تعتبر منطقة حمام قرقور الواقعة شمال ولاية سطيف، التي تبعد عن الجزائر العاصمة نحو 400 كلم شرقاً، إحدى أهم المناطق السياحية الحموية في الجزائر، فإلى جانب كونها أية من آيات الرحمن في جمال طبيعتها فإنها تحتوى على مركب معدني تصنف مياهه الثالثة عالمياً من ناحية الفائدة الطبية، لذلك يقصدها أكثر من مليون زائر سنوياً للراحة والاستجمام.


الحمام التقليدية بجانب الوادي

الجزائر: رغم أهمية منطقة حمام قرقور شمال العاصمة الجزائرية إلا أن هذه المنطقة لم تنل حقها من الاهتمام الحكومي شأنها شأن المناطق السياحية الكثيرة التي تزخر بها الجزائر، والتي أهلتها لأن تحتل المركز العاشر ضمن أجمل المناطق على مستوى العالم.

ويتميز حمام قرقور، الذي فُتحت أبوابه سنة 1987، عن غيره كونه معدنياً من جهة، ومن جهة أخرى تحتل مياهه المرتبة الثالثة عالمياً حسب تقرير صادر سنة 1938 عن مهندس المناجم الفرنسي ''بازيلياك'' بعد قياسات جديدة للنشاط الإشعاعي الخاص بالمياه الحارة. تم تصنيف ماء ''عين شوف''، وهو المنبع المائي لحمام قرقور، في الصف الثالث للينابيع الحارة ذات النشاط الإشعاعي بعد مياه ''برماخ'' في ألمانيا، ومياه ''جاشيموف'' في جمهورية التشيك حالياً، والمرتبة الأولى عربياً وأفريقياً، نظراً لدرجة حرارته المساعدة جداً والتي تقدر بـ 45 درجة مئوية.

وتساعد مياه هذا المنبع على الشفاء من بعض الأمراض كالروماتيزم، والأمراض الجلدية وأمراض العيون وبعض أمراض النساء، كما يدخل هذا الحمام ضمن الحمامات المصنّفة على مستوى وزارة السياحة في الجزائر. ولقيمة حمام قرقور ومنزلته، زاره علماء ومؤرخون، من بينهم الشيخ محمد الغزالي، كما يوجد برنامج للاستشفاء للدكتور مازوك الذي وضعه سنة 1954 يشرح فيه كيفية العلاج بهذه المياه الحموية المعدنية، والتدليك وإعادة اللياقة البدنية بالاعتماد على أطباء إختصاصيين في العلاج بالمياه المعدنية، كما توفر خدمات الاستجمام والسياحة.

ويوجد في منطقة حمام قرقور حمامان، الأول تقليدي أطلق عليه اسم أحد الأولياء الصالحين وهو quot;سيدي الجوديquot; ويعتبر الأكثر إقبالاً، كما يوجد المركب المعدني الذي يخضع في تسييره لمؤسسة التسيير السياحي بالشرق، والذي فُتحت أبوابه سنة 1987 وفيه فندقانيحتويان على96 غرفة و38 مسكناً عائلياً مؤلفاًمن غرفة إلى 3 غرف، وأربع فيلّات، ومطعمان، إضافة إلى مسبح وقاعة سينما.

ويستقبل هذا المركب يومياً المئات من الزوار، خاصة في العطل، وأيام المناسبات كالأعياد بمعدل 300 زائر يومياً، إلا أن هذا المركب يبقى استغلاله وتسييره ضعيفين حسب الكثير من المواطنين والعارفين في مجال السياحة، مما أثر على الدور الذي يمكن أن يلعبه في هذه المنطقة الساحرة بطبيعتها الخلابة ومناظرها الجميلة وبجبالها الشاهقه.

حمام قرقور في فصل الشتاء

وأمام هذه المركبات المعدنية، يوجد وادي بوسلام الذي يتوسط المدينة بمياهه العذبة المتدفقة من باطن الأرض، الذي يعتبر مكاناً مفضلاً لكثير من العائلات على ضفافه، ومكاناً للترويح عن النفس والسباحة في فصل الصيف.

وتزخر منطقة حمام قرقور بصناعات تقليدية عدةاشتهرت بها منذ القدم، من بينها صناعة الفخار والفضة والنسيج وخاصة صناعة الزرابي، والمتمثلة أساساً في زربية القرقور ذات الشهرة العالمية، ويعود تاريخها إلى مطلع القرن التاسع، حيث صممت بها رسومات وزخارف جديدة أضافوها إلى الزربية المتداولة آنذاك بالمنطقة، ليولد من هذا التزاوج نوع جديد من الزرابي الذي يسمى حاليًا بزربية القرقور، ولكن عدم الاهتمام من أبناء المنطقة ساعد على الزوال التدريجي لهذه الزربية، خاصة بعد تحول الورشة التي كانت تنجز فيها إلى فضاء تجاري، وما بقي إلا القليل من يحافظ على هذا التراث الأصيل.

