تبدو زيارة وليد جنبلاط إلى سوريا مستبعدة في الوقت القريب رغم كل المقاربات الإيجابية التي أقدم عليها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي من أجل محو آثار المرحلة الشخصية التي حمل فيها بقسوة على أركان النظام السوري، ويستعدجنبلاطللظهور في مقابلة تلفزيونية عبر قناة quot;الجزيرةquot; على الأرجح يعرض فيها قراءته الجديدة للمرحلة الماضية ويقدم اعتذارا شخصيا إلى الرئيس السوري بشار الأسد عن الإهانات التي وجهها إليه في بعض خطاباته.


إيلي الحاج من بيروت: كان المفترض أن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد رفيق الحريري quot;التاريخيةquot; لدمشق قد مهدت الطريق أمام زيارة مماثلة يقوم بها حليفه وصديقه رئيس quot;اللقاء الديمقراطيquot; النائب وليد جنبلاط لدمشق ، لكن ما بدا من مؤشرات مصدرها العاصمة السورية وحلفاء لها في لبنان يدل على أن هذه الزيارة لا تزال مستبعدة نظراً إلى حال quot;غضب شخصيquot; تفعل فعلها ولا تزال تتحكم في المواقف رغم كل المقاربات الإيجابية التي أقدم عليها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي من أجل محو آثار المرحلة الشخصية التي حمل فيها بقسوة على أركان النظام السوري في مناسبات قوى 14 آذار( مارس).

ويهمس وزير لبناني سابق من دمشق لـ quot;إيلافquot; بأن النائب جنبلاط يواجه مشكلة في كتلته النيابية منعته من إعلان خروجه من قوى الغالبية على غرار خروجه في 2 آب ( أغسطس) الماضي من تجمع قوى ١٤ آذار، مع الإستمرار في تحالفه مع الحريري . ويضيف أن أكثر من نصف أعضاء quot;اللقاء الديمقراطيquot; مستاؤون من قرار الخروج من تلك القوى، من دون أن يكلف جنبلاط نفسه عناء مجرد استشارتهم، وأن بعضهم لوّح بالابتعاد ، في حين تسود بلبلة في أوساط قطاعات طالبية فاعلة في ١٤ آذار، بعدما فرضت تحولات جنبلاط حالاً من الضياع والرفض، وأن ثمة في الإشتراكي من لا يزال يفضل التحالف مع quot;الرفاق السابقينquot;، وهناك من بات يزايد على رئيسه. إلا أن أحد السياسيين العارفين بالنائب جنبلاط من قرب نفى كل ذلك ، وأكد أن الرجل ممسك بالقرار في حزبه وطائفته أو غالبيتها الساحقة بالأحرى، أما quot;اللقاء الديمقراطيquot; فهو نوع من تحالف مع قوى أخرى، معظم أعضائه من الحزب التقدمي الإشتراكي أو الموالين له ، وبالتالي من الطبيعي أن يشهد بين فترة وأخرى تباينات في مقاربة المسائل ، إلا أنه موحد عموما بقيادة جنبلاط.

جديرة بالذكر هنا حادثة ذات دلالات يرويها أحد القريبين منه أيضا. فجنبلاط كان ينوي الحصول على تأشيرة إلى الولايات المتحدة للقيام بزيارة خاصة إليها مطلع السنة الجديدة، وعندما علمت السفير الاميركية في لبنان ميشيل سيسون قصدته في منزله في شارع كليمنصو في بيروت قبل مغادرتها في اجازة، وعرضت عليه دعوته الى بلادها في أي وقت يشاء، فشكرها جنبلاط وقال لها انه ينوي القيام بزيارة خاصة وليس بدعوة من الادارة. واعتبر من اطلعوا على الأمر إنه موقف لجنبلاط ورسالة واضحة وجهها الرجل مفادها انه ابتعد عن واشنطن ليتموضع سياسيا في خندق آخر . وفي الوقت نفسه يؤكد أحد أركان الأمانة العامة لقوى ١٤ آذار ان جنبلاط رفض حتى التنسيق أو ما يسمى في السياسة quot;التواطؤ الضمنيquot;، لكنه أقر بأن قوى الغالبية لا ترى أن جنبلاط انتقل إلى صفوف المعارضة، بل يحافظ على موقعه في الوسط في انتظار جلاء الرؤية السياسية .

ورغم كل مقارباته الإيجابية لا يزال جنبلاط يتلقى معلومات فحواها أن طريقه إلى دمشق لا تزال غير معبدة وقد تبقى كذلك على المدى المنظور، وتلفت هنا نكتة أطلقها مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري فيلتمان أمام أحد الاعلاميين اللبنانيين في واشنطن ، إذ قال :quot;يكاد وليد جنبلاط يطلب منا التوسط لدى دمشق لتأمين موعد له!quot;.

ويستعد رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي للظهور في مقابلة تلفزيونية عبر قناة quot;الجزيرةquot; على الأرجح يعرض فيها قراءته الجديدة للمرحلة الماضية ويقدم اعتذارا شخصيا إلى الرئيس السوري بشار الأسد عن الإهانات التي وجهها إليه في بعض خطاباته تحت وطأة الإنفعال نتيجة للإغتيالات السياسية التي كان وقعها ثقيلاً جدا على فئات واسعة من اللبنانيين. كما سيقدم جنبلاط اعتذارا إلى الشعب السوري، بحيث تكون المقابلة خطوة إيجابية كبيرة ثانية في اتجاه دمشق بعد خطوة ارسال برقية تعزية إلى الرئيس الاسد بوفاة شقيقه مجد.

ويؤكد العارفون بجنبلاط ومناحي تفكيره أنه لما كان أقدم على خطوات كهذه لولا تأكده من حصول تحوّل مهم ومؤثر وحاسم في السياسة الأميركية حيال لبنان وسورية وايران، والرجل متأكد أن مرحلة جديدة بدأت في لبنان وستمتد سنوات عديدة وتكون مناقضة لمرحلة ٢٠٠٥ ، وركيزتها الأساسية التعاون الاميركي مع النظام السوري ومساعدته بمختلف الوسائل على تجاوز أزماته والصعاب. ولا يستبعد هؤلاء أن يزور جنبلاط دمشق بعد الحريري ولكن ليس الآن وربما بعد أشهر، لافتين إلى أن رفض استقبال جنبلاط من جهة واستقبال الحريري من جهة أخرى يعنيان أمرين : الأول تكريس صيغة من العلاقات اللبنانية السورية تختلف عما كان قبل نيسان / أبريل ٢٠٠٥، تاريخ انسحاب الجيش السوري من لبنان، لكنها تنطوي على غلبة واضحة واعتراف بوجود قوي وضعيف فيها، والأمر الثاني إحكام ربط لبنان بالأوضاع الاقليمية، أي إخفاق quot;إنتفاضة الإستقلال الثانيquot; إخفاقاً جلياً لا يتحمل اللبس في عزل لبنان عن الكوارث التي يمكن أن تهب على المنطقة.