اقترب العلماء كثيراً من تحقيق خطوة تكاد تكون خيالية، بتوصلهم إلى علاجات طبية تهدف إلى إعادة تشكيل الذكريات لدى الإنسان بما يضمن الاحتفاظ بالجيد منها والتخلص من تلك التي تحمل آلاماً بين طياتها وقد تكون سبباً في الإضرار به بقية العمر.


كم من إنسان عاش محاصراً بذكريات مؤلمة نظراً لاستقرار بعض الأحداث في مخيلته مثل تعرضه لحادث سير، انتهاك ما في مرحلة الطفولة أو وفاة شخص مقرب منه. وإذ يأمل الباحثون في تلك الجهود الطبية التي يتم بذلها خلال الآونة الأخيرة أن ينجحوا في تشكيل وصياغة الذكريات الخاصة بالإنسان لكي يتجاوز ذكرياته المأساوية. ويعرف العلماء منذ عشرات السنين أن الذكريات غير جدية بالثقة، وأنها تكون قابلة للتعديل حين يتم استرجاعها بنشاط لأنها تُسحَب في تلك المرحلة من حالة جزيئية مستقرة.

وكانت بعض الدراسات قد أجريت مؤخراً وعرف الباحثون من خلال نتائجها أنه من الممكن التوصل لعلاجات يمكن الارتكاز عليها لمواجهة مشكلات الصحة العقلية. وأوضح الباحثون كذلك أن اضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات الإدمان تتوقف على الذكريات التي تثير سلوكيات إشكالية، مثل الخوف المفزع الذي ينتج عن الضوضاء الصاخبة أو الرغبة الشديدة التي تتولد عند رؤية الأدوات الخاصة بالمخدرات.
وسبق لعدة دراسات أن توصلت إلى مركبات كيميائية يمكن استخدامها في كبت أو حتى حذف الذكريات لدى الفئران ( وربما يتم استخدامها يوماً ما في المستقبل مع الإنسان ).

وكان تقرير أعده أحد الباحثين العاملين في جامعة ايموري البحثية التي تقع بولاية جورجيا الأميركية قد أظهر في حزيران(يونيو) الماضي أن عقار SR-8993، الذي يعمل على المستقبلات الأفيونية بالدماغ، يمكنه أن يحول دون تكوّن ذكريات الخوف. وبينما يسعى الباحثون لتطوير علاجات أكثر استهدافاً، فإنهم سيحتاجون في الأخير لفهم الطريقة التي تقوم من خلالها خلايا الدماغ العصبية بترميز كل ذكرى من الذكريات.
ورغم أن فكرة تلاعب العلماء بالذكريات تبدو فكرة غريبة نوعاً ما، لكنها تبشر بتطوير علاجات قد تساهم في علاج ملايين الأشخاص الذين تعذبهم ذكريات حقيقية، وهو إجراء يستحق بالفعل بذل الجهد والمال من أجل تحقيقه في نهاية المطاف.