ازدادت في الآونة الاخيرة في دولة الإمارات نسبة المصابين بمرض التوحد، حيث ارتفعت النسبة المعلنة بين الأطفال حديثي الولادة لتكون حالة بين كل 88 مولودًا، بنسبة 1.1٪ من مجموع المواليد، بعد أن كانت حالة بين كل 110 مواليد، بنسبة 0.9٪.

قالت فاطمة سرحان إحدى المتخصصاتفي علاج مرض التوحد لـquot;إيلافquot;، إنه لكي يتم الحد من انتشار هذا المرض في الإمارات لا بد من توفر خدمات الكشف المبكر عنه، موضحة أن أغلبية الأسر التي يعاني أبناؤها من هذا المرض لاتدرك إصابة أبنائها به إلا في مرحلة متأخرة منه، وفي العادة تكون مرحلة يصعب معها تجاوب الطفل مع العلاج.
وأضافت أن بعض الأسر تساهم في صعوبة حالات أبنائها من خلال إخفاء إصابتهم بالمرض وإبقائهم في المنزل وعدم إرسالهم لمراكز التوحد لتلقي العلاج، وذلك يرجع لسببين إما لعدم قدرة تلك الأسر على تحمل تكاليف العلاج الكبيرة في ضوء عدم وجود مراكز كافية لعلاج التوحد داخل الدولة، فضلاً عن عدم وجود متخصصين لتدريب المرضى على التواصل والتخاطب بالقدر الكافي، وبالتالي تلجأ تلك المراكز إلى استقطاب متخصصين أجانب من الخارج برواتب عالية ومكلفة. ويعود السبب الآخر إلى خجل الأسر الاجتماعي من وجود طفل معاقٍ فكريًا بين صفوفها، وبالتالي تلجأ الى إخفائه عن المجتمع.
وأفادت سرحان أن كل مريض بالتوحد يحتاج علاجه إلى وجود مدرب خاص به، وهو ما يزيد من صعوبة العلاج بسبب الحاجة إلى إنفاق مراكز العلاج المزيد من الأموال لتوفير هؤلاء المدربين المتخصصين، حيث أن مصروفات علاج الطفل تبدأ في المراكز الخاصة من 75 ألف درهم سنويًا، يتحمل ذوو المريض نصفها ويتحمل المركز النصف الثاني من خلال التبرعات أو المؤسسات الخيرية، أما المراكز الحكومية فمصروفاتها تصل إلى 250 ألف درهم سنويًا، وهو الأمر الذي يصعب من مهمة علاج هؤلاء المرضى.
وبينت سرحان أنه لا توجد احصائيات دقيقة داخل الدولة حول مرضى التوحد، ولكنها لفتت إلى أن نسبتهم في ازدياد مستمر. وإلى أن الطفل الأكبر في الأسرة هو الذي يصاب في العادة بالمرض نتيجة عدم وجود أطفال آخرين في نفس الأسرة للاندماج معهم، على عكس الطفل الثاني والثالث على سبيل المثال. وكذلك نتيجة عدم قيام هذا الطفل الأول بالتواصل مع أطفال آخرين بشكل دائم في مرحلة الخمس سنوات الأولى من عمره، فضلاً عن نقص الاهتمام الأسري به، الأمر الذي يجعله منعزلاً عن المجتمع ويعيش وحيداً مع نفسه فقط أو مع جهاز التلفزيون أو الحاسب الآلي في عالم آخر.
وقالت سرحان إن العلماء لم يصلوا بعد إلى سبب واضح لهذا المرض، فما زال هذا المرض غير معروف الأسباب، ولا يوجد له علاج بنسبة 100% حتى الآن. حيث أن هذا المرض من صفاته الاختباء مع الطفل ثم الظهور مع تقدمه في العمر. وبما أنه ليست لدى معظم الأسر خبرة بهذا المرض فلا يتم اكتشافه مبكرًا في معظم الأحيان.
وأوضحت أن هناك صعوبة في دمج مرضى التوحد مع طلاب المدارس الحكومية والخاصة، فهم دائمًا في حاجة لمدرس تخاطب إضافة إلى توفير خدمات الدمج الحسي والتكامل السمعي، كما أن المناهج لم تعد خصيصًا لهم، كما لا يمكنهم تعلم أكثر من لغة واحدة، ويصعب عليهم كذلك التواجد داخل الفصل الدراسي أكثر من نصف يوم دراسي بالنسبة لمن هم في مراحل دراسية ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية.
