تسلل البلاستيك بكميات مقلقة إلى البحار والمحيطات والتربة، بفعل إنتاج 300 مليون طن من البلاستيك سنويًا، فتأتي الصواعق الكهربائية لتكون السبيل الجديد إلى تدويره.


حين فحص أعضاء منظمة "الكوكب البلاستيكي" دماءهم عثروا على ذرات البلاستيك بكميات مقلقة في البلازما. وهذا دليل على مدى تسلل البلاستيك إلى حياتنا البيئية، وعلى أهمية تحسين طرق تدوير البلاستيك والتخلص من نفاياته.

لا يتحلل
البلاستيك لا يتحلل في الطبيعية، بل يتجزأ في حبيبات صغيرة تتسلل إلى كل ركن من أركان المعمورة. كما أن البلاستيك ذو عمر طويل، قياسًا بالمواد الصناعية الأخرى. ويقدر علماء البيئة ان كيس النايلون يحتاج إلى 200 سنة كي يتبدد جزئيًا من الطبيعة.
المشكلة الأخرى هي وجود أنواع لا نهاية لها من البلاستيك، بحسب تركيز المواد الكيمياوية فيها، ولهذا فان إذابتها سوية سيؤدي إلى نشوء كتلة هلامية هي أقسى على البيئة من البلاستيك نفسه.
نجح علماء جامعة لودفيغ ماكسميليان في ميونخ في تحقيق الخطوة الأولى على طريق فرز وتدوير البلاستيك بأقل ما يمكن من المخلفات، وبأقل ما يمكن من العواقب البيئية. فبعد أن استخدم علماء معهد فراونهوفر الألماني الصواعق الكهربائية في تحطيم الاسمنت المستعمل إلى مكوناته الأولية، والاستفادة منها مجددًا في تدويره، استخدم علماء ميونخ طريقة الصواعق أيضًا في فرز المواد البلاستيكية عن بعضها بحسب نسب المواد المكونة لها.

يشع بحسب مكوناته
ذكر هاينز لانغهالز، رئيس فريق العمل من جامعة لودفيغ ماكسميليان، انهم استخدموا خصائص البلاستيك نفسها في عملية فرزها عن بعض، إذ تشع قطع البلاستيك بلون وطيف معين خاص بها عند تسليط الصواعق عليها. واتضح أن لكل قطعة بلاستيك، بحسب تعبير لانغهالز، بصمتها الشعاعية الخاصة بها، التي تشبه بصمة الأصبع.
تشع قطع البلاستيك لثوان فقط بـ"بصمتها الشعاعية"، لكن هذه الفترة الزمنية القصيرة كافية لأجهزة الاستشعار الضوئية لتفريقها عن بعضها، كي تتولى المكائن فرزها بحسب طيفها في حاويات مخصصة.
وأضاف لانغهالز أن التجارب أثبتت أن مجال الخطأ معدوم تقريبًا، لأن قطع البلاستيك تعطي البصمة الشعاعية نفسها كلما سلطت عليها الصواعق.

بأقل ضرر ممكن
تعد الطريقة بفصل قطع البلاستيك الرديئة (أكياس النايلون مثلًا) عن الجيدة (الأقل ضررًا بالبيئة) مثل قناني البلاستيك من نوع بيت. وهذا يتيح الاستغلال الأفضل للبلاستيك المحسن، وبما يتيح كمثل تصنيع جاكيته وظيفية من قناني بيت. وهذا يعني التخلص من أطنان النفايات التي تنتج عن طريق تدوير البلاستيك السائدة حاليًا. وقدر لانغهالز أن تفلح محطة واحدة لتدوير البلاستيك بالصواعق الكهربائية في فرز وتدوير 1,5 طن من البلاستيك في الساعة. وتلبي هذه الكمية حاجة مصانع البلاستيك الكبيرة التي تفرض عليها تعليمات الاتحاد الأوروبي التخلص من نفاياتها ومنتجاتها بأقل ضرر ممكن على البيئة.


من طيور بحر الشمال
سبق لمنظمة غرين بيس أن حذرت من تحول كوكب الأرض إلى كوكب بلاستيكي، بفعل انتشار النفايات البلاستيكية في البحر وعلى اليابسة، وتسللها بنسب متصاعدة إلى دماء البشر.
لكن لا تحذيرات حماة البيئة نفعت، ولا قوانين الاتحاد الأوروبي الخاصة بحماية البيئة البحرية أثمرت. فنتائج آخر دراسة حول تلوث البيئة البحرية بالبلاستيك تشير إلى أن هذه المادة الضارة بالبيئة تسللت إلى معدات 95% من طيور بحر الشمال، بشتى أنواعها.
وكان حماة البيئة قد رصدوا ظاهرة موت الطيور البلاستيكي منذ 50 سنة، لكن الأمور تفاقمت كثيرًا في العقدين السابقين. وعثر العلماء في أجساد الطيور النافقة على كرات كبيرة من البلاستيك، تراكمت بالتدريج في معداتهم، وأدت إلى نفوقهم بسبب عدم إمكانية وصول الغذاء إلى المعدة.

الشبع البلاستيكي
المعطيات الأخيرة حول الشبع البلاستيكي أوردها معهد أبحاث المصادر البحرية والأنظمة البيئية في روتردام، إذ عمل علماء المعهد على فحص نسبة البلاستيك في معدات 1300 طائر من مختلف مناطق في بحر الشمال، ومن مختلف أنواع الطيور البحرية، وتوصلوا إلى أن البلاستك يتواجد في معدات 95 % من هذه الطيور.
وجاء في الدراسة أن وزن كرات البلاستيك في كل معدة يزيد عن 300 ملغم في 50% من الحالات، وهي نسبة عالية قياسًا بحجم معدة الطائر، علمًا أن اتفاقية الاتحاد الأوروبي تقضي بالحفاظ على نسبة بلاستيك في معدات الطيور، لا تزيد عن 100 ملغم في 10% من مجموع الطيور.

بانتظار النايلون البيئي
ما زال العالم ينتظر دخول أكياس النايلون التي تتحلل ذاتيًا، وأكياس النايلون المصنوعة من النشاء النباتي، مرحلة إنتاح السوق، لكن الطريق تبدو طويلة حتى ذلك الحين. توصلت شركة نوفيتيك النمساوية إلى طريقة جديدة يجري فيها تحويل النشاء النباتي إلى أحماض الحليب البوليمرية، التي تتحول بدورها بعد إضافة بعض المواد الطبيعية الأخرى إلى مادة "اورغانيكس" الشبيهة تمامًا بالبلاستيك التقليدي. ويمكن لاستبدال الأكياس التقليدية بأكياس من مادة "أورغانيكس" البيئية أن يعوض عن نحو 3500 طن من البلاستيك الضار بالبيئة الذي يجري التخلص منه سنويًا قرب زالسبورغ كنفاية خاصة.

وأعلنت جهتان، إحداهما أميركية والأخرى ألمانية، عن تطوير مواد بلاستيكية تتحلل الأولى تلقائيًا في ماء البحر وتتحلل الأخرى ذاتيًا في الجو. وفي حين تحدثت جامعة مسيسبي الأميركية عن بلاستيك رئيف بالبيئة، يمكن أن يعوض عن البلاستيك في الصناعة، نالت شركة BASF الألمانية جائزة المواد الصناعية للعام 2007، لقاء إنتاج مادة بلاستيكية تتحلل ذاتيًا بمرور الوقت إلى مواد طبيعية غير ضارة بالبيئة.