ينتشر العلاج بالحجامة بين أفراد المجتمع العراقي الى درجة يصعب معها تقدير حجم الذين يقومون بدور الحجام ، إضافة الى عدد الزبائن الذين يقصدون ( عيادات ) الحجامة التي بدأت تنتشر بين الأحياء على أيدي متخصصين وغير متخصصين.


في مدينة النجف (160 كم جنوبي بغداد)،يقصد في حي قريب الى مركز المدينة ، أناس حالقون الجهة الخلفية من شعر رؤوسهم ، بيت الحجام ( ابو علي ) ، الذي اشتهر بإجراء أصعب أنواع الحجامة لاسيما تلك التي تحدث في منطقة الرأس .

الدم الزائد

ويؤكد محمد حسن (25 سنة) أن ألم الصداع ووجع الرأس الذي عاناه لفترة طويلة قد انتهى الى الأبد على يد الحجام أبو علي .
ويتابع حسن: انتزعت العملية الدم الزائد من رأسي وظهري، عبر استخدام (فناجين شاي) تقليدية مع قراءة آيات قرآنية .
ويمارس الحجام أبو علي العملية وسط أجواء دينية ، حيث يستمع الزبائن الى القرآن الكريم ، كما تتلى عليهم أدعية دينية معينة .
ويفضل الحجام أبو علي ممارسة الحجامة في الأوقات المعتدلة من السنة لضمان نتائج إيجابية .
وعلى يد أبو علي، تعلم الكثير من الحجامين اليوم المهنة ، كما شفي على يديه المئات من الأشخاص منذ تعلمه هذه المهنة قبل نحو ثلاثة عقود على يد والده .

وما يلفت الانتباه في غرفة الحجامة التي اتخذها ابو علي مركزا لعملياته ، كثرة الشباب الراغبين في الحجامة .
ولا يعاني الشاب أحمد الشكرجي مرضا، لكنّه يصرّ على الحجامة لأنها من وجهة نظره تزيل الدم الفاسد وتتيح للجسم توليد دماء جديدة عوضا منها . ويعالج أبو علي نحو 70 الى مائة شخص شهريا ، وهو عمل يجعله منهمكا طوال النهار ويوفر له مدخولا جيدا .

طقس ديني

وليس المرض أو الألم ، السبب الوحيد للحجامة بل ان هناك من يمارسها لانها طقس ديني وسنة نبوية . وأبو احمد ( 60 سنة ) يعدها عادة حميدة لان النبي محمد أوصى بها . أما أم زكي (55 سنة) فترى في الحجامة وسيلة لإخراج السحر من الجسم .
وتتابع : أصابني السحر ولم يستطع أحد إخراج الجن من جسدي حتى قمت بالحجامة فخرج الجن مع الدم الفاسد ، وها أنا في أحسن حال .
وأغلب الحجامين في مدن العراق تعلموا (المصلحة) إما بالصدفة او توارثوها عبر الآباء والأجداد ، كما أن أغلبهم لا يمتلك تصاريح صحية تسمح لهم بمزاولتها إضافة إلى أن أماكن عملهم لا تخضع لرقابة صحية دائمة .
ويشير الباحث الاجتماعي سعد الحسيني الى ان الحجامة تتركز بصورة رئيسة بين الأوساط الشعبية ، المحافظة ، وبين المتديّنين بشكل واسع . وفي بعض الأحيان، تقام حفلات حجامة عند اختتام الفعاليات الدينية باعتبارها من سنن النبي.

خطر على الصحة

ومن وجهة نظر الطبيب كاظم شكري، فإن البعض يتقول على لسان الأطباء ما لا يقولونه فيضخمون الفوائد من الحجامة . ويتابع: تصبح الحجامة خطرا على الصحة إذا ما استخدمت آلات تقليدية غير مطهّرة. وينصح شكري بالابتعاد عن ممارسة الحجامة اذا ما أصيب الشخص بأمراض مثل السكري والسرطان. ويشير شكري الى فوضوية واضحة في قطاع العلاج والصحة في العراق ، حيث تنتشر العيادات غير المرخّصة وتباع الأدوية في السوق السوداء ، إضافة الى انتشار بيوتات ( الحجامة ) بين الأحياء .
ويدحض الحجام أبو علاء من بابل (100 كم جنوب بغداد) ، المعترضين على العلاج بالحجامة ، ويقول إن النتائج على أرض الواقع ، أثبتت فعالية الحجامة في معالجة مشاكل صحية متعددة، إضافة إلى أنها تقوي الجهاز المناعي للإنسان بحسب ما صرح به العديد من الأطباء الذين التقاهم .

لكن أبو علاء يعترف ان هناك من الحجامين ممن لم يكتسبوا خبرة جيدة ولا يجيدون الأساليب الصحيحة في العلاج . ويضيف: ثمة أشخاص ساءت حالتهم الصحية على يد حجامين غير كفوئين، ما اضطرهم إلى رفع دعاوى بحقهم . ولا تتوفر إحصائيات رسمية حول عدد ( بيوت الحجامة ) في العراق ، لكن أبو علاء يقدّرها بنحو سبعين بيتا في كل محافظة .

عيادات الحجامة

ويرى سليم البياتي المفتش الصحي في وزارة الصحة طوال ثلاثة عقود قبل ان يتقاعد ، ان هناك حاجة ماسة لان تراقب عيادات الحجامة وان تكون مرخصة ، ويمارسها أشخاص درسوا علم الصحة وتقنيات العلاج الصحيحة . ويمارس أسعد حسن (27 سنة) الحجامة من دون أن يمتلك معلومات او خبرة في مجال العلاج والطب ، بل إنه لا يجيد القراءة والكتابة . وفي الكثير من الحالات التي تسوء فيها حالات الزبون، لا يعرف بعض الحجامين تدارك الامر لجهلهم بطرق العلاجات في الحالات الطارئة .

ولا تخضع الأدوات المستخدمة في الحجامة لأية رقابة او مواصفات معينة ، ويمكن تدبيرها من الأسواق بسهولة. وينظم مسجد السبطين في النجف جلسات الحجامة في الصيف والربيع وفق ما أوصى به الرسول حين قال : استعينوا على شدة الحرِّ بالحجامة. ويقول المشرف على فعاليات المسجد حميد الصالح ان كثيرين يفدون للعلاج في فصل الربيع في شهري نيسان وأيار من كل عام ، على أيدي متخصصين متطوعين .