هيثم الخوند من بيروت : في مرحلة ما قبل العام 2005، كان اللبناني يسمع عن تصحيح العلاقات اللبنانية- السورية، وتتبادر إلى ذهنه مطالبة التيار السيادي في ذلك الوقت، أي quot;التيار الوطني الحرquot;وquot;لقاء قرنة شهوانquot; وquot;القوات اللبنانيةquot; والصرح البطريركي الماروني وبعض المثقفين الجريئين بانسحاب الجيش السوري واستعادة لبنان استقلاله وسيادته. وفي مرحلة ما بعد العام 2005 وquot;ثورة الأرزquot; وانسحاب الجيش السوري، اصبح مطلب تصحيح العلاقات اللبنانية- السورية يقوم على قاعدة التبادل الدبلوماسي وعدم التدخل السوري في الشؤون اللبنانية وكشف مصير مئات الأسرى والمعتقلين اللبنانيين في سجون النظام السوري.

اما في يومنا هذا، فالمفاجأة السارة للبعض، والمشكوك فيها للبعض الآخر، أتت من قلب العاصمة السورية دمشق، حيث عقد في الايام الماضية المؤتمر الأول للعلاقات السورية اللبنانية وتحديدا في quot;فندق الشامquot; برعاية نائبة رئيس الجمهورية السورية نجاح العطار، وبمشاركة اكثر من 150باحثا ومفكرا واعلاميا من البلدين.

ورغم اصطباغ المؤتمر بوجوه لبنانية عرفت بـquot;صداقتهاquot; الحميمة مع النظام السوري أمثال الوزيرين الاسبقين ميشال سماحة وجورج قرم والاعلاميين سامي ابي طايع وابرهيم محسن وسليمان تقي الدين، إلا أن خطوة بحث الشوائب التي سادت العلاقة بين البلدين خلال العقود الثلاثة المنصرمة، وصفها هؤلاء بأنها خطوة جبارة، واعتراف صريح من القيادة السورية بأهمية تنقية العلاقة مع لبنان لخير البلدين.

وبهذا المنطق أحال الوزير السابق سماحة quot;إيلافquot; على البيان الختامي للمؤتمر الذي اكد ان quot;الطريق الوحيد والحقيقي للعلاقات يجب ان يبدأ من سيادة كل من البلدين وحريته واستقلالهquot;، كما اكد المؤتمرون quot;واقع سورية ولبنان كدولتين كل منهما مستقلة وسيدة وحرةquot;، واعتبروا ان quot;اقامة العلاقات بينهما شرط ضروري للوقوف ضد كل الاتهاماتquot;، مضيفين ان quot;الطريق الوحيد والحقيقي للعلاقات يجب ان يبدأ من سيادة كل من البلدين وحريته استقلاله وقوته الذاتية ومشروع دولة المواطنة والديمقراطية فيهquot;.

وبحسب سماحة فإن الكذبة التي quot;عكرت صفو العلاقات اللبنانية السورية ستظهر قريبا ، خصوصا في ما خص اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مؤكدا أن quot;الضباط الأربعة سيخرجون من السجن اللبناني بعد اقل من عشرة ايام وسنذهب الى الحقيقة التي نريدهاquot;.

سماحة كشف لـquot;إيلافquot; أن المؤتمر الاول سيعقبه مؤتمر آخر يقام خصيصا لدراسة هذه العلاقات quot;عبر استشراف رؤيا مستقبلية وتحليل حاضرها والخروج منه بتصور شامل يضعه المثقفون السوريون واللبنانيون كأساس لعلاقات صالحة وسليمة ومتوازنةquot;.

من ناحية اخرى اعلنت الباحثة السورية ناديا خوست ان quot;المؤتمر لامس مسائل مهمة بالعلاقات السورية اللبنانية وبحث في جذور المشاكل الراهنة في العلاقات بين البلدين. ولعل المميز في ما جرى خلال الايام الماضية في دمشق، استقبال الرئيس السوري بشار الأسد للمشاركين، واطلاقه كلاما لم يقله من قبل حول العلاقات اللبنانية- السورية، فاعترف علنا quot;بارتكاب أخطاء في لبنانquot;، مشيرا إلى أن quot;القول بوجود أخطاء يعني اننا نجري مراجعة كما هو من باب رفض هذا الخطأ والعمل على تصحيحه لا من باب الشعور بالذنبquot;، كما اطلق سلسلة مواقف سياسية، معترفا بوجود خمسة عشر معتقلا quot;فقطquot; في السجون السورية بتهم تتعلق بالتعامل مع اسرائيل، كما عبر عن استعداده لإلغاء الاتفاقات المشتركة مع لبنان او تعديلها، بالاضافة إلى موافقته على ترسيم الحدود باستثناء منطقة مزارع شبعا.

في المقلب الآخر، لم يثر المؤتمر اهتمام قوى 14 آذار/ مارس او يحرك حماستها او يدغدغ آمالها في تنقيح فعلي للعلاقات. فعضو هذه القوى الياس الزغبي أكد لـquot;ايلافquot; أن مؤتمر دمشق شكل quot;غطاء للسياسة السورية القديمة المتمثلة بالطمع التاريخي بلبنان سياسيا واقتصاديا، والسياسة الجديدة بمعنى إلزام سورية أحكام المصالحة العربية والدولية ومتطلباتها ، وتقديم نوع من سلوك حسن النيةquot;. الزغبي اعتبر في حديثه ان كلام الرئيس الاسد على اعادة النظر بالاتفاقيات وترسيم الحدود والاعتراف بوجود خمسة عشر معتقلا لبنانياً في سورية لا غير هو كلام quot;فارغ من اي مضمون عمليquot;، مشيرا إلى ان هذا الكلام quot; كان يجب ان يرتبط باعتذار علني سوري عن خطاياها في لبنانquot;، مطالبا الرئيس السوري quot;بإبداء نوع من الشفافية والجرأة في بحث المواضيع الخلافية بجدية ، مثل مصير مزارع شبعا والمعتقلين الذين يعدون بالمئات، بالاضافة إلى حسم قضية المعسكرات الفلسطينية السورية المنتشرة في المناطقquot;، وعدم quot; التهرب من الحقيقةquot;. والجدير بالذكر أن انعقاد المؤتمر يأتي بعد اقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين في 15 تشرين الاول الماضي بعد ستين عاما على استقلال البلدين، وبعد موافقة السلطات السورية على تعيين ميشال الخوري اول سفير للبنان في دمشق وموافقة لبنان على تعيين علي عبد الكريم كاول سفير لسورية في لبنان.