رأى الفنان العراقي مقداد عبد الرضا أن الفن العراقي يحتاج لمن يرفع العصا بوجه السياسة والدين، وقال في حديثه لـ"إيلاف" يستحيل أن تنافس الدراما العراقية نظيرتها العربية.


بغداد: بعد غيابٍ عن الأعمال الفنية والإعلام، وجد الفنان العراقي الكبير مقداد عبد الرضا نفسه مضطراً لقبول شخصية "نعمة الدفان". وقد تحدث لـ"إيلاف" عما يخالجه من مشاعر تجاه الوضع الصعب الذي تعاني منه بلاده والقطاع الفني فيها بشكلٍ خاص. وأكد أنه من المستحيل أن تنافس الدراما العراقية نظيرتها العربية، واصفاً الواقع الفني العام بالـ"سيء جداً". وأشار لأنه سيعود إلى شاشة رمضان بعد غيابٍ طويل عنها بمسلسل "وادي السلام".&وأسف لما يحدث في العراق من فوضى في الفن، قائلاً: "جد لي لحظة جمال ارتفعت في البلاد منذ أن لعلع الرصاص وأحكم الأراذل الزناد. بلادنا تحب الموت، وتتغنى بالأحقاد.

* نسألك أولاً عن آخر أعمالك الفنية في التلفزيون تحديداً؟
- ولم التلفزيون تحديداً؟ هل باعتباره الوحيد الذي يتم فيه الإنتاج؟ إطمئن. كل شيء آيل للضمور والتلاشي. ها هو التلفزيون يقف لوحده دون منافس. وكل شيء بات يتضور جوعاً. قاعات التشكيل خالية. المسرح لا يرتاده إلا الأصدقاء والبعض منهم يحضر فقط ليدرأ عن نفسه العتب. وبالنسبة للسينما، أعتقد أنك شاهدت الخراب العظيم المنجز في بغداد عاصمة الثقافة العربية. للأسف، البلاد تتضور جوعاً معرفياً، إقتصادياً وحتى إجتماعياً. ليس هناك من تغذية في كل المجالات. أما آخر أعمالي فمشاركتي في مسلسل "وادي السلام".

&* ما دورك في المسلسل وما الجديد في الشخصية بالنسبة لك؟
- منذ متى وأنت حفار للقبور؟ هكذا يخاطب أمير الدنمارك حفار القبور. دوري هنا حفار قبور يسعى لدفن الوسخ الذي طلاه الغول في أرواح& النجباء. أرواح العراقيين. اؤلئك الذين تصدوا للذي أباح المحرمات. حفار قبور ليس بالمعنى الدارج. "نعمة الدفان" جاء من محنة الإنتفاضة في العام 1991. وصار يأوي أولئك الذين قالوا لا. ورفعوا الكفّ بوجه التعسف. نعمة الكسير بالفقدان. الوحيد إلا من ولد يود الخروج إلى العالم الفسيح. فهل يرضخ نعمة وينتصر الولد؟ دعنا نشاهد الأحداث حيث لا مأوى سوى القبور. تلك الأرواح& الهائمة التي حاربت بضراوة أكبر هرم للقسوة. فدعنا نرى.

&* ما الذي أعجبك في العمل بشكلٍ عام والشخصية بشكلٍ خاص لتقرر العودة من خلال هذا الدور إلى التمثيل بعد انقطاعٍ طويل؟&
&- كنت قد عزفت عن اللعب في التلفزيون. أو بالأحرى كل الألعاب. لكن الصورة التي خلقها المخرج مهدي طالب في حفر الباطن أطاحت بعزوفي، وها أنا أوافق على اللعب مجدداً. وذلك لأن مهدي يعتني بالصورة أكثر من عنايته بالمفردة. وربما الصورة هي التي تقود المفردة. المنطوق لايسحرني كثيراً. وهذا ما جعل التوافق عامراً بيني وبين المخرج. أنا إبن العين، وابن إعادة تكوين الفوضى. لولاها لما كان هذا الجواب، أو السؤال.

