تتعرض مدينة بابل التأريخية لخطر انهيار مبانيها بسبب تسلل المياه الجوفية لها.

وسيم باسم من بابل: تعيش مدينة الحلة مركز محافظة بابل (100 كم جنوبي بغداد ) منذ عقود تحت بحيرات كبيرة من المياه الجوفية، اثرت بشكل كبير على المباني والآثار التاريخية في مركز المدينة، ولاسيما مدينة بابل التي تقع نحو 5 كلم شمال مركز الحلة.

وينظر حسين الخفاجي بعين القلق الى بيتين يملكهما، مطرزين بالشناشيل، يطلان على شط الحلة، حيث صمدا طيلة عقود من الزمن بينما اختفت عشرات بيوت الشناشيل التي كانت تطل على النهر والتي كانت احدى سمات المدينة التي تضفي بهاءً ورونقا وهيبة على المدينة.

ويرجع الخفاجي أسباب هدم الكثير من البيوت الحلية القديمة الى المياه الجوية حيث تتصاعد الرطوبة الى الجدران مما يقصر من عمر البيوت الافتراضي.

ولا يقتصر الأمر على مركز المدينة فحسب بل ان مدينة بابل الاثرية، هي الاخرى تهددها المياه الجوية. ويقول الباحث الآثاري سليم محمد ان الجهات المعينة تعرف هذه المشكلة منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن الإجراءات تعلن ولا تنفذ في كل مرة.

ويضيف: اذا تمعنت في جدران مدينة بابل فترى ان ما أتلفته الرطوبة من رسوم ونقوش ليس بالإمكان ترميمها بعدما بلغت الأضرار حجما كبيرا.

وكان أساتذة وباحثون جيولوجيون في جامعة بابل، حذروا الأسبوع الماضي من مخاطر المياه الجوفية على المباني الأثرية.


المتغيرات الجيولوجية

وبحسب رئيس قسم الأرض التطبيقي عامر عطية لفتة في جامعة بابل فان خبراء بحثوا في ندوة تأثير المتغيرات الجيولوجية في المباني الأثرية و مدى تأثير مشاكل التربة في تلك المباني والطرق الحديثة المعتمة في المعالجة وتأثير المياه الجوفية في أسس المباني.

وكجزء من محاولة إعادة ترميم مدينة بابل التاريخية شرعت الجهات المعنية في عهد نظام صدام حسين الى إعادة بناء البنية التاريخية بصورة عشوائية، أفقدت المباني خصائصها التاريخية. وفي ذلك الوقت استخدمت الخرسانة المسلحة لمنع التأثير السلبي للمياه الجوفية.

وعلى رغم ان اكرم العتبي من منطقة ( البكرلي ) في بابل، استخدم الخرسان المسلح في بناء بيته، لكنه يرى ان البيت لن يكون بمأمن عن المياه الجوفية التي يعاني منها سكان المنطقة.

زحف المياه

ويقول المهندس المعماري قصي حسين ان الحلة القديمة التي تزدحم بالبيوت القديمة، وبعضها ذات قيمة تراثية، لن تستطيع الصمود طويلا أمام زحف المياه الجوفية.
ويتابع: جرت محاولات في السابق لانشاء مصارف تبعد المياه الجوية عن البيوت لكن هذه لم تسفر عن نتائج ايجابية.

ويتحدث حسين عن ان ارتفاع منسوب المياه الجوفية في مدينة بابل الاثرية، ادى
الى تبني أجزاء جديدة داخل المعمار القديم. وهذا يؤثر على القيمة التاريخية للمكان.

وتؤدي المياه الجوفية، الى تشبع الأبنية بالرطوبة، مما يزيد من ملوحة التربة التي تؤدي الى تآكل قواعد البناء وتحللها.

ويرجع العتبي الزيادة الكبيرة في المياه الجوفية في المدينة الى تسربات الماء من شط الحلة والمناطق الزراعية المجاورة، إضافة الى طينية الأرض، وكذلك بدائية وتقادم نظام الصرف الصحي.

وتابع : المناطق في بابل، زراعية، وتحتاج الى عمليات ارواء بكميات كبيرة وهذا يؤثر كثيرا على المباني التاريخية.

ويضيف : ان تقادم شبكات المياه والصرف الصحي في اغلب مدن العراق، جعل المياه الجوفية تختلط بمياه المجاري والصرف الصحي.

وبحسب العتبي فان خاصية الامتصاص الشعرية لجدران البيوت والأبنية لاسيما التاريخية منها يسهل صعود الرطوبة، حيث ينتفخ الطابوق، لكنه لا يلبث ان ينكمش في وقت الجفاف مما يساهم في تفتته.

عمليات الامتصاص

ويسعى اغلب المواطنين بحسب العتبي الى تجاوز مشكلة المياه الجوفية عبر الاستعانة بالأسمنت المسلح كقواعد للبناء، لكن ذلك لن يوقف عمليات الامتصاص للمياه من قبل جدران المباني.

ويلاحظ الزائر لمدينة بابل الأثرية كيف تصدعت الجدران وتآكلت الرسوم والنقوش التي بدت هشة بعدما جففت الشمس المياه التي تصعد اليها من جوف الأرض.

ومما يزيد من الأضرار هو تسرب مياه الأمطار الى داخل المعابد والهياكل والقصور التي هي في اغلبها تنخفض عن مستوى الأرض مما يؤدي الى تشكل مستنقعات وبرك تجففها أشعة الشمس او تتسرب إلى جوف الأرض.