يعود الفضل في صناعة أسنان متينة، وشبه طبيعية، ولا تتسوس إلى تقنية قديمة أعانت العلماء السويسريين على تقليد بناء تعشيقة المادة العظمية في الأسنان البشرية الطبيعية.

إعداد ماجد الخطيب: تكمن صعوبة تقليد الأسنان الطبيعية مختبرياً في التركيبة الميكرسكوبية المعقدة لمادة الأسنان. إذ من الواضح، تحت المجهر البيولوجي، أن شرائح "السيراميك" المجهرية في الأسنان الطبيعية تترتب بشكل عمودي في الميناء، في حين تترتب افقياً وبشكل مائل أيضاً في الجذر، ويبدو ان هذه التعشيقة هي سر قوة الأسنان وطول عمرها.

ليس هناك مادة عضوية أقوى من المادة العظمية في الأسنان أو المادة السيراميكية في الأصداف البحرية، ويمكن لجثمان الإنسان المدفون أن تبلى بسرعة في حين تصمد الأسنان لآلاف السنين. ويقول العلماء السويسريون من جامعة زيورخ التقنية، أنهم نجحوا في تطوير طريقة تحضير أهلتهم لتقليد تعشيقة المادة العظمية في الأسنان والأصداف، وتوصلوا بذلك إلى إنتاج اسنان صناعية لاتقل متانة عن الأسنان الطبيعية، ناهيكم عن مناعتها على الأحماض التي تسبب تسوس الأسنان.

وذكر البروفيسور اندرية شتودارت، استاذ البحث في المواد المعقدة التركيب في جامعة زيورخ، ان العلم في السنوات السابقة نجح بالطبع في صناعة مادة تشبه الأسنان أو الاصداف، لكن ما حققه فريق عمله هو انهم قلدوا أيضاً التركيبة النسيجية العضوية للمادتين وبشكل متقن تقريباً. وتوقع الباحث أن لاتقتصر طريقة التحضير على صناعة الأسنان وإنما أن تمتد لتشمل إنتاج مختلف المواد التي تدخل في الصناعة الفضائية والطبية.

وبهذا يكون علماء زيورخ أول من نجح في إنتاج مادة عظمية بكامل تركيبتها الطبيعية من خلال مادة واحدة. وكانت شرائح السيراميك المجهرية في السن الصناعية تتشابك وتتغير اتجاهاتها بشكل يشبه التعشيقة الأصلية إلى حد كبير. والمهم في طريقة التحضير، بحسب شتودارت، انها مزجت بين طريقة صب مواد قديمة جداً بطرق بحث المواد الحديثة.

تقنية عمرها 100 سنة

في تحضير أول سن شبه طبيعية من نوعها في العالم استخدم شتودارت وزملاؤه طريقة "الصب الانزلاقي المعزز مغناطيسياً Magnetically assisted slip casting“ MASC " وهي طريقة يعرفها العلم منذ 100 سنة، بحسب الدكتور توبياس نيبل المشارك في فريق العمل. وتجري في هذه الطريقة صناعة قالب من الجبس للمادة المطلوبة (السن مثلاً) ثم يتم في القالب صب مادة عالقة تحتوى على صفائح السيراميك، الممغنطة كهربائياً، والمصنوعة من أوكسيد الألمنيوم وجزيئات الكريستال. تتولى الثقوب الصغيرة في مادة الجبس مص السائل من المادة العالقة تدريجياً، وهكذا تبقى المادة الصلبة داخل القالب فقط بعد فترة.

والاضافة على هذه التقنية القديمة هو ان العلماء استخدموا حقلاً مغناطيسياً، اثناء عملية صب المادة العالقة في قالب الجبس، بهدف تغيير اتجاهات الشرائح السيراميكية المنمنة، ومن ثم صفها بنفس الطريقة التي تصطف بها المادة العظمية في السن أو في الصدف. وتجري هذه العملية قبل انجماد المادة العظمية، وتحافظ الشرائح الصغيرة بالتالي على وضعها كما تم ذلك بواسطة الحقل المغناطيسي.

تولى العلماء بعد ذلك تسخين السن الصناعية في فرن بدرجة 1600 مئوية بغية منحها المتانة والثبات المطلوبين. واستخدموا بعدها مونومر صناعي (جزيء تفاعلي)، بشكل بوليمر، لسد الثقوب الممكنة في ميناء السن المنتجة بطريقة الصب الانزلاقي المعزز مغناطيسياً.

أسرع عشر مرات من الطباعة المجسمة

ثبت من التجارب المختبرية أيضاً أن من الممكن إجراء هذه العملية على مراحل وبطبقات تؤهل العلماء لبناء مادة السن الصناعية كما هي الحال في مادة السن الطبيعية. ويقول شتودارت أن الصب الانزلاقي المعزز مغناطيسياً يشبه إلى حد ما الطباعة الحديثة المجسمة (ثلاثة أبعاد)، إلا أنها اسرع عشرات المرات، كما أنها أقل كلفة بكثير. واعتبر العالم هذه الطريقة المطورة باباً لتقليد عشرات المواد الطبيعية، أو الحية، المعقدة التركيب.

قلد الباحثون هنا "سن العقل" المنتزعة من فم إنسان بعد أن صنعوا لها قالباً من الجبس. وتبين لاحقاً أن مادة الميناء كانت بصلابة مادة السن الطبيعية، كما كانت مادة جذر الأسنان أقل متانة واكثر مرونة، كما هي الحال في الاسنان الطبيعية تماماً.

تقليد محكم

ويبدو شتودارت واثقاً من تطابق بنية السن الصناعية المجهرية مع بنية السن الطبيعية، لكنه عبر عن ثقته بأن المادة الجديدة لن تنجح في شق طريقها إلى عالم طب الاسنان بدون تقنية متقدمة تقلد شكل كل سن على حدة. فاسنان البشر مختلفة، ولايمكن صب قوالب صالحة لكل البشر، وعلى هذا الأساس لابد من تقنية إلكترونية لرسم السن الواجب محاكاتها بالضبط.

تم سلفاً، وقبل نشر هذه المادة في مجلة "المواد الطبيعية"، الحصول على براءة اختراع طريقة الصب الانزلاقي المعزز مغناطيسياً من السلطات السويسرية، لكن شتودارت يعتقد انها سرعان ما ستكون بين أيدي شركات الصناعة الطبية.