* ما السرّ وراء غيابك عن الأعمال الفنية وتصريحك أنك لا تريد العمل؟
- ربما الجواب السابق هو ما يوضح السبب. تشهق حينما تمرّ الصورة. إمراة تمشي الهوينا. يتوقف الوقت في القلب. تمس سرتك سحر اللاعب. كل هذا غاب. وكما الأطفال اقول لك (بح)..! يستحيل أن تجد من يلاعب القطة بسحر نواياه الباسلة. هل راقبت قطة& تسعى لتأسيس فستان إمراة حلوة؟ كل هذا غاب. تحول إلى يوميّ بائس وغير مجدي. "تركب الثقافة على ظهور الحمير". إنها مرحلة "جيبه وحطه". فهل تريد مني أن أنحط في مكانٍ لا يليق بنظرة أصحابي الأشداء؟ الحجرات أفضل.

&* كيف ترى الواقع الفني العام في العراق؟&
&- أراه كما في لون "الفيسبوك" الطاغي. أزرق نقعه الماء. البلاد منشغلة بالحروب منذ زمن طويل. تعشق الحروب. هل رأيت بلاداً تعشق الموت والدم كما يحصل في بلادنا المزهوة بالدم؟ البلاد ابداً منشغلة بـ"لا باس". طوحت بمهر العفة واستعاضت عنه بالدناءة. عجيبة روح التآمر التي تجتاح البلاد. حتى أنها جاءت على مرفق الأدب والثقافة. جد لي لحظة جمال ارتفعت في البلاد منذ أن لعلع الرصاص وأحكم الأراذل الزناد. هل هناك أحداً مثل بعد جواد سليم أو فائق حسن؟ إنهم يحيطون بقلب البلاد وما تلا ذلك& محض مزاج. بلادنا تحب الموت. تحب الحزن. تحب البكاء. تحب التعذيب. تحب الخسارات. تحب الإلغاء. تتغنى بالأحقاد. تحب الظلمة. تحب الصراخ. بالأمس قرأت تعليقاً طريفاً يشبه بلادنا عن بورخس "هذه الحروب تشبه إثنين أصلعين يتطاحنان من أجل مشط". أي عبث هذا؟ نحن بحاجة إلى عطار يرفع العصا بوجه السياسة والدين.

* ما الذي يزعجك في الأعمال أكثر من سواه في الأعمال الفنية التي تُعرَض عليك أو التي تُعرَض على الشاشة؟
- تزعجني الثرثرة والدراية المسبقة. يزعجني ظهور النتائج وأعني الأكف التي لا تتعب من التلويح والتصفيق. أنا لا أحترم البعض من الأعمال التي ظهرت تُمجِّد أو على الأقل تدغدغ خاصرة الحكومة حتى لا تتصدع الإنجازات الواهية. سأختصر. الإقتصاد واجب ونحن نثرثر.

&* لماذا لم تشارك في أفلام "بغداد عاصمة الثقافة العربية" ونحن نعرف أنك من المميزين في هذا المجال والمتحمسين للعمل السينمائي؟
- ليس سرّاً أبداً. جد لي مكاناً في أغلب الأعمال التي أُنجِزَت لاسماجة فيه. سأدخله على الفور. شاهدت الكثير منها& قبل أن تُعرَض. وحينما انتهيت تذكرت تلك السيدة الحميمة التي قالت لي يوما ما: "حينما قدمت مع زوجي إلى بلادكم شاهدت امراة تركب فوق حمار من جهةٍ واحدة. رفعت رأسي إلى السماء وقلت: لك الشكر أيها الرب أن روحي لاتسكن جسد هذه المرأة". أنا تعلمت أن أقول شكراً للمخرج الذي وافق على عدم قبولي في عمله هذا. فأحد المخرجين ليلاً يقوم بتوزيع الأراضي. لكن النهاية كانت أراضي "بور". شاهدت فيلمه وحمدت الرب على عدم اشتراكي معه في عمله السينمائي ذاك. من ناحيةٍ أخرى، أنا أول من تقدم بمشروعين سينمائين لمشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية. وحاولت مراراً الحصول على دعم، لكن إصرارهم كان عجيباً في الرفض. آخرها الشاعر الفطحل والكبير الأتروشي خبأ كتاب الموافقة في درج مكتبه كأننا في صراعٍ شخصي. اللعنة على المحاصصة التي جاءت "بهاي الشكولات". أنا لست ضده شخصياً، إنما ادائه هو الباهت. الآخر صاحب مقهى وديوان. ما أن يبدأ النهار حتى يضع أذنيه فوق الطاولة ويروح في نشاز. أخيرا رميت "جردل وحل" على كل هذا وأوصدت الباب. أما المليارات التي صُرِفَت، فلاعجب. البلاد تعجّ بالفوضى. وقد يتكرر الحال لمراتٍ عدة. إنها تشبه ذلك الذي وقع مغشياً عليه بعد أن سمع كلمة نابية. لكن أحدهم، جاء إلى أذنه وكرر الكلمة النابية لمراتٍ عدة، فاعتاد الرجل ونهض كأن شيئاً لم يكن. لا أحد يستحق أن ينجز سينما بعد الذي مرّ من خراب في عاصمة الثقافة.

