من بين الأماكن التي تشدّ سياح تونس و تستهويهم للإطلاع و أخذ الصور التذكارية ، مدينة مطماطة التي تتمركز تحت سطح الأرض.

السياحة في رمضان لا تهدأ، والسيّاح يتجشمون التعب في هذا الطقس الحارّ من أجل اكتشاف جوانب خفية في حياة التونسيّ وبالتالي فهم يغادرون فنادقهم و يتجوّلون في المدن والقرى الأثرية و التاريخية بحثا عن عادات وتقاليد وطرائق عيش هذا الشعب المتجذّر في التاريخ .
ومن بين الأماكن التي تشدّ سياح تونس و تستهويهم للإطلاع و أخذ الصور التذكارية ، مدينة مطماطة التي تبعد عن العاصمة تونس بنحو 450 كلم ، وتعود إداريا إلى محافظة قابس ( 400 كلم جنوب العاصمة تونس) .
و يزور السياح مدينة مطماطة فرادى وجماعات ، وفي حافلات سياحية ورحلات منظمة من داخل تونس وخارجها حيث يطالب السياح الأوروبيون و العرب بزيارتها والإطلاع على ما تختزنه من عادات ومناظر طبيعية و مشاهد تبقى راسخة .
quot; مطماطة quot; اسمها تجاوز الحدود و شهرتها فاقت الأرجاء ، فهي المدينة التي تجعلك تعيش الخيال ، و قد اكتسبت شهرتها العالمية من خلال الشريط السينمائي quot; حرب النجوم quot; الذي صور في بيوتها منذ العام 1970 حتى بدت هذه البيوت الغريبة على الشاشة الكبيرة كالأحلام القادمة من كوكب خيالي .
مطماطة ، مدينة تحت الأرض ، بتضاريسها و تلالها و جبالها و سهولها ، و أهلها ، الذين حافظ القليل منهم ، على عاداتهم وتقاليدهم و سكناهم تحت الأرض ، وبعيدا عن الأنوار ، بينما اشتم البقية روائح الحضارة ومفاتنها فغادروها إلى نمط جديد من الحياة ، إلى quot; مطماطة الجديدة quot; .. من بقي من أهالي quot;مطماطة القديمة quot; تعايش مع فضول آلاف الزوار ، السياح القادمين من كل مكان ، للإطلاع وتسجيل الذكريات .
مدينة تحت الأرض .. quot; لا أثر فيها للحياة quot;
مطماطة ، مدينة تحت الأرض ،يزورها يوميا الآلاف من السياح العرب و الأجانب و يقيمون بفنادقها ويتمتعون بالتجوال في تلك التلال والسهول التي تخيم على تضاريسها ..
مطماطة ، أو quot;المدينة تحت الأرض quot; و أنت تزورها ، تصاب فعلا بالدهشة ، فكل ما يوجد حولك لا يوحي بوجود متساكنين ، بعض الأشجار والنخيل والأعشاب ، وماعدا ذلك لا تلحظ شيئا ، وأنت تتنقل تجد فجأة أمامك حفرة وغير بعيد عنها حفرة أخرى ، وهكذا ، و في كل حفرة حياة ومتساكنون وتراث وتقاليد .
بساطة الناس هنا في مطماطة ، يستقبلونك ببشاشة غير معهودة ، ويحيّونك بأحسن تحية ، تتعرف إليهم عن قرب فتصاب بدهشة كبرى ، فالماء في البئر ، والمأكولات في الجرار ، والمطمورات ، والبيوت أشبه بثلاجة و النسائم باردة عليلة .
السياح الذين يزورون المدينة لأول مرة ، لا يدركون وجود حياة و بشر يعيشون هناك ، فالبيوت تحت الأرض وهي عبارة عن حفر واسعة غائرة ، مدينة كاملة تعيش تحت سطح الأرض ، وكل حفرة ، أو كل بيت ، يتكون من باحة رئيسة واسعة في شكل دائرة ، ومن كل جهة فيها ترى حفرا أخرى أو غرفا داخل ذلك البيت .. السياح يقفون عند حافظ البيت ، بل يستأذنون و يدخلون و يتعرفون إلى ما بداخل الغرف ، ويصورون و يسألون عن طعم الحياة quot; تحت الأرض quot; ، وأسباب إقامة هذه الحفر عوضا من البناء و السكن على الأرض .