ولفتت سرحان إلى أن معظم مرضى التوحد يشعرون بالراحة عندما يجلسون بعيدًا عن الضوضاء وبعيداً عن الأطفال الآخرين، فهم لا يفضلون الانخراط مع الأطفال العاديين في اللعب ويشعرون بانزعاج شديد من وراء ذلك، حيث يضعون أيديهم في آذانهم ويصدرون صفيرًا وصياحًا شديدًا من جراء ذلك، وبالتالي عندما يتم وضعهم منفردين في مكان مغلق وهادئ جدًا تهدأ حالتهم تدريجيًا ويشعرون بالراحة.
مراكز التوحد وتكلفة العلاج
من جهتهم، قال بعض أسر أطفال مصابين بالتوحد أن أبناءهم كانوا طبيعيين جدًا في السنوات الأولى من أعمارهم، وكانوا يتحدثون جيدًا ومتجاوبين بشكل عادي معهم، ولكنهم فوجئوا بعد ذلك بتحول مفاجئ في حياة أبنائهم أسفر عن انعزالهم بشكل شديد وعدم قدرتهم على التخاطب والتعلم والحركة بشكل جيد، أو كما كانوا من قبل، وذلك من دون أية أسباب واضحة، لافتين إلى أنهم لم يتركوا أبناءهم منعزلين عن المجتمع، كما يقول الأطباء وكان نموهم بشكل طبيعي أيضًا.
ذكر جمال عمر أن ابنه الأكبر يبلغ من العمر 6 سنوات ويعاني من أعراض التوحد بشدة، رغم أن هذا الطفل قضى الأربع سنوات الأولى من عمره بشكل طبيعي ومن دون أن تلاحظ عليه أية أعراض لذلك المرض، وكان يتعامل مع من حوله دون أي مشكلات تذكر حسب قوله، موضحاً أن هذا الوضع تغيّر تماما بعد ذلك حيث بدأت حالة ابنه تسوء يومًا تلو الآخر حتى فقد القدرة على الكلام، وأصبح غير مدرك لما حوله ولا يستطيع التأقلم مع غيره من الأطفال أو التعامل معهم، بل أصبح يفضل العزلة، وعندما يشعر بالضوضاء من حوله يضع أصابعه في أذنيه ويبكي بشكل هستيري ولا يهدأ إلا اذا تم وضعه في مكان هادئ جدًا ومغلق بعيدًا عن أي أطفال أو حركة.
ولفت عمر إلى أنه سعى لعلاج ابنه في أحد مراكز علاج التوحد في الدولة ولكن بلا جدوى حيث لم يجد هناك مكانًا متاحاً له، كما وجد أنه غير قادر على تحمل مصاريف العلاج المرتفعة في تلك المراكز بشكل مستمر. ويطالب عمر بزيادة مراكز علاج التوحد داخل الدولة وكذلك ضرورة تخفيض نفقات العلاج داخل تلك المراكز بشكل يتناسب مع دخل أسر المرضى، لأن علاج تلك الحالات يحتاج الى سنوات طويلة، ما يعد أمرًا مكلفًا ومرهقًا للغاية لميزانية أسر المرضى.
وأشارت مها الشريف إلى أن لديها طفلة تبلغ من العمر خمس سنوات وتعاني من اضطرابات شديدة بسبب مرض التوحد منذ عامين، مضيفة أنها بسبب طول قوائم الانتظار في مراكز التوحد القليلة في الدولة، والتي لا تزيد عن 6 مراكز لم تتمكن من علاج ابنتها حتى الآن. وأوضحت أنه ليس لديها المال الكافي لعلاج ابنتها خارج الدولة من هذا المرض الذي لا تعرف أسبابه وعلاجه أو حتى مدة العلاج التي يجب أن يأخذها. وتطالب الشريف بضرورة زيادة أعداد مراكز التوحد في الدولة وزيادة قدرتها الاستيعابية للمرضى، فضلاً عن ضرورة وجود دعم حكومي لأسعارها حتى تكون في متناول جميع المرضى.