*وهل تعتقد أن هذه الأفلام تستحق المليارات التي صُرِفَت عليها؟&
&- أبدا. لاتستحقها على الإطلاق. لو أنهم منحوها لبعض الشباب واخطأوا لبررنا لهم باعتبار تجربتهم بحاجة إلى المزيد من الخبرة. لكن هم سلموها إلى فطاحل السينما كما ترى. فوضعوها وجلسوا فوقها. البلاد تعج بالفوضى. الحكومة سريالية المنحى. تعرف "الجك"، ولكنها أضاعت "البك"، وفي ذلك خجل آسر. لا يحق لأحد أن يفكر في السينما بعد النتائج المخيّبة في عاصمة الثقافة العربية. كل شيء بائس حقاً.

&* أين الخلل فيما يحدث للفن في العراق؟
- الخلل ببساطة يكمن بنقصان هواء المعرفة. نقصان المنافسة، وتجار كُثر يستوردون الهواء الصيني المجفف. كانت أسواق الشورجة أرحم. يمكنني أن احكي لك ساعات عن محنة مهدي طالب ومحاولته في خلق صورة أنيقة وحلوة. علينا بممارسة الطرد. الطرد وبقسوة. أحب جملةً لـ"هتلر" يقول فيها: "المساكين عليهم التوجه إلى الكنيسة". لكن، غالبية البلاد ومثقفيها مساكين!

* هل تعتقد ان الدراما العراقية قادرة على منافسة العربية ولماذا؟
&- يستحيل ذلك! البلاد لها تاريخ دم وشك. وهذا يعني فيها أن فيها انحيازاً لايدخل في المنافسة العربية. ثم تعال جد لي عملاً استراحت له عين الداخل حتى نفكر في الخارج. "دعنا ننام على بيضاتنا البسيطة دون منافسة، أفضل من التشريح الصعب. كان حظنا أوفر يوم كانت لدينا قناتان تتنفسان بعصا الحكومة. إلا أن السباق المحموم جعل قنواتنا تدب، أو تتوقف تماماً قريباً". وقال بالعاميّة العراقية: "ماكو فلوس. الفلوس بيد الحكومة، واكعه بالبير ".

&*أين أنت الآن؟
&- أنا في فردوسي الصغير. أنجزت قاعة حلمت بها منذ زمن. وهي قاعة للمحبة والسلام، وملتقى أصحاب هاجسهم المعرفة، أسميتها "هرج". هرج مطرقة الخارج. الهروب من الخارج. نحن في الضد من هرج. قاعة للعروض السينمائية. أفلام، كتب، موسيقى، صور عن تاريخ البلاد. قهوة للذي يعرف كيف يستنشقها قبل أن يشفها وينتشي. أعوِّل كثيراً على مكاني هذا . أما الأشياء الأخرى، فليس لي فيها حظاً وافراً .

&

&