ما إن أكدت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية quot;سيرنquot; انها ستعقد ندوة علمية في 4 تموز(يوليو) للاعلان عن نتائج التجربتين الرئيستين اللتين أجراهما صادم هادرون الكبير حتى بدأ علماء الفيزياء وكتاب المدونات العلمية يتكهنون ويخمنون بلا توقف. هل سيُعلن عن اكتشاف بوزون هيغز أو ما يُسمى جسيم الله الذي طال البحث عنه؟ ولا سيما ان اكتشاف الجسيم سيطلق موجة من جوائز نوبل ويدشن حقبة جديدة في علم الفيزياء.


أشرف أبوجلالة وعبدالاله مجيد: من المتوقع أن يعلن العلماء في مختبر سيرن الأوروبي عن نجاحهم في العثور على quot;جسيم الربquot; الذي يعرف أيضاً بجسيم quot; بوزون هيغزquot; في مؤتمر صحافي بعد غد.
وتم توجيه الدعوة لخمسة من أبرز علماء الفيزياء النظرية لحضور هذا المؤتمر يوم الأربعاء المقبل، ما أثار تكهنات بشأن العثور على ذلك الجسيم. ومن المتوقع، بحسب ما أفادت به في هذا الصدد صحيفة الدايلي ميل البريطانية، أن يقول العلماء في مصادم هادرون الكبير إنهم متأكدون بنسبة 99.99 % من أنه قد تم العثور على الجسيم.
وسبق لعلماء فيزياء أن تكهنوا في البداية بأن جسيم بوزون هيغز تحت الذري كان متواجداً قبل 48 عاماً. وأشارت الدايلي ميل إلى أن بيتر هيغز، أستاذ الفيزياء المتقاعد في جامعة ادينبيرغ والذي سمي الجسيم على اسمه، من بين العلماء الذين وجهت إليهم الدعوة من أجل حضور المؤتمر الصحافي الذي سيعقد بعد غد في سويسرا.
ونوهت الصحيفة إلى أن الإدارة في مختبر سيرن تريد أن يصل فريقا العلماء إلى مستوى عالٍ من الدقة بخصوص النتائج، وأن يكونا متأكدين بنسبة 99.99995 من أهمية وجدوى تلك النتائج. كما تم توجيه الدعوة لتوم كيبل، 79 عاماً، وهو أستاذ فيزياء متقاعد لدى امبريال كوليدج في لندن، لكنه لن يتمكن من الحضور.
وبهذا الخصوص، قال في تصريحات خصّ بها صحيفة التايمز اللندنية: quot;ظني أن النتيجة التي توصلوا إليها هي ايجابية للغاية بالنسبة لهم لدرجة جعلتهم يطلبوننا هناكquot;.
ومعلوم أن هذا الجسيم يشكل أهمية كبرى بالنسبة لفهم مزيد من المعلومات والتفاصيل المتعلقة بالكون. حيث أوضح العلماء أن مهمته هي منح الجزيئات التي تشكل الذرات كتلتها. ومن دون تلك الكتلة، سوف تنزلق تلك الجزيئات بسرعة الضوء، ما يجعلها غير قادرة على الارتباط ببعضها البعض لتشكيل الذرات التي تكون كل شيء في الكون، بدءًا من الكواكب وانتهاءً بالأشخاص.
ويعتقد الآن أن فريقي العلماء المستقلين، اللذين يجريان تجارب منفصلة بعيداً عن بعضهما البعض في هذا الشأن، قد توصلا إلى أدلة جديدة تثبت حقيقة توصلهما إلى ذلك الجسيم الهام.
وكان علماء quot;سيرنquot; رصدوا لبرهة في تجاربهم التي أجروها خلال كانون الأول(ديسمبر) ما بدا انه قد يكون جسيم هيغز ولكن النتائج لم تكن قاطعة بما فيه الكفاية لاعتبار ما رصدوه اكتشافا. غير ان الآمال عريضة الآن بالاعلان عن اكتشاف جسيم هيغز.
