُ: مشاركة هبة في البرنامج تسهم بالفعل في تقديم صورة مشرقة عن الفنانة العربية عموماً واللبنانية على الأخص للعالم، بعيداً عن "التنميط" الذي يمارسه الإعلام الغربي، خصوصاً وأنها فتاة جميلة ومثقفة،&وتجيد عدة لغات تمكنها من غناء أي شيء يطلب منها بإقتدار، ناهيك عن قدراتها الصوتية الفذة.
&

رابعاً: لو أخذنا الأمر من زاوية المكاسب السياسية سنجد أن الإسرائيليين عموماً يحتلون كافة المحافل الفنية الدولية، ويبيضون صفحة إسرائيل، ويروجون لفكر دولتهم ويخدمون&قضياها&من خلال مشاهيرهم وتأثير قوتهم الناعمة على الرأي العام، في جميع المجالات من غناء وتمثيل وإعلام ورياضة الخ. فما الذي يمنع موهوبينا من أن يقولوا للعالم نحن هنا وبإمكاننا أن نتفوق، لسنا بدو ولا متخلفين ولا أجلاف، ولا نعيش في خيم، ودولنا ليست صحراء خالية من العمران، ومجرد منابع تفريخ للإرهاب وحسب؟ فهناك وجه آخر مختلف تماماً وهو وجهنا الحقيقي وليس الوجه الذي يحاول أعداء الداخل والخارج فرضه علينا& وتحويله الى أمر واقع.
&

خامساً: لماذا يحتفي الإعلام العربي بشاكيرا وسلمى حايك وأمل علم الدين لمجرد أنهن نساء من&أصول عربية حققن شهرة عالمية ولا يعتبرون هذه الحفاوة المبالغ بها&دونية للغرب،&خصوصاً وأن هذه الشخصيات لا تهتم كثيراً لأصولها العربية، ولولا وجودهن في الخارج وحملهن لجنسيات أخرى لما حققن شيئاً مما حققنه. لكننا نتسابق لنسب نجاحهن لأنسابهن "العربية أو الفينيقية أو اللبنانية"؟
ولمَ نعتبر مشاركة هبة في برنامج إكتشاف مواهب فرنسي إنتقاص لإسمها وموهبتها وفنها وهو باب محترم ومشروع قد يتيح لها شهرة عالمية تضاهي شهرة داليدا مثلاً، وستحقق لها الحفاوة التي ربما لا تجد عشرها الآن في إعلام بلدها،&ولمَ نجد أن بحثها عن فرصة من بوابة خارج أسوار لبنان والعالم العربي دونية للغرب؟
&

سادساً: هل أساء أسامة الرحباني لإسم منصور أو عاصي الرحباني؟
في الحقيقة لا ندري فهو يحاول جاهداً&أن يشق لنفسه خطاً موسيقياً خاصاً به، لا يشبه خط والده أو عمه أو أبناء عمومته، ولا يسيء لإسم&العائلة في نفس الوقت، والتاريخ وحده سيحكم فيما إذا كان قد نجح في مسعاه أم لا ... ولكنه بالتأكيد لم يخطيء عندما حاول أن يفتح لهبة آفاقاً أوسع من المحلية، ولا نعتقد أن برامج المواهب مبتذلة أو مسيئة لمكانة الفنان بقدر ما هي بطاقة تعريف به للجماهير.
وبنفس المنطق نسأل هل تسيء مسابقة "اليورو فيجن" للفرق المحلية عندما تحاول الانتشار على نطاق أوروبا؟ وما الداعي لخلط الأوراق والمقارنة الدائمة بين منصور وعاصي وأبنائهم، ولمَ نكبل الأبناء بإرث الآباء في زمن غير الزمن وظروف غير الظروف؟

سابعاً: لم تكن مشاركة هبة في البرنامج عادية فصوتها إستخدم للترويج له في المؤتمر الصحفي الذي سبق إنطلاقته، كما أنها نجحت في أن تدفع المدربين الأربعة للإلتفات لها، والإشادة بها، فهي إذن شرفت نفسها وفنها وبلدها ووقفت بثقة على المسرح وقدمت أداءً علينا أن نفخر به، ونتطلع الى ما ستحققه لاحقاً. ناهيك عن انها نجحت في إجبار الصحافة الفرنسية للإحتفاء بها وبموهبتها،&فكانت مشاركتها حدثاً ولم تمر مرور الكرام.
&
ثامناً:&طوجي وغيرها ممن يجتهدون لتقديم فنهم لإسعادنا يستحقون منا&أن نشتري النسخ الأصلية من البوماتهم، وندعم أعمالهم إعلامياً، ونشتري تذاكر حفلاتهم، ومسرحياتهم، ليتمكنوا من الإستمرار ولا يبلعهم التيار التجاري، أو تنهكهم كلفة الإنتاج فيجلسون في بيوتهم ويتركون لأنصاف& وأرباع وأعشار المواهب تسيد المشهد وإفساد الذائقة الفنية للأجيال،&والأمثلة كثيرة بالطبع.
&
ختاماً ولكل الأسباب المذكورة أعلاه،&نعتقد أن ما تستحقه هبة وأي مشترك لبناني أوعربي في أي محفل دولي اليوم هو الدعم والمساندة ورفع الروح المعنوية بدلاً من الجلد والتحجيم الذي ينتهجه البعض لأسباب ملتبسة وغايات ومتنوعة.

&