ترايسي أبي أنطون من بيروت: تطفئ المؤسسة العسكرية اللبنانية شمعتها الرابعة والستين غدا في الأول من آب/أغسطس، وللمرة الأولى منذ أربعة أعوام على الأقل يحتفل الجيش اللبناني بعيده وهو في حالة من الإرتياح البعيدة عن التأهب والإستنفار الشامل في ظل الأجواء السياسية المستقرة والأوضاع الامنية المستتبة. هذا الجيش لم يعرف راحة منذ عام 2005. فلبنان واجه خلال هذه الاعوام الاربعة تحديات وأخطارا جسيمة هي الأقسى في تاريخه الحديث، فمن جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، إلى التظاهرتين الشهيرتين في 8 و14 آذار/مارس، وانسحاب القوات السورية من لبنان في نيسان/ابريل 2005، إلى حرب تموز/يوليو 2006 بين إسرائيل وquot;حزب اللهquot; ومواجهة الإرهاب في نهر البارد العام 2007، وما تخلل هذه المراحل من انقسام داخلي حاد، وصولاً إلى الأحداث الأمنية الخطرة في 7 أيار/مايو 2008، مرورا بكل الاغتيالات والتفجيرات والاحداث الامنية المتنقلة التي رافقت تلك المرحلة.

وبحسب متابعين للمؤسسة العسكرية، وضعت هذه الحوادث الممتدة منذ 2005 الجيش أمام احتمالات هددت بالقضاء عليه غير انه استطاع تجاوز المحنة خصوصا في ما يتعلق بخطر كثر الحديث عنه وهو quot;التحاق الجيش بفريق سياسيquot;، وهذا اتهام ثبت عدم صحته خلال جميع المراحل بفضل حنكة القيادة رغم الاعتراضات الكبيرة التي سيقت حول عدم قيام الجيش بدوره الطبيعي في قمع الاشتباكات العديدة التي هزت الوضع الامني وعدم الوقوف موقف المتفرج الفاصل بين quot;المتقاتلينquot;.

ويشير متابعو هذا الملف لـquot;إيلافquot; إلى المرونة الفائقة التي تعاملت بها قيادة الجيش مع ملف المقاومة ومفهومها. فبحسب هؤلاء، الجيش لم quot;ينفّذ إلا الامور التي لا تؤثرفي المقاومةquot;، وهو نجح من خلال هذا الامر في نيل quot;رضاquot; quot;حزب اللهquot; رغم أنه سقط مرة، من وجهة نظر الحزب، وذلك في أحداث مار مخايل الشياح في مطلع شباط/فبرابر 2008. غير أن ما تبع تلك الاحداث، من تحقيق لا سابق له في تاريخ الجيش، أصلح الوضع مع quot;المقاومةquot; من خلال تحميل الضباط الميدانيين في تلك الاحداث المسؤولية عما جرى واحالتهم على القضاء العسكري الذي بدوره أرضى quot;حزب اللهquot; من دون ان quot;ينتقص ولو ذرة واحدة من كرامة المؤسسة العسكرية وهيبتهاquot;.

وفي نهاية شهر أيار/مايو 2008، بات واضحا للجميع أن تماسك الجيش ووعيه لدقة الأوضاع وأبعادها، إلى جانب إجماع اللبنانيين على دوره بالاضافة إلى هذه الحوادث المتلاحقة، حولت قائد الجيش في وقتها العماد ميشال سليمان إلى رئيس للدولة والجمهورية. غير أن quot;النوم على حرير الانتصارات لا ينفعquot; يقول هؤلاء المتابعون. فالتحديات لا تزال كبيرة أمام الجيش ليصل إلى quot;المرحلة المنشودة من كمالquot; والاحداث الاخيرة في الجنوب quot;خير دليل على ذلكquot;. فبين حوادث اختراق الخط الازرق وخربة سلم وبئر السلاسل والتهديدات الاسرائيلية المتلاحقة يبقى الجيش quot;مطالبا بالصمود على حبال التوازنات الدقيقةquot; فهو كمن يسير في حقل للالغام بحسب المتابعين.

وبعيدا من الجنوب، نرى أن الجيش لا يزال يواجه تحديات فريدة من نوعها. فما زال الجيش، بحسب الكثيرين، معرضًا لخطر الانقسام والتفتت؛ لأن تقسيم المهمات والوظائف فيه يتم على أساس طائفي. ففي الفترة من عام 1991 بعد الحرب الأهلية وحتى اليوم يتم توزيع المهام القيادية في الجيش بشكل يعكس الوضع السياسي والاجتماعي في البلاد. فكانت نسبة المسيحيين بين ضباط الجيش 47% في حين كانت نسبة المسلمين منهم 53%. وهذا يعني أن quot;الجيش ينبغي أن يكون على وعي ودراية كاملة بدوره في المجتمع اللبنانيquot;.

وعن الخبرات القتالية للجيش اللبناني يقول هؤلاء المتابعون ان وجود نحو ثلاثين ألف جندي سوري على الأراضي اللبنانية من عام 1976 وحتى 2005 أثر كثيرافي قدرة الجيش اللبناني. فهو حرم السلاح الحديث والتدريب الجيد لمدة ثلاثين عاما وهنا تكمن مهمة الحكومة الجديدة في ايلاء قضية التدريب والسلاح أهمية قصوى في المرحلة المقبلة وذلك في اطار استراتيجية أمنية متكاملة تعيد للجيش اللبناني القدرة على المبادرة والتصدي لاي اعتداء داخلي أو خارجي.