وقال سيرجيو برتولوتشي مدير الأبحاث في quot;سيرنquot; ان لدى علماء المنظمة الآن ضعف البيانات التي كانت لديهم العام الماضي وان هذا ينبغي ان يكون كافيا للتوثق من استمرار الاتجاهات التي رصدوها في عام 2011 أو اختفائها. وأضاف quot;انه زمن مثير للغايةquot;.
وحتى إذا اعلن العلماء الاسبوع المقبل اكتشاف دلائل على وجود جسيم من نوع جديد فان وقتا سيمر قبل ان يقتنع الوسط العلمي بأن ما اكتُشف هو حقا بوزون هيغز ، او انه قد يكون شيئا آخر ربما حتى أشد إثارة يفتح الباب لنظريات جديدة في الفيزياء.
ونقلت صحيفة الغارديان عن رولف هوير مدير عام المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية قوله ان الأمر quot;شبيه بالتعرف إلى وجه مألوف من مسافة بعيدة وعليك أحيانا ان تفحصه على مقربة لتكتشف انه حقا صديقك الحميم أو انه في الواقع توأمهquot;.
ويقول العلماء ان بوزون هيغز جسيم دون ذري توقع العالم بيتر هيغز من جامعة ادنبرة الاسكتلندية وجوده منذ 50 عاما فسُمي باسمه. وسيثبت اكتشافه ان هناك مجال طاقة غير مرئي يملأ فراغ الكون المعروف بأكمله. ومن دون هذه المجال أو شيء مماثل لن يكون لنا وجود في هذا العالم.
وتذهب النظرية الى ان مجال هيغز ظهر بعد 1 من ترليون جزء من الثانية على حدوث الانفجار الكبير ونشوء الكون كما نعرفه اليوم. وقبل هذه اللحظة كانت جميع الجسيمات في الكون جسيمات بلا كتلة تنطلق عشوائيا بسرعة الضوء.
وعندما بدأ مجال هيغز عمله أخذت بعض الجسيمات تكتسب quot;شداquot; عليها أثناء حركتها وكأنها عالقة في صمغ كوني. وعندما التصق مجال الطاقة هذا بالجسيمات منحها كتلة فأصبحت تتحرك في الفضاء بسرعة أقل. وكانت هذه برهة حاسمة في نشوء الكون لأنها اتاحت للجسيمات ان تتلاحم وتبني كل ما موجود اليوم من ذرات وجزيئات.
ولكن مجال هيغز مجال طاقة انتقائي. فان جسيمات الضوء أو الفوتونات تتحرك عبره وكأنه غير موجود. ولأن مجال هيغز لا يلتصق بفوتونات الضوء هذه فانها تبقى بلا وزن ومحكوما عليها بالانطلاق بسرعة الضوء الى الأبد. وتَعلَق جسيمات أخرى مثل الالكترونات والكواركات ، التي تشكل أصغر الوحدات المكوِّنة للذرة ، بالمجال وتكتسب كتلة في مجرى العملية.
ولمجال الطاقة هذا دلالات بالغة الأثر. فمن دونه ستبقى لبنات بناء المادة التي يتكون منها كل شيء في حالة حركة أبدية بسرعة الضوء ولن تلتحم لتكوين نجوم أو كواكب أو حياة بالشكل الذي نعرفه.
وللعثور على دليل يؤكد وجود بوزون هيغز يتعين على العلماء ان يجمعوا معلومات من مئات ترليونات الصدامات بين البروتونات داخل صادم هادرون الكبير في مختبر المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. وإذا كانت جسيمات هيغز تتكون نتيجة هذه الصدامات فانها ستتحلل فورا الى جسيمات دون ذرية معروفة مثل الفوتونات والكواركات التي تشكل لبنات بناء البروتونات والنيوترونات. ويبحث العلماء عن آثار تركتها هذه الجسيمات في حطام الصدامات تكون بمثابة quot;بصمات أصابعquot; خلفها بوزون هيغز وراءه في لحظة وجوده الخاطفة.
