كثرة التفجيرات في العراق أدت إلى تفشي رهاب المفخخات، وهو مرض نفسي علاجه مكلف. ولهذا استعان العديد من المصابين به، أو أهلهم، بالمشعوذين لإخراج الهواء من رؤوس المرضى، وبالأولياء الصالحين.


وسيم باسم من بغداد: يعيش العراقيون حالة مرضية يطلق عليها quot;رهاب المفخخاتquot;، إذ يعاني الكثيرون من الرعب الناتجمن الانفجارات التي تلاحق الناس في كل مكان، وهو ما يصيبهم بالاحباط والكآبة وغيرها من الأعراض النفسية.
وفي حالة مرضية مفاجئة، شعر محمود العتابي بنوبات اختناق واضطرابات في القلب. وبسبب تردي حالته النفسية والجسدية، قصد الأطباء لتكون النتيجة حالة نفسية مرضية تولدت لديه حين انفجرت سيارة مفخخة على أمتار منه. وعلى الرغم من أن العتابي لم يصب في جسده إلا أن احتمال تعرضه إلى نوبة قلبية كان كبيرًا لولا العلاج في الوقت المناسب. وحالة العتابي واحدة من بين مئات الحالات المرضية، التي لا تجد اهتمامًا كافيًا في العراق بحسب الباحثة الاجتماعية كوثر خليل، quot;لأن المواطن العراقي لا يعبأ للعلاج النفسي قدر اهتمامه بالأمراض العضوية التي يصاب بهاquot;.
ولا تتوفر إحصائية رسمية دقيقة للأمراض النفسية الناتجة من انفجار القنابل والمفخخات، لكن خليل تعتقد انها تنتشر بكثرة. كما أن تقريرًا لمنظمة AlertNet الخيرية التابعة لمؤسسة تومسون في بريطانيا، صدر في العام 2012، يفيد بأن حوالى 56 بالمئة من العراقيين يعانون اضطرابات نفسية تتمثل بالقلق النفسي والرهاب والإحباط والكآبة والخوف.
ويندر في الوقت الحاضر أن تجد عراقيًا لم يعش تجربة السيارات المفخخة وهي تنفجر قربه او في مدينته، ناهيك عن العبوات الناسفة والانفجارات الصوتية الناجمة عن استخدام وتصنيع القنابل التي اصبحت سلاحًا مستخدمًا في النزاعات الشخصية.

رهاب وهستيريا
يوضح استمرار وكثافة الانفجارات في العراق ما أعلنته بعثة الأمم المتحدة في العراق الخميس الماضي، أن شهر نيسان (أبريل) 2013 كان الأكثر دموية منذ حزيران (يونيو) 2008، حيثإن ما لا يقل عن 2345 عراقيًا سقطوا بين قتيل وجريح، في أعمال عنف طالت مناطق متفرقة من البلاد.
إحدى الحالات المرضية تجسدها الفتاة علياء حميد من الحلة، حين كانت بالقرب من سيارة مفخخة حين انفجارها، لتصاب بشظايا شفيت منها تمامًا، لكنها تحولت إلى فتاة مرعوبة تسكنها نوبات الهستيريا والبكاء. ويقول والدها إن الأطباء يتفقون على انها أصيبت باضطرابات في الوعي، إذ تفقد ذاكرتها وتسترجعها بين الحين والآخر، اضافة إلى ما تعانيه من اضطرابات سلوكية مصحوبة بمظاهر القلق والهلع.
يسمي الطبيب علي الحسيني هذه الحالات المرضية بمرض السيارة المفخخة، باعتباره حالة يعاني منها الكثير من العراقيين. ويصفه الحسيني بانه خوف الانسان من السير في الشوارع المزدحمة بالسيارات، quot;وإذا اضطر للمرور فيها فهو يمر متعجلًا لقضاء حاجته خوفًا من السيارة المفخخةquot;. وعلميًا، يفسر الحسيني ما يحدث بأنه حين تتجاوز الحاسة الحدود تعجز عن تحليل الحدث، quot;فبالنسبة لحاسة السمع فإن سماع الانسان أصواتا فائقة القوة يؤدي إلى ردة فعله هستيرية غير مألوفة، وتنتابه موجة عارمة من الرهاب، يصاحبها ظهور الكوابيس المزعجةquot;.

العلاج بالشعوذة
أحد المصابين بهذه الحالة من غير أن يعلم هو نعمة جابر (59 عامًا)، يؤكد انه لا يسير بجانب السيارات القديمة المركونة في الشوارع مطلقًا، لأن منفذي الهجمات يستخدمونها في التفخيخ لرخص ثمنها.
وليس نعمة وحده من يتملكه هذا الخوف، اذ يرفض الحاج احمد الطائي من المحاويل السفر إلى بغداد مهما كان السبب، لكثرة التفجيرات وحوادث الاغتيال في العاصمة.
لا تتوافر في العراق حتى الآن مراكز علاجية مختصة في علاج المصابين بالهلع من السيارات المفخخة والتفجيرات، ويتحدث الحسيني عن أن الناس تستسهل الامر، quot;فغالبًا ما يعتبر الناس المصاب مختلًا عقليًا أو أن الهواء دخل إلى رأسه، فيُعالَج عند السحرة والمشعوذين أو عند الاولياء الصالحينquot;.
أم حسون مثال على ذلك. فقد أصيب ابنها في انفجار سيارة مفخخة بعدة شظايا استُخرِجت جميعها وشفي منها تمامًا، لكنه تحول إلى شخص آخر اذ ترك المدرسة، وتحولت التجربة الصدمية إلى عصاب نفسي بحسب تشخيص الاطباء. ولأن أم حسان تعاني ضيق ذات اليد، لم تستمر في علاج ابنها الا عند السحرة والمشعوذين، اضافة إلى استعانتها بالأولياء الصالحين في سعيها لشفاء ابنها. والجدير بالذكر أن في العراق مراكز علاج نفسية قليلة، اشهرها مستشفى الرشاد ومستشفى الجملة العصبية.