لا بد للزائر الى مدينة الديوانية (193 كلم جنوبي بغداد)ان يعرج على أهم المواقع السياحية في المدينة وهي آثار نيبور التي تعد واحدة من عشرات المواقع الأثرية والسياحية في المدينة.


بغداد: تقع آثار نيبور التاريخية في منطقة عشائرية، شبه صحراوية، فلا يتوقع الزائر توفر خدمات عصرية في المنطقة بقدر ما يجد الحفاوة والكرم من قبل الناس الذين يعيشون في المكان وأغلبهم من المزارعين من أبناء العشائر.

ومن مركز مدينة الديوانية تأخذ بك السيارة الى قضاء عفك الذي يقع على مسافة حوالي 25 شمال شرق، وعن بغداد العاصمة بحوالي 170 كم جنوبا.

وعلى بعد عشرة كيلومترات من قضاء عفك، تقع أطلال المدينة التاريخية حيث تبرز تلالها العالية ويمكن رؤيتها من مسافة حوالي 20 كم بالعين المجردة.

وأضخم هذه التلال، التلة العالية التي تضم بقايا زقورة تدور حولها الاساطير الكثيرة في الوقت الحاضر، وكانت من قبل المكان المقدس الذي يتصل فيه الانسان بالآلهة.

وبصحبة أحد أبناء المنطقة هو المعلم علي حسين نقترب بحذر من المكان المقفر، حيث تطأ الأقدام آلاف القطع من الاحجار والفخار في المكان.

ويشير علي حسين الا أن هذا المكان لا يزال الى الآن في نظر الناس مكاناً مقدساً تكتنفه الأسرار والألغاز.

يقول حسين : الناس البسطاء، يؤكدون مشاهدات للجن و أشكال غريبة فيه، مرجعا ذلك الى كون المكان منذ آلاف السنين مركزا دينيا عظيما. وأحد هذه القصص نجاح إمراة من العثور على ابنها المفقود بعد سنوات من غيابه.

وفي نفس الوقت فان البعض يجد في المكان مكانا مثاليا لعقد ( السحر )، وفي نفس الوقت المكان المقدس الذي تحل فيه تأثيرات السحر الضار التي يقوم آخرون بعقده ضدك، لتتميز الميثولوجيا ما قبل التاريخ بالطقوس الدينية في الوقت الحاضر.

وعلى مسافة قريبة يشير الباحث الاثاري حميد علي، الى أخدود بين التلال هو بقايا مجرى الفرات القديم الذي كان يشطر المدينة الى شطرين.

ونفر كانت العاصمة السياسية في العصر السومرية و البابلية، وبقيت من أعظم المدن المقدسة في العهود التاريخية المتلاحقة.

يقول علي : في هذه الزقورة التي تضم جنباتها التلة العالية، كان يعبد الاله (انليل) سيد الارض والسماء كما كان ينادى.

لم يبق من هذا الكيان العظيم سوى تلة تعلوها اللبن المغلف بالأجر بارتفاع خمسة عشر مترا والى الجهة الجنوبية الشرقية من تلمح بقيا سلالم كان يصعد منها الناس للوصول الى تمثال الاله الذي كان الها رئيسيا في فترة حكم الملك اورنمو حاكم مدينة اور ومؤسس السلالة الثالثة فيها نحو عام 2050ق.م.

وفي بعض الأوقات، يشير علي الى نسوة يصعدن الى التلة وكأنهن يتباركن بالمكان حيث يعقدن التعويذات او يتم وضعها في زوايا المكان.

ولا يعتقد علي ان هذا ناجم عن الصدفة بل هو امتداد تاريخي لمعتقدات سادت ابناء المنطقة منذ الاف السنين، ثم اضمحلت وبقي بعضها في بعض السلوكيات المعاصرة.

و تأخذنا أقدامنا ايضا الى هضبة عالية تبرز منها أطلال بناء، عرته الريح والظروف الجوية منذ آلاف السنين، وهو بقايا معبد ايكور.

وتشير مصادر تاريخية الى ان المدينة اضمحلت عبر السنين بعدما فقدت أسباب بقائها حين انحسرت النشاطات الزراعية عنها بسبب تغير مجرى نهر الفرات وانحسار المياه عنها لتتحول الى قرية صغيرة.

والجولة في المكان ساحرة، لأنك تتجول في مكان لم تغيره آلات العصر، ولهذا تكون الجولة طبيعية، وتلقائية، بل وتدعوك الى التأمل اكثر لأنك تجد نفسك وحيدا وسط هذه الاطلال، بين الارض والسماء.

والملاحظ في المكان كثرة الحفر والثقوب، التي هي نتاج عمليات التنقيب غير الشرعية التي يقوم بها افراد عصابات تهريب الاثار.

ويقول سليم حسن من أبناء المنطقة انه منذ تسعينيات من القرن الماضي وبعد العام 2003، شهد المكان الكثير من اعمال التنقيب غير الشرعية حيث سرقت القطع الاثارية الصغيرة وبيعت او هربت خارج العراق.

وفي الأوقات التي تمطر فيها السماء ثم تشرق الشمس يؤكد حسن ظهور بعض القطع البلورية والمعدنية التي يلتقطها الرعاة والعابرون عبر المكان.

وعبر سنوات من التنقيب منذ بدأت عمليات الاكتشاف والتنقيب في المكان عام 1889 حينما قدمت بعثة آثارية من جامعة بنسلفينا الاميركية، عثر على الكثير من التماثيل والصناديق المملوءة بالآثار اضافة الى خزانة رُقم طينية، و عدة آلاف من الواح الطين المتضمنة مواضيع علمية وأدبية واجتماعية.

ويقول الباحث علي : كان أهم اكتشاف هو العثور على رقيم طيني يحتوي على خارطة نفر، وأسماء احيائها مما يدل على عظمة بناء المدينة وتقدم تخطيطها في ذلك الوقت، حيث استدل منه الاثاريون على معالم المدينة المقدسة.