ولفتت فرح الأحمد إلى أنها تعاني من إصابة ابنها quot;الأكبرquot; بأعراض التوحد، كما يعاني كثير من الأسر من هذا المرض، مبينة أن الكثير من هذه الأسر لا تجد المالي الكافي لعلاج أبنائها من التوحد، لأن تكاليف العلاج مرتفعة جداً وقد تمتد لسنوات طويلة. وأشارت إلى أنه يلزم توفر دعم حكومي كبير لمراكز التوحد ويجب ألا يقتصر الأمر على هذا الدعم فقط، بل يلزم أيضًا إنشاء مراكز إضافية ذات طاقة استيعابية كبيرة، وذلك من أجل احتواء جميع المرضى داخل الدولة الذين تتزايد أعدادهم بشكل متسارع كل عام، وبمعدلات قاربت المعدلات العالمية.
وأكدت الأحمد أن المشكلة الأخرى أنه لا توجد أجهزة طبية حديثة داخل الدولة يمكن من خلالها الكشف عن هذا المرض في مراحله المبكرة، ما يؤخر حالة المصاب، وبالتالي تأخر قدرته على تلقي العلاج المناسب في الوقت المناسب.
أعراض التوحد
التوحد عند الطفل هو اضطراب يصيب طريقة الطفل في التصرف والتفكير والاتصال والتفاعل مع الآخرين. ويتأثر الأطفال الذين يعانون quot;التوحدquot; بطرق مختلفة بعضهم عن بعض، فالبعض لديه أعراض خفيفة فقط ويستطيع العيش بشكل مستقل، في حين يكون المرض أشد عند آخرين. ويحتاج الطفل في حالة التوحد الشديد للدعم المستمر طيلة الحياة من أجل العيش والعمل.
لا يُعرف حتى الآن سبب واضح للمرض، وتركز الأبحاث حول احتمال مسؤولية الخلل الكيماوي في الجسم على مستوى الدماغ أو المورثات أو الجهاز المناعي فكلها قد تتدخل في آلية حدوث المرض. ومن الأسباب المتهمة والتي لم يثبت دورها بشكل علمي حتى الآن في ظهور التوحد هي الحساسية الغذائية, زيادة تركيز الفطور في جهاز الهضم, التعرض للسموم البيئية وبعض اللقاحات خاصة لقاح الحصبة و النكاف والحصبة الألمانية.
تكون أبرز أعراض التوحد وجود خلل في تواصل الطفل مع من حوله وتتضمن تأخر تطور الكلام، وميل الطفل لتكرار نفس الكلمات، وتكلمه بوتيرة متكررة تفتقد لتغيير الإيقاع و النغمات، ضعف تفاعل الطفل الاجتماعي، ميل الطفل لتكرار نفس التصرفات ونفس الدائرة الضيقة من الاهتمامات، عمل تصرفات وحركات شاذة مثل إجراء حركات هز متكررة في اليدين أو تشبه حركات غزل النسيج.
يكون لدى حوالي ثلث الأطفال المصابين بالتوحد تطور أقرب إلى التطور الطبيعي خلال السنة الأولى أو السنتين الأولى والثانية من العمر ثم يبدأ لديهم التدهور الاجتماعي و الكلامي الخاص بالتوحد فيميلون عندها لإظهار حب اللعب على انفراد، وعدم الاكتراث بالأطفال ممن يلعبون حوله، وحب ترتيب الأشياء وفرزها حسب الألوان، وصعوبة التواصل البصري بالعينين مع الآخرين.
ولهذا إذا أبدى الطفل أياً من الأعراض السابقة بشكل ثابت فمن المرجح أن تكون لديه حالة التوحد. وعادة يظهر على الطفل أكثر من عرض من هذه الأعراض, علمًا أنه رغم اختلاف شدة المرض بين الأطفال فإن الشيء الثابت بينهم جميعهم كمصابين هو نقص القدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين.
ومن التصرفات الأخرى عند مرضى التوحد: تحدد كلام الطفل بعدة كلمات أو عبارات مكررة، التوقف الفجائي عن التكلم بشكل كامل لفترات، عدم قدرته على تلبية حاجات التواصل مع المحيط، تجنب الاحتكاك الجسدي مع من حوله، الميل للبقاء وحيدًا، نادرًا ما يلعب الطفل التوحدي الألعاب المثيرة و التخيلية، نوبات من الغضب الطويل نتيجة أسباب بسيطة، الضحك أو البكاء دون سبب أو مبرر، لا تبدو عليه بوادر التأثر بالعاطفة أو إظهارها، يجد صعوبة في تغيير عاداته اليومية، عدم الخوف من المخاطر، قد يكون كثير الحركة أو بالعكس قليل النشاط، عدم الاكتراث للمناشدة الصوتية عند طلبه باسمه أو توجيه سؤال ما.