"إيلاف" من القاهرة: فقد الفن المصري والعربي الأسبوع الماضي واحدة من أهم نجماته وأكثرهن إنتاجاً. وهي الفنانة القديرة مديحة يسري التي رحلت عن عمر يناهز97 عاماً بعد صراعٍ طويل مع آلام المفاصل والعظام. "إيلاف" تُلقي الضوء عبر عدة حلقات على مسيرتها الفنية وحياتها الخاصة.

القبطان يطلب الزواج 
كانت علاقتها مع الكابتن مصطفى تتعمق وتزداد يوماً بعد يوم، وذهبت مديحة في ذلك العام خلال إجازة الصيف إلى الاسكندرية برفقة ابنها عمرو الذي كان قد حصل على إجازته من المدرسة ولم يكن لديه ارتباط بالتدريبات. وخلال تلك الفترة، كانت قد عادت من بيروت الى الإسكندرية بناءً علي رغبة عمرو في تمضية بقية إجازته هناك. لكنها فوجِئَت بإتصال من المخرج حسن الإمام الذي أخبرها انه سيكون لديها في اليوم التالي برفقة المصور وحيد فريد للحديث معها عن فيلم جديد، فانتظرت مديحة وصولهما في اليوم التالي وجلسا سويا في بهو الفندق يتحدثون عن الفيلم.
وكانت مديحة في تلك الفترة تحضر لفيلم جديد مع المخرج أحمد ضياء منإانتاجها وهو فيلم "وفاء إلى الابد"، لكن حسن الإمام أخبرها أن هناك دور لا يمكن أن تقدمه ممثلة غيرها، ومنحها سيناريو الفيلم وكان فيلم "الخطايا" الذي شكل نقلةً كبيرة في مسيرتها الفنية.
قرأت السيناريو فور مغادرة حسن الذي طلب منها سرعة حسم موقفها مع تحديد الأسبوع التالي كموعد لانطلاق التصوير، وبالفعل قرأته ووجدت نفسها في الدور، فكانت تتصل به على مقر أقامته بعد أقل من ساعتين لتخبره بأنها قرأته ووافقت على العمل. لكنها ستقوم بترتيب أمورها للعودة في أقرب وقت للقاهرة حتى لا تتسبب في ضيق نجلها عمرو بقطعها الإجازة بشكلٍ مفاجئ.
وقبل أن تغادر الإسكندرية، كانت على موعد مع رسالة تركها لها القبطان مصطفى، رسالة يخبرها فيها بتواجده في القاهرة ورغبته في لقاءها بأقرب وقت، فردت على الرسالة بموعد عودتها للقاهرة وإمكانية لقاءهما على الغذاء في اليوم التالي، حيث كانت مرتبطة في يوم العودة بتوقيع تعاقد الفيلم.
وقعت مديحة تعاقد الفيلم وفي اليوم التالي قابلت القبطان مصطفى والي الذي عرض عليها الزواج مؤكداً على أنه يحبها وسيعامل نجلها عمرو مثل أولاده خاصةً وأنه يحبه وتقرّب منه خلال الأسابيع الماضية بصورةٍ كبيرة، وهو ما توافق مع ما لمسته مديحة من حديث إيجابي لعمر عنه في لقاءاتهما بالمنزل.

طلبت مديحة مهلة قصيرة للرد على طلب مصطفى الذي لم يكن مفاجئاً لها بدرجةٍ كبيرة. خاصة وان كافة التصرفات التي قام بها من قبل كانت تشير إلى أنه سيطلب منها الارتباط، وفي اللقاء الثاني أخبرته بموافقتها على طلبه، لكنه فاجأها بطلبه اعتزالها التمثيل. ولم يكن طلب اعتزال التمثيل الذي طلبه القبطان مصطفى من مديحة لمجرد أن تجلس في المنزل، فالقائد البحري أخبرها بأنها ستكون معه في جولاته ورحلاته باستمرار وهو وضع يتطلب منها الإنتقال من بلدٍ لآخرى وبالتالي ستجد استحالة في التوفيق بين عملها وبيتها الجديد.
المؤكد أن مديحة عاشت في تلك الفترة حالة حب حقيقة مع مصطفى، حالة الحب التي جعلتها ليس فقط تستجيب لطلبه في التوقف عن التمثيل واتخاذ قرار بالاعتزال بعد الانتهاء من الفيلمين المتعاقدة عليهما، ولكن أيضا جعلتها توافق على أن تتم اجراءات الزواج في السر لحين انتهائها من مشاريعها الفنية لرغبة زوجها في أن تعلن سمراء النيل اعتزالها مع اعلان خبر الزواج لتؤكد أنها اعتزلت لتتفرغ إلى زوجها.

