بعدما ظلت تُوصف بكونها quot;جنة الورودquot;، صارت مدينة البليدة (50 كلم غربي الجزائر) ديكورا باهتا تتلاطم فيه أمواج من البنايات والمفرغات الفوضوية، ما شوّه وجه مدينة خضراء ظلت مشتهرة بماضيها الجميل.

كامل الشيرازي من الجزائر: يجمع مسؤولون وناشطون بيئيون في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot; على أنّ وضعية منطقة البليدة أضحت quot;كارثيةquot; بكل المقاييس، بفعل ميزة التدهور التي عصفت بالكثير من معالمها، على نحو يدفع quot;كمال مزغاشquot; رئيس بلدية البليدة إلى الإقرار بوجود مرض يعتري المدينة، بعدما كانت مئات العوائل تفضل القدوم إلى البليدة طلبا للراحة والاسترخاء وسط جو لطيف منعش تصنعه الأشجار الباسقة المترامية بجمالها الساحر وهواءها النقي وهدوءها التام وجوها المنعش.

ويرى quot;كمال بوخاتمquot; ابن المدينة، أنّ الأخيرة تعاني الأمرّين بفعل اضطراب الطبيعة العمرانية وتدهور الإطار المعيشي للسكان منذ الذي حدث في تسعينيات القرن الماضي، ملفتا إلى أنّ البليدة شهدت تحولا كبيرا خلال الأعوام العشرة الأخيرة كانت له آثاره على البيئة المحلية، حيث تضاءلت المساحات الخضراء وامتلأت مختلف الأحياء بأكوام من النفايات الغير مراقبة.

ويدرج quot;كمال عمانيquot; المتخصص في البيئة، استقالة الجهات المحلية تجاه تهيئة عمرانية ما أدى إلى فوضى انعكست على الطبيعة الراقية للبليدة العتيقة، خصوصا بعد اتساع ظاهرة quot;الأحياء المراقدquot;، التي يتخذها ساكنوها مقارا للنوم فحسب، بعيدا عن التحلي بالحس المدني وممارسة ثقافة التنظيف الجماعي التي جُبل عليها الجزائريون الأوائل.

وعن سببية التأزم البيئي الحالي لحاضرة البليدة، يسجل quot;باديس ربيعيquot; أنّ المخطط الذي جرى اتباعه وقام على تكثيف حركة البناء، لم يكن إيجابيا خصوصا مع افتقاده للنوعية والجمالية في منطقة معروفة بطابعها الزراعي السهبي، حيث جرى ابتلاع كثير من الأراضي، وهو ما أورث معه اختناقا شديدا تضاعفت حلقاته مع حلول صيف 2011.

من جانبهم، ينتقد منتخبون محليون اضطراب عملية تسيير النفايات ما أفرز ديكورا بشعا احتقن أكثر مع تراكم أكوام القمامة و أكياس الفضلات المرمية على الأرض، تبعا لعدم احترام قواعد النظافة والامتثال لمواقيت رفع القمامة والمبادرة بفرز أنواع النفايات، والتخلص النهائي من الفضلات المنزلية واجتناب تأثيرها السلبي على الصحة والبيئة عامة.
وفي سبيل تجاوز هذا الوضع البيئي الغير صحي، تراهن السلطات المحلية بحسب quot;كمال مزغاشquot; على إسناد جمع النفايات إلى مجموعة متخصصة ستتكفل أيضا بمعالجة الفضلات المنزلية والتطهير وتهيئة المساحات الخضراء، فضلا عن صيانة الفضاءات العامة.

وعلى الرغم من أن المنطقة فقدت الكثير من حيويتها وبريقها، يرى الخبير quot;علي ساحليquot; أفق البليدة مرشحا للأفضل، خصوصا مع امتلاك المدينة لثروة هائلة من الحمضيات والكاليتوس والسدرة والجزر البري وغيرها، إضافة إلى خواصها الطبيعية والجبلية والريفية، إذ تمتلك غابات كثيفة وأشجار مثمر، ناهيك عن استفادتها من ظروف مناخية مواتية.
ولعلّ المعلم الأبرز لمحافظة البليدة يبقى محمية الشريعة الجبلية الأعلى من نوعها في سلسلة الأطلس، حيث تستوعب 816 نوعا نباتيا و394 صنفا حيوانيا، بيد أنّ هذا المعلم الطبيعي الهام عانى كثيرا من التدهور الذي لحق به وبكائناته الحيوانية والنباتية خلال الأعوام الأخيرة.

وتحتوي البليدة أيضا على حوالي 140 ينبوعا مائيا ساخنا، كما تتألف من ثماني وحدات إيكولوجية متنوعة التضاريس، وأهم هذه الوحدات هي: غابة الأرز التي تغطي مساحة قدرها 1200 هكتار، ويعيش داخلها النسر الذهبي، الجرذ السنجابي، والبرخ.
وإلى جانب غابة الأرز، هناك غابات السنديان الأخضر التي تغطي جزءا كبيرا من الحظيرة، إضافة إلى غابة السنديان الفليني، غابة الزان، غابة الصنوبر الحلبي التي تضمّ صنفي النحل والدعسوق.