في ظل العجز الكبير الذي تعانيه المستشفيات الألمانية في عدد الأطباء، أصبحت فرصة عمل أطباء عرب شبان في المستشفيات الألمانية ليست بعيدة المنال، فألمانيا تعاني عجزًا في عدد الأطباء يصل إلى 5500 طبيب. كما إن اغلب المستشفيات التي تعلن عن شغل وظائف أطباء فيها في الوقت الحالي، لا يتم شغل تلك الوظائف على الفور بالنظر إلى هذا العجز ،حتى أن بعض المستشفيات يظل طلب شغل الوظيفة موجودا على صفحتها على الإنترنت لمدة تفوق 5 اشهر، وفي النهاية تلجأ تلك المستشفيات لطلب أطباء من الخارج .


ميونيخ: تلجأ الكثير من المستشفيات الألمانية في الوقت الحالي إلى تعويض النقص الحاد في عدد الأطباء فيها، بتوظيف أطباء من خارج ألمانيا من دول مثل رومانيا، بلغاريا،اليونان،روسيا وأخيرا مصر وسوريا، ورغم أن هذا الانفتاح على أطباء الخارج يصب في مصلحة الطرفين، إلا أن عدم إتقان بعض الأطباء الأجانب اللغة الألمانية وعدم التأهيل الدراسي الطبي وفقا للمقاييس الألمانية الدقيقة يقف عقبة في طريق عملهم في ألمانيا.

في مستشفى quot;جروز هادرنquot; الكبير الواقع في قلب مدينة ميونيخ عاصمة ولاية بافاريا، نلاحظ أن كثيرًا من الأطباء الأجانب يعملون في المستشفى،ليس هذا فقط، بل وأن أعدادا كذلك من المتدربين العرب في السنوات النهائية في كليات الطب يقضون فترة تدريب هنا. أصبحت كذلك ظاهرة حضور طلاب الطب المصريين للتدريب في مستشفيات بافاريا ظاهرة شائعة، وهم يأملون بعد إنهاء الدراسة الجامعية والفترة التدريبية من الحصول على فرصة عمل كأطباء في المستشفيات الألمانية.

متدربون من مصر

في داخل المستشفى الضخم التقيت طالب الطب المتدرب quot;محمد مصطفىquot; من جامعة الإسكندرية في مصر وهو يرى أن ألمانيا في الوقت الحالي هي حلم للأطباء الشبان في مصر،ويقول :quot;نحن نعرف أنها تعاني نقصا حادا في عدد الأطباء، لذلك فإن الكثير من الأطباء المصريين المتخرجين حديثا يحاولون الحصول على فرصة عمل في المستشفيات الألمانية التي توفر رواتب جيدة علاوة على الخدمات الطبية الفائقة الجودة، والأجهزة الحديثة التي تساعد الطبيب كثيرا في عملهquot;.

لكن كيف يحصل المتدربون من الأطباء أو طلاب السنوات النهائية في كليات الطب في الجامعات المصرية على فرصة التدريب في ألمانيا ؟، يقول متدرب آخر هو quot;محمد طارق quot;طالب في طب الإسكندرية أيضا: quot;إن الأمر غاية في السهولة، فيكفي أن تراسل المستشفيات المختلفة لتحصل في النهاية على رد على طلبك، وهو أمر سهل ويسير خاصة إذا اقتنعت المستشفى بكفاءتك والجامعة التي تدرس فيهاquot;.

ويستطرد قائلا: quot;إن هذا الرد الإيجابي الذي حصلنا بمقتضاه على فرصة تدريبية لمدة شهرين نتحمل فيه نفقات السفر والسكن مقابل التدريب المجاني هي فرصة لم نكن نتوقعها على الإطلاق، فغالبا ما يتم إهمال هذا النوع من المراسلات في بلادنا العربية ولا يهتم بك أحد، ولابد أن تطرق الأبواب بنفسك،لهذا كان إعجابنا كبيرًا بالأطباء الألمان الذين اهتموا بالأمر ووافقوا على الفترة التدريبية دون أن يكلفنا ذلك شيئا، إن هذا عكس لدينا الجدية المتناهية لدى الشعب الألماني وكان بمثابة تجربة شخصية رائعة لنا.

هجرة معاكسة

المفارقة الغريبة أن الأطباء الألمان هم أنفسهم يهاجرون إلى دول أخرى تعطيهم رواتب ضخمة مثل سويسرا،السويد،أميركا،حتى أن عدد الأطباء الألمان المهاجرين يصل إلى 19 ألف طبيب،مقابل 25 ألف طبيب يحملون جوازات سفر أجنبية يعملون الآن في ألمانيا.من جهة أخرى، فإن كليات الطب الألمانية لا تمنح لطلاب الطب اكثر من 10آلاف مكان دراسة في العام، ينجح منهم في الوصول إلى الشهادة النهائية 9 آلاف طالب والباقي يعملون في مهن أخرى أو يذهبون للخارج وهذا ينذر بعجز قد يصل إلى 37 ألف طبيب بحلول عام 2019 وفق تقرير صادر من نقابة الأطباء الألمانية.

