دعا الفنانون العراقيون حكومتهم لإعادة النظر بحالة التقشف التي فرضتها على الفن، وذلك خلال وقفة احتجاجية نظموها خشيةً من أن تسهم سياستها بشكلٍ سلبي بتعطيل عجلة الفن وتعزيز بطالة الفنانين في العراق.


&& بغداد:&نظم الفنانون العراقيون وقفةً احتجاجية عند مدخل مبنى المسرح الوطني في بغداد ضد حالة التقشف التي فرضتها الحكومة. وعبّروا عن استيائهم من البطالة التي يمرّ بها الفن العراقي. وحملوا لافتات بالعبارات التالية: "الفن سينتصر على تجار الحرب والمدّعين .." ، و"المهم قول كلمة حق بوجه سلطان جائر" و"العراق بلد الحطارات، فلنحمي مستقبله"، وغيرها من العبارات الإحتجاجية موضحين أن فناني العراق وقفوا وقفتهم هذه بوجه الحكومة، وقالوا بصوتٍ مسموع إنكم تسرقون أحلامنا.&ولم يصمت هؤلاء من حرصهم على رسالة فنهم، ولم يكتفوا بالتغريدات الإعتراضية على "التويتر" وتدوينات الإحتجاج على "الفيسبوك"، بل نزلوا إلى الشارع يقولون نحن نطالب بتمويل الثقافة والفن والحضارة. اليوم اكتفينا بوقفتنا هنا، وغداً سنعتصم في مواقع القرار إن غيبتمونا أيها الساسة.

"محسن" يتلو البيان:
وتلا الفنان كريم محسن بيان الفنانين الموجه إلى الجهات الرسمية،&وحمل عنوان "لا للتقشف على الثقافة والفن"، وجاء فيه: نحن فنانو ومثقفو العراق، هذا البلد الكبير في التاريخ كما في الحاضر، نُدرك وبشكلٍ جلي محنة هذه اللحظة التي تهدد المعنى العميق لبلادنا التي صار يعبث بأمن وسلامة شعبها الإرهاب والتطرف الذي تغذيه مختلف العصبيات الطائفية والأثنية. وفي مواجهة هذا الخطر الداهم، نحن نرى أن إعادة الإعتبار للثقافة والفنون العراقية الرفيعة، والتي هي من أعرق ثقافات وفنون الدنيا، أمراً جوهرياً في هذه المواجهة المصيرية والتي لا يمكن التصدي لها دون وعي جمعي تساهم في بنائه كل قوى المجتمع وفي الطليعة منها الفنانون والمثقفون. إن تغييب دور الثقافة والفنون في واحدة من أهم الوثائق القانونية الرسمية للبلاد ألا وهي الدستور العراقي الذي أغفل بقصد وبغيره ذكرهما، هو في الحقيقة إشارةً خطيرة تُعبّر عن التهميش الذي يواجهه الألوف من المبدعين العراقيين في طول البلاد وعرضها من قبل المؤسسة السياسية بمختلف توجهاتها". وطالب البيان بعدة اجراءات أولاً: "استثناء وزارة الثقافة ومؤسساتها من المحاصصة السياسية واعتمادها كهيئة مستقلة تعتمد الخبرة والكفاءة والنزاهة في اختيار الكوادر التي يمكن أن تقود العمل الثقافي في البلاد" ثانياً: "تخصيص 1 % من ميزانية العراق السنوية لدعم وتفعيل الثقافة، وتشريع القوانين التي من شأنها ضمان استمرار وديمومة الإنتاج السينمائي والمسرحي والتلفزيوني والفنون الشعبية ويتجلى ذلك في اقرار قانون "التمويل المركزي" والإطلاق الفوري للتخصيصات المالية لدائرة السينما والمسرح"، ثالثاً: "إطلاق تخصيصات شبكة الإعلام العراقي فيما يتعلق بالإنتاج الدرامي وتعيين مدير للدراما يتميّز بالنزاهة والكفاءة والتخصص الدقيق. وتدقيق ملفات "بغداد عاصمة للثقافة العربية" وإطلاع الرأي العام عن الجدوى الثقافية والفنية لتلك المشاريع وإعادة إعمار دائرة السينما والمسرح والمؤسسات الثقافية ودور العرض السينمائي والمسرحي والفنون التشكيلية والموسيقية".
&
"الدليمي": الوضع مأساوي
وأكد المدير العام لدائرة السينما والمسرح مهند الدليمي أن هدف هذه التظاهرة تسليط الضوء على الحالة المأساوية للفنان، وقال: لقد وقف فنانو دائرة السينما والمسرح بصرخةٍ احتجاجية على وضعٍ مأساوي هو ليس وليد اليوم بل&أزمة عاشوها&على طول السنوات الماضية، حيث أن هنالك إهمال حكومي ونظرة قاصرة الى دور الثقافة والفنون في المجتمع التي هي قادرة أن تفعل ما لا تستطيع السياسة أن تفعله. فالثقافة قادرة على قلب المشهد سياسياً، اجتماعياً، ثقافياً وأمنياً. واشتكى سائلاً هل يعقل أن تكون ميزانية دائرة مهمة مثل السينما والمسرح صفر؟ وأجاب: لم& يحدث هذا في تاريخ "الدائرة" منذ تأسيسها في العام 1958. ولم تُهمل بهذه يوماً بهذه الطريقة، وكأنهم يقولون& لها اذهبِ أنت وربك. وهذا تصرف غير صحيح. فعلى الدولة أن تتدخل لأنه من غير المعقول أن تترك الدائرة عاجزة عن إنتاج مادة فنية مدتها خمس دقائق!