الحاج منصور وهو أحد سكان quot; مطماطة القديمة quot; الذين حافظوا على مساكنهم العتيقة و طريقة عيشهم quot; الغريبة quot; يؤكد أنه ومنذ ولادته وجد نفسه يعيش في هذا البيت quot; تحت الأرضquot; و هذه الغرف ، وعندما كبر عرف أنّ أجداده حفروا هذه quot; البيوت quot; تحت الأرض للهروب من بطش بني هلال لما زحفوا على هذه المنطقة وحتى يتخفوا كما أنّ المناخ في هذه المنطقة حارّ و بالتالي كان البحث عن طريقة للهروب من القيظ الذي يخيم على المنطقة فتمت اقامة حفر تحت الأرض وتم حفر غرف يكون فيها الطقس رطبا في فصل الصيف و دافئا في فصل الشتاء و هو ما يجعل الإنسان قادرا على العيش quot; تحت الأرض quot; كأنما هو في فنادق مريحة و مكيفة .
الغرف أو الكهوف يتم دهنها بالجير الأبيض ، وتتوسطها ساحة فسيحة وفناء واسع وغرف للنوم ولتخزين الحبوب والمأكولات ، غرف نحتت داخل الصخور ، ووصلت بينها ممرات ضيقة باردة .
النزول إلى داخل الفناء الواسع الذي يتوسط الغرف ، ليس بالأمر الهيّن ، ويكون عن طريق سلالم تسحب عند الشعور بالخطر أو عبر أنفاق تغلق وقت الحاجة. مطماطة ، أو quot; المدينة تحت الأرض quot; يقول الحاج منصور في إفادة لـquot;إيلافquot; :quot; نحن في الأصل برابرة ، ويتكاثر البربر في هذه المناطق من الجنوب التونسي ، وأغلب القرى المحيطة بمدينة مطماطة هي قرى بربرية على غرار هداج و بني زلطنو تشين و الزراوة وغيرها .. ، لنا تاريخنا وعاداتنا وتقاليدنا ولغتنا التي نحافظ عليها و نتقنها ونتواصل بها و كما لنا أكلاتنا في شهر رمضان والتي لا تخلو من بيت في مطماطة و أبرزها الأكلة الشعبية الأولى في تونس quot; الكسكسي quot; وهي أكلة بربرية الأصل .quot; .
ويوضح أستاذ التاريخ رضا الزمرلي لـquot;إيلافquot; إنّ لمطماطة ، تاريخا حافلا ، حيث استطون الإنسان هذه الربوع منذ فترات تاريخية قديمة ، واستقر الأمازيغ في سلسلة جبال مطماطة وهم السكان الأصليون لهذه المنطقة و أطلق عليهم العرب الفاتحون quot; quot; البربر البرانس quot;لأنهم اشتهروا بلبس البرنس و اختصوا في الزراعة وتربية الماشية.
هوليوود تونس
شهرة مدينة مطماطة وجمال عمارتها و محافظة أهلها من البرابرة على عاداتهم و تقاليدهم و لغتهم الأمازيغية على الرغم من تلاقحهم مع العرب و اختلاطهم بهم جعل من هذه المدينة العجيبة مقصد السينما العالمية فمنذ 1970 بدأت رحلة هذه المنطقة مع الأفلام العالمية و اختارها المخرجون العالميون لتصوير أحداث أفلامهم ، و البداية كانت مع quot; حرب النجوم quot; للمخرج الأميركي جورج لوكاس و فيلم quot; مريم العذراء quot; للمخرج الإيطالي غيدو كيازا و فيلم quot; العطش الأسود quot; للمخرج الفرنسي جان جاك أنو .. و هذا ما أعطى هذه المدينة بعدا سياحيا و زاد في شهرتها التي بلغت كامل المعمورة ، و اليوم يزورها السياح فرادى و جماعات ، من الداخل و الخارج ، للتمتع بجمالها والإطلاع على عمارتها وتراثها.