مع توسّع قطاع الصحة في العراق وإنشاء مراكز صحية ومستشفيات جديدة، يبرز النقص الشديد للكوادر الطبية لاسيما في قطاع التمريض ، حيث تَحُول العادات والتقاليد الاجتماعية دون انخراط فتيات العراق وحتى الشباب من الذكور في هذا القطاع، ناهيك عن النظرة الدونية تجاه الممرضة والمضايقات التي تتعرض لها خلال عملها.
بغداد: اضطرت حليمة مظفر السعدي الى ترك مهنة التمريض بعد حوالى سنتين من العمل فيها ، بسبب المضايقات. وتقول السعدي : في داخل العمل وخارجه ، ألقى دائما معاملة دونية من قبل الناس ، كما لا يواجه عملي داخل المستشفى ردود أفعال طيبة تجاه أهالي الضحايا والمرضى ، فهم ينظرون إلي وكأني خادمة غير مطيعة ، وان عليّ ان أنفذ أوامرهم رغم اني موظفة في مؤسسة حكومية . وبلغت اقصى حالات التنكيل بها حين أطلق شقيق مريض كلمات نابية تجاهها ، بسبب عدم تنفيذها طلبات له تتعارض والنظم المعمول بها في المستشفى. وسعت أمينة حسين ، العاطلة عن العمل ، رغم تخرجها في دار المعلمين منذ حوالى أربع سنوات ، الى دراسة التمريض لأن فرص التوظيف فيها كثيرة . لكن رفْض أسرتها للفكرة حال دون ذلك . تضيف الرميثي : الكثير من الأسر ترفض عمل البنات في مهنة التمريض بل يربط البعض بين ممارسة المهنة وبين ( السقوط الاخلاقي ) ، ما يضفي أبعادا مأسوية على الظاهرة . يقول الطبيب رحمن المجيد : تزايد أعداد السكان ، وتوسع المراكز الصحية، يترافق مع محاولات الكثير من الأطباء مغادرة العراق ، وبالمقابل فإن هناك عزوفًا كبيرًا عن ممارسة التمريض من قبل النساء . لكن هناك من النساء من تنظر الى المهنة نظرة فخر وإعجاب ، وتؤكد الممرضة صبيحة سعيد أنها رغم المشاكل التي واجهتها الا انها مصرة على الاستمرار في عملها ، معتبرة المهنة شرفا لها. لكنّ الطبيبة كوثر الساعدي التي تتعاطف مع مهنة التمريض وتعتبرها العمود الفقري لمراحل العلاج والعناية بالمريض ، تشير الى ما تقاسيه الممرضات من الاذى وحالات الاعتداء والتحرش الجنسي داخل المستشفيات . وتتابع : هذه ايضا من أسباب النظرة الدونية لمهنة التمريض . وكخطوة أولى نحو توفير كادر تمريضي جيد تدعو الساعدي الى تدريب فتيات عراقيات ضمن دورات قصيرة في التمريض ، وكذلك زيادة رواتب العاملين في هذا القطاع . وبينما يتراوح راتب الممرضة العراقية حديثة التخرج بما يعادل 500 دولار شهريا ، يبلغ راتب الممرضة الهندية حوالى 800 دولار شهريا كمعدل . وفي هذا الشأن تقول استبرق حامد ، الممرّضة في مستشفى بابل (100 كم جنوبي بابل) ، إن نجاح الممرضات الاجنبيات لا يتعدى القضايا الخدمية ، اما العلاقة المباشرة مع المريض فلن ينجح الا عبر العلاقة المبنية على التفاهم والثقة مع المريض.
التنكيل
النظرة الدونية
تقول الباحثة الاجتماعية كريمة الرميثي إن النظرة الدونية للعاملين في القطاعات الخدمية لا يشمل التمريض فحسب ، بل مهنا أخرى مثل التنظيف والوظائف التي تتطلب من المرأة مبيتا خارج البيت .
وتنظر الكثير من الأسر في العراق الى التمريض باعتبارها مهنة غير مألوفة ، وتسبّب للمرأة مواقف إجتماعية محرِجة تتعارض مع الاعراف السائدة .
عزوف عن التمريض
ولكي تسد الدولة النقص في هذا القطاع استقدمت وزارة الصحة العراقية ممرضات من الهند لتعويض النقص ، فقد تعاقدت الوزارة مع 1000 ممرضة هندية للعمل في مستشفيات بغداد والمحافظات.
نظرة فخر وإعجاب
وترى صبيحة التي تحمل بكالوريوس في علوم التمريض ان المرأة العراقية تملك إمكانات تؤهلها لتبوؤ أصعب المهن وأهم المناصب .
لكن صبيحة تنظر بواقعية الى المصاعب التي تواجهها الممرضة في العراق من بينها ، المناوبة الليلية التي يعتبرها البعض من أهم العوائق التي تحول دون قبول الأسر هذه المهنة .
وتتابع : الكثير من النساء يشترطن للعمل في هذه المهنة عدم شمولهن بنظام المناوبة .
وتضيف : هذا الامر ، غير ممكن بطبيعة الحال .
الاعتداء والتحرش
وتشير الساعدي الى تجربة استقدام الممرضات الهنديات ، حيث أنتج ذلك علاقات من عدم الثقة مع المرضى ، فبينما يثق المريض العراقي وأسر المرضى بالممرضة العراقية اكثر من الهندية ، نراه في الوقت ذاته لا يكنّ الاحترام للممرضة العراقية .
التعليقات