لكن رغم هذه الأهمية البالغة إلا أن المركب يعاني حالة متقدمة من التدهور وتراجعًا كبيرًا للخدمات، وخاصة الطبية منها؛ بعد أن كان من المراكز التي لقيت سابقاً اهتماماً كبيراً منذ افتتاحه صيف 1987، وتم آنذاك تجهيزه بأحدث الوسائل الطبية، فكان ملجأ للمرضى قصد العلاج، غير أن وضعيته تغيّرت إلى النقيض في السنوات الأخيرة، إذ فقد بريقه رغم التأكيد المتكرر للسلطات المحلية على ضرورة الاهتمام أكثر بواقع السياحة الحموية.

فالمرضى الذين يتوجهون للعلاجات الحموية، والذين قدر عددهم هذه السنة أكثر من 700 مريض يتداوون، همفي وضعية مزرية بسبب نقص التدفئة في أروقة المركب في قسم العلاج وفي غرف الاستراحة بعد الاستحمام، وبسبب تعطل مصعد الفندق الشمالي مما يصعب من نزول كبار السن ومرضى الإعاقات الحركية. فبعد خروج المرضى من المسبح يتجهون إلى الغسل في مسبح المسالك الذي أصبح غير مستغل وفي أروقة باردة تؤثر سلبًا على صحتهم بسبب تغيّر درجة الحرارة المفاجئ، ورغم الترميمات التي تمت في بعض أجنحة المركب، فإن ذلك لا يرقى إلى طموحات المرضى الذين يقومون بالتداوي بأنفسهم في غياب طاقم شبه طبي مؤهل علمياً ومختص في ميدان التدليك الطبي وإعادة التأهيل الوظيفي والحركي.

فمن بين 10 عمّال يقومون بالعلاج في مجال إعادة التأهيل الحركي والوظيفي والتدليك الطبي وتشغيل الأجهزة المخصصة لذلك كالأشعة الحمراء وفوق البنفسجية وأجهزة العلاج بالذبذبات الكهربائية الكترو تيرابي، واحدة فقط في جناح النساء تحوز على شهادة اختصاص من المدرسة العمومية للصحة الوطنية.

أما باقي العمّال فيقومون بذلك عن طريق الخبرة التي اكتسبوها من اختصاصيين في المجال عند ما فتح المركب أبوابه لأول مرة.

منظر عام لمدينة حمام قرقور

وفي الوقت الذي يقر العارفون بالعلاج في هذا الميدان أن إعادة التأهيل الحركي والوظيفي هو مؤهل علمي يتحصل عليه بعد ثلاث سنوات من التكوين العالي النظري والتطبيقي.

أما الطبيب المختص فيتحصل على ذلك بعد 10 سنوات من التكوين، وهو الاختصاص الذي يفتقر إليه المركب حيث تقوم بتحديد آليات علاجات المرضى طبيبة عامة، تساعدها ممرضة لا تحوز على المؤهل العلمي تقوم بقياس ضغط الدم وغيرها، وتنقسم العلاجات الحموية إلى قسمين قسم يعرف بالهيدرو تيرابي وقسم الفيزيوتيرابي بالإضافة إلى إعادة التأهيل الوظيفي للأعضاء.

حيث يقوم بالتداوي في القسم الأول المرضى بأنفسهم معرضين أنفسهم للأخطار لأنسوء استعمال بعض العلاجات كالنضاخات الضاغطة والفقرية يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات تكلفهم غالياً وتسبب آلام العصب الوركي، هذا بالإضافة إلى التدليك تحت الماء التي يقوم بها المريض لوحده، كما أن مجموع هذه المرشات المستعملة لهذا الغرض تحولت إلى ما يشبه حنفيات عمومية لا أكثر، يقصدها المرضى وغيرهم من الزوار الخارجيين، في الوقت الذي لا تستعمل بعض الأجنحة الأخرى كالعلاج بالحوض ذي الخلايا الأربع وعدم تشغيل جهازي الكشف بالأشعة وغيرها.

أما في مصلحة الاستقبال والمطعم فإنك تحظى بحسن الاستقبال والترحيب إلا أن وجباته لا ترقى إلى طموحات المرضى والزوار الذين يفوق عددهم في السنة 60 ألف زائر مقيم والعدد نفسهمن الزوارالذين لا يبيتون، حيث تم استقبال شهر أكتوبر 5171 زائراً مقيماً في المركب من بينهم 76 جاؤوا لتداوي عن طريق صندوق الضمان الاجتماعي، حيث تقتصر وجبات المطعم غالباً على العجائن وبعض الخضروات.

لتبقى الفائدة التي يجلبها المرضى هو الاستفادة من مياه المركب لاحتوائها على الإشعاعات النووية، حيث أكد البعض أن حالتهم تحسنت بعد زيارة المركب وتتحسن أكثر إذا ما تم تدعيم المركب بإختصاصيين وتحسين خدماته، خاصة وأن عملية ترميم تجري بالمطعم الأول والمرشات السفلى، مع ضرورة مراجعة مساهمة صندوق الضمان الاجتماعي في العلاج، التي لم تتغير منذ الثمانينيات.