"سالم": دعوة للإعتصام
ودعت الفنانة نغم فؤاد سالم لتنظيم اعتصام، وقالت: لا نأمل من هذه الحكومة خيراً كما لم نأمل من سابقاتها، وكما هو عهدي بالحكومات المتلاحقة. ولا أنتظر رؤية مستقبلية جديدة لنهوض واقع الفن العراقي والحركة الثقافية العراقية ولا أرتجي خيراً، لأن آخر اهتمامات أي حكومة عراقية هو الفن والثقافة. وأضافت: التظاهرة لا تكفي ويجب أن يكون هناك ضغط أكبر. والمفروض تكثيف جهود أكثر، حتى وإن لجأنا للإعتصام واتباع شتى السبل الحضارية المتاحة والتي تمكننا من أن نقول من خلالها كلمة حق تكون صفعة على وجه السياسة العراقية لكي تنتبه لفئة مهمشة جداً وهي فئة الفنان العراقي .

"هاشم": الثقافة خط أحمر
وشدد الفنان محمد هاشم على أنه لا يجوز للحكومة أن تهمل الفنان، وقال: اليوم يقف الفنان العراقي& وقفةً احتجاجية كان من المفروض أن يقفها منذ أن تم قطع التمويل عن الثقافة والفن. فنحن نقول دوماً أن الثقافة والفن والرياضة هي واجهة البلد وهي صمّام الأمان له. وعلى الحكومة أن تعي هذا الشيء بدلاً من أن تصرف ملايين الدولارات على مكافحة الإرهاب والسرقات والمشاريع الوهمية. وعليها أن تعزز دور الثقافة. وأضاف: ربما تكون وقفة اليوم احتجاجية، ولكن غداً سنقوم باعتصام، وبعده سنحذر الحكومة العراقية من أن الفنان العراقي خط أحمر والثقافة خط أحمر ولا يجب إهمالهما أبداً.