يقول محمد طارق: quot;إن فكرة التدريب في المستشفيات الألمانية رغم أنها جديدة إلا أن معظم الطلاب المصريين في الجامعات الكبرى يعرفونها، وهم يعرفون أيضا أن ألمانيا تعاني نقصا كبيرا في عدد الأطباء، بل انه يوجد الآن مكاتب تقوم بدور الوساطة في تسفير الأطباء المصريين إلى ألمانيا، وأصبحت تجارة تحقق لأصحابها أرباحا، ونحن بدورنا عندما علمنا بهذه الوسيلة بدأنا نبحث ونسأل ونراسل المستشفيات لمزيد من المعلومات، ثم أكملنا الأوراق المطلوبة وعرفنا فيما بعد إن التدريب ممكن في فترة الإجازة، وانه في نهاية الفترة التدربية سيصبح بحوزتنا شهادة من مستشفى ألماني كبير وهذا بالطبع سيساعدنا فيما بعد في الحصول على فرصة عمل جيدة سواء في ألمانيا أو في أي مكان آخرquot;.

وعن آفاق العمل في ألمانيا بعد إنهاء الدراسة الجامعية يقول محمد طارق: quot;بالفعل فإن فتح مجال التدريب لطلاب مصريين وعرب هو أمر جديد ويعكس الاهتمام الألماني بالطلاب العرب، فقد كان التبادل الطلابي من قبل في ألمانيا محصورا فقط في النطاق الأوروبي، ثم إن ألمانيا قريبة جغرافيا منا وهي من الدول المتقدمة طبيا، لذلك فإن فرصة التدريب أو العمل فيها هي مناسبة لنا بالمقارنة بأميركا وكندا واستراليا، لكن ربما العقبة الوحيدة التي تقابلنا هي اللغة الألمانية التي يجب توافرها في الطبيب الذي يصرّح له بالعمل في المستشفيات الألمانيةquot; ويستطرد قائلا: quot;إن الحصول على شهادة B2 في اللغة الألمانية من معهد جوته في مصر تسمح له بالعملquot;، لذلك فإنه سيواصل دراسة اللغة الألمانية بالتوازي مع ما تبقى له من دراسة الطب حتى يصبح مؤهلا للعمل في ألمانيا إذا جاءته الفرصة في المستقبل.

اختلاف في النظام الطبي

من جهته، يرى محمد مصطفى أن الفروق بين النظام الطبي في مصر ونظيره في ألمانيا مختلفة بشكل كبير، ويقول: quot;إن طبيب الأسرة في ألمانيا له دور كبير في رعاية المرضى، ويهتم بعمل ملف للحالة الصحية لمرضاه منذ أول زيارة، أما في مصر ففي كثير من الحالات يكتفي المريض بزيارة الصيدلية وسؤال الصيدلي عن دواء دون مراجعة الطبيب المختص، ثم إن هناك فرقا آخر، فمثلا انتشار مرض الكبد الوبائي في مصر لا نجد سعيًا حقيقيًا في الأبحاث المصرية لإيقاف انتشاره والقضاء عليه ويكتفي الطبيب فقط بإعطاء الإرشادات الصحية للمريض وأقاربه حتى لا ينتقل اليهم المرض، أما في ألمانيا فلديهم معاهد طبية متخصصة تعمل بكفاءة في البحث العلمي، ثم إن الطبيب هنا في ألمانيا يعمل من السابعة صباحا وحتى السادسة مساء من أجل المرضى فهو غير مشغول بتحسين وضعه المادي كما نفعل في مصر حيث يتوزع وقت الأطباء بين العمل في المستشفيات والعيادات الخاصةquot;.

ويضيف أن فترة التدرب هي مهمة جدا لنا فنحن نعرف الآن الاحتياجات المطلوبة في الطبيب الأجنبي للعمل في ألمانيا وما هي التخصصات المطلوبة والأوراق وأصبح لدينا إلمام بكل شيء وأهم شيء بالطبع هو اللغة الألمانية.

أطباء عرب

دفعت الحرب الدائرة الآن في سوريا بالعديد من الأطباء السوريين إلى الهجرة إلى ألمانيا، وكانت الحرب العراقية قد دفعت أطباء عراقيين إلى السفر إلى ألمانيا من قبل، من جهة أخرى يرى أطباء من اليونان وروسيا وإثيوبيا وكوبا ورومانيا التي لا يتعدى راتب الطبيب فيها 550 يورو في الشهر، أن المستشفيات الألمانية هي جنة الأطباء بالنسبة لهم، لكن أطباء عرب آخرين من الدول الخليجية الغنية لا يرون هذه الميزة.

فالطبيب سالم الجابري من دولة الإمارات الذي تلقى تدريبا في مستشفى quot;ريشت دير ايزارquot; يقول: انه تلقى تدريبا في جراحة العظام وفق اتفاقيات مبرمة بين دولة الإمارات وألمانيا تسمح للأطباء والطلاب الإماراتيين بالتدريب هنا، بل وأيضا استكمال الدراسات العليا وهو يرى أن ألمانيا متفوقة جدا في جراحة العظام وان عدد الطلاب والمتدربين من أطباء الإمارات يصل إلى أربعين طالبا ومعظمهم يفضل العودة للعمل في دولة الإمارات.