تأثيراتها رهن المشاهد
الكوميديا التلفزيونية اللبنانية تبثّ الرسائل السياسيّة

تريسي ابي انطون، بيروت: quot;بس مات وطنquot;، quot;10 بعد النشرةquot;، quot;لا يملّquot;، quot;اربت تنحلّquot;،quot;8 و14 ونحناquot;، quot;اوفريراquot;، quot;دمى قراطيةquot;، باقة من البرامج التلفزيونية الساخرة، شغلها الشاغل ان ترصد تحرّكات النواب والوزراء والشخصيات السياسيّة المعروفة في لبنان، وما يصدر عنهم من تصريحات ومواقف تشكل مادة دسمة لمواضيعها. انها تنتقد اداءهم السياسيّ بشكل خاص وواقع البلاد بشكل عام، وتترجمها بطريقة كاريكاتورية لاذعة الى quot;اسكتشاتquot; واغانٍ نقدية وزجل، تشكل متنفسا للبنانيين يحوّل الصراع السياسي في بلدهم الى مساحة للضحك.
هذا بالطبع اوّل اهدافها، الا انه لا يخفى على احد كم تبدو هذه البرامج قادرة على ان تتحوّل منبرا لبعض السياسيين او اداة تسييس وتوجيه للرأي العام ولاسيّما في هذه الظروف الدقيقة التي تمرّ بها البلاد. وها ان لبنان يقف على مشارف انتخابات تشريعيّة تكثر فيها التجاذبات، فأيّ دور تمارسه البرامج التلفزيونية الساخرة في خضمّ هذه الاجواء؟

انطلاقا من مبدأ أن غالبية الاحزاب في لبنان تملك محطاتها التلفزيونية الخاصة، ليس بغريب ان تكون برامجها الكوميديّة ذات طابع ونكهة لا يخالفان التوجه السياسي العام للمحطّة، لا بل يعتبران وسيلة اضافيّة لبث رسائل باتجاه هذا الخطّ او ذاك. وهكذا تقدم محطة quot;او تي فيquot; المتحدثة باسم تيار رئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون برنامج quot;10 بعد النشرةquot; الذي يستضيف شخصية سياسيّة مقلّدة ليتم انتقاد ادائها باسلوب تهكمي يتماشى مع خطّ عون وحلفائه. وفي الجهة المقابلة، تبثّ محطة quot;المستقبلquot; المملوكة للنائب سعد الدين الحريري زعيم الاكثرية النيابية برنامج quot;لا يملّquot; وهو عبارة عن مجموعة من quot;الاستكتشاتquot; ذات التوجه الموالي لقوى 14 آذار.

من جانبها، لا تخفي محطّة quot;تلفزيون الجديدquot; المقربة من قوى 8 آذار/مارس توجهاتها السياسيّة عبر برنامجها quot;اربت تنحلّquot;، ويقول احد ابرز وجوهه، الممثل الكوميدي شربل اسكندر المعروف بشخصيّة quot;صبريquot; الهزليّة ان quot; كل برنامج يلتزم بالخطّ السياسي للمحطّة التي يبثّ عبرها بغض النظر عن التوجهات الشخصية للممثلين، اذ ليس بالامكان ان نكتب مواضيع ضدّ قناعاتها، مع العلم اننا نهاجم الكلّ من دون استثناء، غير ان المحطة لم تتدخل يوما لا سلبا ولا ايجابا في برنامج quot;اربت تنحلّquot; وهي وفّرت وما تزال توفّر لنا الحريّة المطلقة ولو في اصعب الظروف التي تمرّ بها البلادquot;.

ولكنّ ايّ تأثير تمارسه الرسائل الكوميدية المشحونة بالمواد السياسيّة على المتلقي؟
في هذا الاطار، ينفي اسكندر ان تكون البرامج الكوميديّة قادرة على إحداث أي نوع من التغيير في قناعات المشاهدين، مؤكدا quot;ان هذه البرامج تترك انطباعات معيّنة لدى المشاهد سواء كانت ايجابية او سلبيّة وهي يمكن ان تزعج اشخاصا عندما نتهجم على شخصيات سياسيّة نحبّها، ولكن الاكيد انه لا يمكن ممارسة اي نوع من التأثير من خلال الفنّquot;. ويضيف اسكندر quot;اننا ننقل معاناة الشعب بطريقة كوميديّة لا تخضع لأي توجيه خارجي او تلفونات، ننقل وجع الناس واهتماماتهم السياسية أكان على المسرح او على التلفزيون ولكن نحن لا نقدر ان نحدث ايّ ثورة لدى الجمهور كما يمكن ان يفعل السياسيون بخطاباتهمquot;.

بدوره يرى الممثل الكوميدي اندريه جدع، احد ابرز اركان برنامج quot;8 و 14 ونحناquot; الذي يبثّ على محطّة الquot;ال بي سيquot; (المؤسسة اللبنانيّة للارسال) في حديث لquot;ايلافquot; ان الهدف الاوّل من البرنامج quot;هو الترفيه وليس تغيير قناعات المشاهد حتى لو حاول بعض السياسيين ان يجعلوا من برامج مماثلة منبرا لهم، او ان تكون ناطقة بلسان فئة سياسيّة معيّنةquot;. ويضيف جدع quot;من الافضل الا تسلك الكوميديا وخاصة السياسيّة هذا المسار، اذ انها لن تسبب المشاكل سوى لصاحبها، ونحن نحاول قدر المستطاع ان نعطي المساحة للطرفين quot; مشددا على ان دور هكذا نوع من البرامج quot;يجب ان يروي الخبر السياسي او بالاحرى يقوم بجولة افق حول ابرز مجريات الاسبوع، اما استعمال البرامج الكوميدية للترويج سيكون فاشلا حتما اذ انها لا تؤدي لأيّ نتيجة في اذهان المشاهدينquot;.

واللافت ان معظم البرامج تركّز على تقليد الشخصيات ذات التأثير الفاعل على الساحة السياسية في لبنان واهمّ الاهداف هي شخصيات quot;الصفّ الاوّلquot; ولعلّ ابرزها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، ورئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة سمير جعجع، عن جبهة قوى 14 آذار/مايو. اما عن الجبهة الأخرى فهناك رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحرّ النائب ميشال عون ورئيس كتلة المقاومة النائب محمد رعد وعضو التكتل النائب حسين الحاج حسن. وهنا يوضح اسكندر ان quot;بعض السياسيين يشتكون من عدم تقليدهم في البرامج الكوميديّة، ويتمنون ذكرهم ولو بطريقة ساخرة جدا لأن ذلك يعني انّهم موجودون على الساحةquot;.

والمعلوم ان اختيار الشخصيات الذي يخضع اصلا الى محظورات القانون اللبناني من شخص رئيس الجمهورية الى رجال الدين والقضاة، تتحكّم فيه معايير فرضتها الانعكاسات المباشرة لهكذا نوع من البرامج على الرأي العام اللبناني، انطلاقا من تجربة quot;بس مات وطنquot; حين جـسد البرنامج في احدى حلقات العام 2006 شخصية الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ما اثار استياء انصاره الذين احرقوا الاطارات واقفلوا الطرقات في بيروت. مع العلم ان هذه التجربة ليست الاولى لمعدّ البرنامج شربل خليل الذي خاض تجربته المريرة مع قرار quot;المجلس الوطني للاعلامquot; بايقاف البرنامج لمدة شهر، بسبب اثارة الخوف عند المشاهدين خلال quot;اسكتشquot; شارك فيه مقدم نشرة الاخبار على ال quot;ال بي سيquot; بسام ابو زيد.