آراء مؤيدة للتقشف:
في الوقت عينه، رأى بعض الفنانين أن توقيت التظاهرة غير صحيح لأن العراق يمرّ بظروفٍ صعبة وأهمها الحرب الشرسة ضد تنظيم داعش الإرهابي. وأشاروا لأن الفنان العراقي ليس له دور في الأحداث، وأن هناك أموالاً ضخمة صُرِفَت في السابق وذهبت إلى جيوب الفاسدين. وقالوا: إن دائرة السينما والمسرح تمرّ بمعاناةٍ مالية كبيرة بعد الإفلاس الذي أصابها من الممارسات السابقة والميزانيات غير المدروسة التي أدت الى تراجع مستوى الإنجاز والإبداع، الأمر الذي يتطلب أن تكون هناك وقفةً جادة من قبل مسؤولي وزارة الثقافة أولاً ورئاسة الوزراء، وذلك لأن الدراما العراقية معطلة هذا الموسم وليس هنالك من جديد.

"صالح": الدعم للجيش&وللفن التعبوي
من جهته أكد المخرج عزام صالح أنه مع التقشف للفن في الوقت الحالي، وقال: لست ضد التظاهرة ولست معها. ولقد وقفت مع المتظاهرين لأنني أؤمن أن الأغنية تسند الحشد الشعبي والجيش وتعطي معنويات، ولأنني مؤمن أن الدراما من الممكن أن تستنهض الهمم. ومن المفروض أن نقدم للناس قصصاً لا يعرفونها. فهل يعلم العراقيون أن العالم الخارجي يعتقد أن هناك حرباً شيعية سنية؟ وكيف ستُوضِح الحقيقة للناس؟ أليس من الأجدى أن يكون هناك فيلم سينمائي يذهب إلى المهرجانات من العراق ليعرّف العالم على واقع حال البلاد؟ وأن تكون هناك دراما تتحدث عن هذا الوضع ومسرحيات تشرح حقيقة ما يجري وتشارك في مهرجانات مسرحية لتوضيح ذلك؟ وأضاف: أنا لست ضد التقشف بل معه، لأن العراق يحتاج& الفلس الآن لشراء رصاصة بدلاً من أن يعطه للثقافة، لأن البلاد تواجه قتلاً جماعياً وحرباً شرسة. وأٍعتقد بشكلٍ كبير أننا بحاجة للفن الهادف والتعبوي وليس الترفيهي. فالعالم كله حين يمر بهكذا ظروف يتجه للعمل التعبوي ومساندة القوات المسلحة ولا شك أن هذا يحتاج لميزانيات بشرط أن تكون في أيدي المخلصين والأمناء.

"محمد": توقيت التظاهرة غير صحيح
من جانبه، أكد المخرج عماد محمد أن التوقيت غير صحيح لتنظيم التظاهرة، وقال: هدف هذه التظاهرة دعم الدراما والنشاط الفني في العراق. وهذا الموضوع يحيلنا إلى سؤالٍ آخر. فهل يعقل أنه لا يوجد ما يوازي هذه المطالب أو هذه التظاهرة تعبيراً عن ضعف دور الفنان والمثقف والمعدم في دولة تعيش حرباً شرسة، وفي مرحلةٍ خطرة من تاريخها على المستوى الأمني والإقتصادي، وفي ظل حالة تقشف؟ وأضاف: الدولة قدمت خلال المدة الماضية دعماً مادياً كبيراً جداً على مستوى الدراما والمسرح والسينما، ولكن للأسف كل هذه الأموال ذهبت لجيوب الفاسدين والمنتفعين والإنتهازيين. وبالتالي يُفترض أن يكون توقيت هذه التظاهرة صحيحاً حتى تعطي نفعاً مرجواً. وسأل: من الضامن الآن إذا ما الدولة دعمت الفنان أن لا تذهب الأموال إلى جيوب الفاسدين أيضاً، وبالذات في دائرة السينما والمسرح التي لم تقدم إنتاجاً&مرضياً وكانت شبه معطلة في وقتٍ كان يدخلها مليار و600 ألف دينار عراقي سنويا كسلفة تشغيلية. وختم قائلاً: أعتقد أنه لا يوجد دور للفنان الآن. وأخشى أن تكون القضية مجرد صرف أموال تذهب هدراً.

&