بحيرة ساوة

تغيب المظاهر السياحية عن بحيرة ساوة الواقعة جنوب شرقي بغداد، كما تعاني من غياب مشاريع الاستثمار عليها، وقلة عدد زائريها نظرا لعدة اسباب يتقدمها الطقس الحار وارتفاع ملوحة المياه التي لم تسمح حتى بتربية الأسماك فيها.


بغداد: لم يلحظ السائق رحيم الأسدي وهو يقترب من بحيرة ساوة التي تقع على مسافة 30 كم جنوب غربي مدينة العمارة (320 كم جنوب شرقي بغداد) أية مظاهر تدل على ان هناك مرفقا سياحيا ذا خدمات تجعل منه مقصدا للزوار .
ورحيم الذي يعمل سائقا لباص سياحي، يزور ساوة لأول مرة بصحبة طلاب مدرسة ابتدائية من المحمودية (15 كلم جنوب بغداد)، تفاجأوا بان البحيرة التي طال شوقهم لرؤيتها لم تكن سوى مسطح مائي تعلو ضفافه الأتربة والأوساخ، وتحيط به الصحراء والأملاح .
وعلى الرغم من جمال المنظر الفريد من نوعه، والمتمثل في بحيرة مترامية الأطراف في صحراء واسعة، إلا أن غياب المظاهر على كونها مرفقا سياحيا، أصاب التلاميذ والمرافقين بالإحباط.

ومنذ عقد الثمانينات كانت هناك محاولات لجعل بحيرة ساوة مقصدا للسياح، ونافذة لتمتع اهالي محافظة المثنى جنوب العراق بمنظر الصحراء والطبيعة، الا ان كل المشاريع التي اقيمت كانت تجارب فاشلة، ولم يتبق من المرافق التي بنيت مثل المظلات والأرصفة والممرات سوى أطلالا بائسة.
كما لم يتبق من المطاعم ودور الاستراحة التي بنيت على شكل خيام سوى هياكل تلعب في داخلها الريح.
وتمتد بحيرة ساوة على مساحة نحو تسعة كيلومترات مربعة، ويتراوح عمقها بين ثلاثة الى خمسة امتار وتحيط بها حافات من الصخور والأملاح المتكلسة.
وحين اقترب حميد حسن (أستاذ مدرسة رافق التلاميذ) لم يجد من بناية المطعم الذي شيد سوى هيكل مجرد من مظاهر الحياة.
وعلى طول الطريق المؤدي الى البحيرة، لا توجدعلامات مرورية أو إرشادية توحي لك باقترابك من مرفق سياسي هام.

وبحسب كريم الجنابي (مدرس) الذي يسكن على مسافة عدة كيلومترات من البحيرة، فان محاولات مشاريع الاستثمار في المنطقة باء بالفشل، بسبب انعدام التنسيق بين الجهات المنفذة والسلطات المحلية المعنية.
ويتابع: quot;بناء مرافق سياحية لا يكفي لوحده لإحياء المنطقة، لأنها اذا بنيت فستتحول الى اطلال مثل السابق بسبب غياب الزائرين. يحتاج الأمر خطة عمل متكاملة يشترك فيها الإعلام والجهات السياحية ورجال الأعمال وخبراء السياحة والاقتصادquot;.
ويضيف الجنابي: quot;لا يجرؤ المواطن على القدوم الى المنطقة بسبب انعزالها، وتطرّف المناخ وقسوته لا سيما في الصيفquot;.
وعلى الرغم من ان هناك زائرين يقصدون البحيرة، الا أن أعدادهم قليلة جدا. ولا تحقق مردودا اقتصاديا لمن يسعى الى الاستثمار في المنطقة، وتخلو البحيرة من مظاهر الحياة البحرية فيها بسبب الملوحة.
وبحسب الجيولوجي سعيد حسن، هناك محاولات سابقة جرت من قبل جهات علمية لتربية الأسماك فيها لكنها لم تنجح.

وعايش حسن زيارة بعثة علمية روسية الى البحيرة في السبعينيات من القرن المنصرم لغرض دراستها لا سيما وان هناك نظريات تفيد بارتباط مياهها ببحر قزوين.
ويتابع: quot;تعلو البحيرة سطح الأرض بنحو خمسة أمتار، مما جعلها تبدو كحفرة عميقة لا يراها الناظر من بعيدquot;.
وفي ركن من أركان البحيرة الشاسعة تلمح سيارة وبجانبها أناس افترشوا الأرض، للتمتع بمنظر الطبيعة الخلاب، وهم أفراد عائلة أبو حسين، الذين جلبوا معهم كل ما قج يحتاجونه من شراب وطعام لمعرفتهم بقفر المكان حيث لا تتوفر أي خدمات.
ويشير ابو حسين إلى أن المكان لم يتغير في ملامحه طيلة عقود، وظلت البحيرة فقيرة بإمكاناتها السياحية، ويضيف ان الكثير من الخبراء الجيولوجيين زاروا البحيرة ودرسوا تكويناتها، لكن الاعلام لم يبد أي اهتمام بالنتائج التي توصلوا اولئك حول البحيرة.

ومنطقة البحيرة عبارة عن منخفض في وديان الهضبة الصحراوية وتبعد مسافة كيلومترات عن نهر العطشان .
ويلتقط أبو حسين الذي درس الزراعة في جامعة بغداد صورا نادرة لكهوف تنتشر على طول شاطئ البحيرة، حيث يأمل بنشرها على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك كجزء من التعريف بها، قائلا إن هذه الكهوف تكونت بفعل الأملاح التي تذوب بين الصخور، من بينها صورة لكهف بعمق ثلاثة امتار.
وحين يقترب الشخص من البحيرة يلمح ظاهرة الرغوة البيضاء التي تشكل منظرا خلابا وهي تحتضن الشاطئ.

لكن المنطقة تعاني من الأوساخ التي تلعب فيها الرياح، مثل الأكياس والعلب الفارغة والتي تجد طريقها أحيانا الى قاع البحيرة ما بساهم في تلوثها.
ويرى كامل الطائي الذي يزور البحيرة بصحبة صديقه وابنه ان الطقس المتطرف يبعد الزائرين عن البحيرة.

ويقول إن أطفاله رفضوا زيارة البحيرة للمرة الثانية بعدما وجدوها المنطقة عبارة عن صحراء مقفرة، عند زيارتهم الأولى لها قبل سنة، السبب نفسه الذي يجعل اهالي محافظة المثني يصدون عن زيارتها.
والزائر للبحيرة لن يجد ماء صالحا للشرب على سبيل المثال بل ولا تتوفر مجاري للصرف الصحي، ما يشكل عائقا امام تطوير المنطقة وجذب الزوار اليها.
وارتبطت البحيرة بقصص دينية بحسب رجل الدين جعفر الياسري الذي يقول ان هذه البحيرة مقدسة لدى المسلمين لأنها كانت منبع تدفق المياه الذي أغرق الأرض في عهد النبي نوح، وإن تدفق ماء البحيرة، ينسبه البعض الى انه من علامات قيام الساعة.
ويقول الياسري ان البحيرة افاضت الماء يوم ميلاد الرسول الكريم.