وافقت مديحة على طلبات القبطان مصطفى، فتزوجا رسمياً لكنهما لم يعلنا الخبر سوى للمقربين منهما. وباشرت التصوير لمدة 6 أشهر تقريباً، واستمرت زيجاتهما السرية نحو 8 أشهر من مارس 1961 وحتى بداية عام 1962 مع الإعلان الرسمي عن الزواج.
كانت مديحة تستمع بالعمل في الفيلمين وخاصة "الخطايا" بسبب العلاقة الخاصة التي جمعتها مع عبد الحليم حافظ في الكواليس، وأنهت الفيلمين وأعلنت زواجها واعتزالها بالرغم من كونها في قمة عطائها الفني، وسافرت لقضاء شهر العسل في رحلة عربية أوروبية انطلقت من الاسكندرية لكنها توقفت في بيروت بعدما اصيبت هي باللوز، واصيب زوجها بالزائدة وخضع لجراحة عاجلة في بيروت مما اضطرهما إلى عدم استكمال الرحلة بعدما شعرت بالتشاؤم من الرحلة.
وقررت مديحة قطع الرحلة والعودة إلى ابنها عمرو الذي كان يقيم في القاهرة بينما وعدها مصطفى باللحاق بها بعد أيام يكون أنهى فيها أوراق خاصة به في لبنان. وهو ما وافقت عليه، وعادت سريعاً لكنها فوجئت فور نشر خبر عودتها بالصحف بالمخرج حلمي رفله الذي جعلها توقع على تعاقد فيلم "سلاسل من حرير" مع عماد حمدي، وهو الفيلم الذي قام بانتاجه.
صحيح ان مديحة وعدت زوجها بالاعتزال لكن حلمي رفلة كان يرى أن الفن بداخلها أقوى من أي قرار بالإعتزال وأنها إذ وجدت الدور المناسب ستعود فوراً.
شعرت مديحة بأنها وضعت نفسها في مأزق مع زوجها الذي وعدته بالإعتزال وكان لا يزال آنذاك في لبنان، فحرصت على إبلاغه بما حدث في تلغراف مطول بسبب صعوبة الإتصالات الهاتفية. فشرحت فيه باستضافة ما حدث وتعهدت بأن لا يؤثر عملها على بيتها وعلى علاقتهما.
عاد القبطان من لبنان بعدها بأيام. صحيح أنه حاول إخفاء ضيقه مما حدث، إلا أنه لم ينجح في ذلك .خاصة مع مرور الوقت وانشغال مديحة بالتصوير لساعاتٍ طويلة. وبدأ يفكرها بوعودها قبل الزواج ومخالفتها ما تم الإتفاق عليه وتكرر طلبه باعتزالها الفن، وتكرر انشغالها بالتصوير حتى وصلت الأمور بينهما لطريق مسدود انتهى بالاتفاق على الانفصال في هدوء.
خرجت مديحة من تجربة الزواج متأكدة من عدم قدرتها في الابتعاد عن الفن حتى لو كان على حساب الحب. صحيح أنها كانت ترغب في الإستقرار وتكوين أسرة هادئة ،لكن يبدو أن حلم الأسرة السعيدة الذي تمنته في طفولتها وقف القدر أمامه في زيجاتها المختلفة.

وانطلقت في العمل بالسينما وانشغلت بالانتاج السينمائي أيضا من خلال مشاركتها في إدارة المؤسسة العامة للسينما التي كانت تنتج عدداً من الأفلام. فيما بدأت بتقديم أفلام تناسب مرحلتها العمرية بشكلٍ أكبر. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر "العريس يصل غداً"، "الحلوة عزيزة"، و"الساحرة الصغيرة" فكانت أدوار الأم جزءاً من شخصيتها في هذه الفترة.
وفي حوارٍ لها عن عملها بالانتاج والتمثيل تقول: "الانتاج والتمثيل كلاهما ممتع. لكن هناك اختلاف بالطبع في كل منهما. فكمنتجة كنت أشعر بالسعادة عندما أحول كلام علي الورق لنبض ومشاعر وأحاسيس، ديكورات وتصوير كما أخطط لهم. لذا كنت أحرص على متابعة كل صغيرة وكبيرة في الإنتاج حتى يخرج العمل بشكلٍ جيد. أما كممثلة فكنت أقوم بحفظ دوري وأؤديه بشكلٍ جيد أمام الكاميرا".