وعندما يتوصل العلماء الى ان الأثر أو quot;الرجةquot; التي تظهر في النتائج ذات مغزى كاف فانهم يستخدمون مقياسا معينا من خمس درجات تُحسب بوحدة سيغما. وتعني سيغما واحدة ان النتائج ليست بعيدة عن كونها تقلبات احصائية عشوائية في البيانات. وتعتبر النتيجة التي تسجل 3 سيغما بمثابة quot;رصدquot; أو ملاحظة ولكن حصول النتيجة على علامة كاملة هي 5 سيغما وحده الذي يعني ان العلماء يستطيعون ان يعتبروا النتيجة اكتشافا رسميا. ويعني هذا ان احتمالات الخطأ أو الصدفة تبلغ اقل من 1 في المليون.
وفي كانون الأول(ديسمبر) العام الماضي حققت التجربة التي أجراها فريق اطلس في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية quot;سيرنquot; نتيجة نالت 2.9 سيغما يمكن ان تعني وجود جسيم هيغز يزن 126 غيغا الكترون فولت ، أو ما يزيد 126 مرة على وزن البروتون ونحو 500 ألف مرة على وزن الالكترون. وحقق الفريق الآخر الذي أُطلق عليه اسم quot;سي أم أسquot; نتيجة نالت عليها 3.1 سيغما تشير الى وجود جسيم هيغز كتلته 124 غيغا الكترون فولت.
وقبل أسبوع على إعلان النتائج رسميا أجمل الفيزيائي بيتر وويت في مدونته ما يتداوله الفيزيائيون من تكهنات وما يسري في الأوساط العلمية من شائعات عما ستعلنه quot;سيرنquot; ، بما في ذلك تقدير حجم البيانات والمعلومات التي درسها علماء quot;سيرنquot; منذ اوقف صادم هادرون الكبير تجاربه في 18 حزيران(يونيو). وقال وويت ان جهات منافسة لصادم هادرون الكبير في الولايات المتحدة قد تقوم بعملية تخريب صغرى تفسد فعالية quot;سيرنquot;. وكتب وويت في مدونتهquot;ان مختبر فيرملابquot; سيحاول في الساعة التاسعة من صباح الاثنين ان يسرق شيئا من بريق صادم هادرون الكبير باعلانه أدلة جديدة على وجود جسيم هيغز من نتائج تجربة اسمها quot;تيفاترونquot;quot;.
يُسمى بوزون هيغز احيانا quot;جسيم اللهquot; وهي تسمية نحتها الفيزيائي ليون ليدرمان الفائز بجائزة نوبل. ولكن بيتر هيغز نفسه لم يكن من المعجبين بهذه التسمية. وقال هيغز quot;إني أجد هذه التسمية محرِجة لأنه وإن كنتُ أنا نفسي لستُ مؤمنا لكني اعتقد انها سوء استخدام للغة قد يجرح مشاعر البعضquot;. وبحسب هيغز فان ليدرمان حتى لم يكن هو الذي اختار ان يسمي الجسيم جسيم الله بل ان ليدرمان quot;أراد ان يشير اليه بوصفه ذلك الجسيم quot;لعنة الله عليهquot; ولكن محرر اعماله لم يوافق على هذا التعبيرquot;.
واخيرا ماذا يعني العثور على بوزون هيغز لعلم الفيزياء؟ انه سيؤكد ما يُسمى quot;النموذج المعياريquot; لعلم الفيزياء الذي يرى ان الكون يتألف من 12 لبنة بناء تُسمى جسيمات أساسية وتحكمها أربع قوى أساسية. ويفترض النموذج المعياري وجود جسيم هيغز ولكنه لم يعثر عليه في تجارب علمية. وحتى إذا ثبت وجود الجسيم فان نموذج الفيزياء المعياري لا يفسر كل شيء.
في غضون ذلك يقول المراقبون ان المهتمين بجسيم هيغز يمكن ان يهيئوا أنفسهم للاحتفال باعلان اكتشافة في 4 تموز(يوليو) إلا إذا عملت طاحونة الشائعات ساعات إضافية خلال اليومين المقبلين أو قام أحدهم بتسريب النتيجة قبل موعدها.