تصاب 71 ألف ألمانية سنويًا بسرطان الثدي، وتضطر نسبة عالية منهن للخضوع لعلاج كيميائي يتسبب بتساقط الشعر. جامعة هانوفر الألمانية ابتكرت قلنسوة تبريد تحمي الشعر من التساقط أثناء هذا العلاج.

ماجد الخطيب: ترتبط مشكلة تساقط الشعر بالعديد من حالات العلاج الكيميائي اللازم لإطالة حياة المصابين بمختلف الأورام السرطانية، لكن النساء هن أكثر المعانيات من هذا العارض الجانبي الذي يصيب أجمل زينتهن، وخصوصًا أثناء معالجة سرطان الثدي. وثبت من الفحوصات السريرية أن عملية تساقط الشعر تحصل بسبب ارتفاع حرارة الرأس وفروته أثناء العلاج، ما يوسع الأوعية الدموية ويسهل وصول المادة الكيميائية إلى بصيلات الشعر. لهذا، عمل أطباء جامعة هانوفر طيلة سنوات لتطوير قلنسوة تبريد تقي المرأة من تساقط شعرهن أثناء العلاج.

غير مشمولة بالتأمين
يعرف الطب العديد من أنواع قلنسوات التبريد، إلا انها لم تثبت فعاليتها حتى الآن، ولا تفضل النساء المريضات استخدامها اثناء العلاج بسبب نتائجها التي لا تجنبهن ارتداء الباروكات والقبعات. إلا أن قلنسوة التبريد من جامعة هانوفر أثبتت كفاءتها، بحسب مصادر هذه الجامعة.
واعترفت شركات التأمين الصحي الألمانية بأهمية هذا الابتكار الطبية والجمالية بالنسبة إلى النساء، إلا انها رفضت تغطية كلفة هذا العلاج التجميلي، في حين طالبت نقابة الاطباء الألمانية شركات التأمين الصحي بشمول العلاج قلنسوة التبريد بالتأمين الصحي.
أطلق أطباء هانوفر على نظام تبريد القلنسوة اسم "ديغنيلايف"، وذكروا أن التجارب عليه منذ سنة أثبتت أنه يقلل تساقط الشعر أثناء العلاج الكيميائي إلى حد كبير. ويعتمد النظام على وحدة من أنظمة الاستشعار الحراري المثبتة في القلنسوة تعمل على تبريد الرأس أثناء زرق الواد الكيميائية في جسد المريض.
وتحدثت البروفيسورة تيونغ وون بارك-سايمون، نائبة رئيس قسم الأمراض السرطانية النسائية في جامعة هانوفر، عن تجربة هذا العلاج "الاضافي" على 19 امرأة أثناء علاجهن بالكيميائي، ونجحت القلنسوة في الحفاظ على شعورهن من التساقط بشكل ملحوظ، وكانت النسوة عمومًا مرتاحات كثيرًا إلى العلاج.

علاج نفسي واجتماعي
تم إنتاج القلنسوة بالتعاون بين جامعة هانوفر الطبية وشركة سيسمكس التقنية الألمانية في ولاية سكسونيا السفلى، ويمكن أن تتوفر التقنية سريعًا في المستشفيات الألمانية الأخرى حال دخول مرحلة الانتاج الكبير. وكانت قلنسوة "ديغنيلاف"، التي استخدمت في التجارب، عبارة عن نموذج أولي تم ابتكاره لهذا الغرض.
قالت الدكتورة صوفيا هولتهاوزن-ماركو إن تساقط الشعر من أهم الأعراض النفسية للعلاج الكيميائي، وتشعر نسبة 90% من النساء بالحرج منه، ويتعاملن معه كـ"إعلان" رسمي عن اصابتهن بالسرطان. فضلًا عن ذلك، يدفع الكثير من النساء إلى استخدام القبعات والباروكات لإخفاء "السرطان" عن أعين الآخرين من غير العائلة، ثم انه يدفع نسبة أخرى لاعتزال البيت إلى حين نمو الشعر مرة ثانية. وتتخصص هولتهاوزن-ماركو في معالجة الأعراض النفسية والجسدية الناجمة عن العلاج الكيميائي للأمراض السرطانية في النساء.
&
البرودة تحمي البصيلات&
بدأت جامعة هانوفر استخدام مختلف تقنيات التبريد، بينها وضع قطع القماش المبللة بالماء البارد على الرأس أثناء العلاج الكيميائي، منذ نهاية السبعينات. ولم يحقق الأطباء نتائج ايجابية إلا الآن، بالتعاون مع شركة سيسمكس، وبدعم مالي مباشر من معهد روبرون المتخصص بانتناج التقنيات والأجهزة الطبية.
وتم إنتاج قلنسوة التبريد لنظام ديغنيلايف من مادة السيليكون، وجرى دمج أجهزة الاستشعار الحراري فيها. ويتولى النظام تبريد الرأس بشكل متساو وثابت، بدرجة 3-5 مئوية، أثناء زرق المادة الكيمياوية في الجسم.
وتقول البروفيسورة بارك- سايمون إن تبريد الرأس إلى درجة ثابتة ومتساوية أثناء العلاج الكيميائي يؤدي إلى تقلص الأوعية الدموية الصغيرة في الرأس والفروة ويؤخر بالتالي عملية الاستقلاب فيها. وهذا يعني أن تسرب المواد الكيميائية المزروقة في الجسم إلى الأوعية الدموية الصغيرة في فروة الرأس سيقل إلى حد كبير، وهذا يحمي بصيلات الشعر.
لا يمكن للتقنية أن توقف تساقط الشعر تمامًا، لأن التبريد لن يوقف تدفق الدم إلى الأوعية الدموية في فروة الرأس بالكامل، لكنه قلل ذلك كثيرًا. وسجلت التقنية نجاحًا ظاهرًا في علاج مختلف الأمراض السرطانية النسائية، لكن أفضل نجاح لها كان أثناء علاج سرطان الثدي، وتمكنت نصف النساء، بعد استخدام القلنسوة، من الظهور في الشارع بما تبقى من شعورهن دون أن يخشين من كشف أمراضهن للناس. وتخلت نسبة أخرى من النساء بسرعة عن الباروكات والقبعات بعد أن تسارع نمو الشعر بعد الانتهاء من عملية العلاج الكيميائي.
&
عودة إلى الحياة الطبيعية
تحدثت زابينة ج.، التي عولجت بالكيميائي في جامعة هانوفر، لمجلة الطبيب الألماني عن عودتها حال انتهاء العلاج إلى "الحياة الطبيعية". وقالت إن شعرها اصبح أخف قليلًا بفضل قلنسوة التبريد، لكنها لم تضطر بعد إلى لبس قبعة أو باروكة. كما شعرت بأنها قد تجنبت نظرات العطف والعيون المتساءلة التي تلاحق النساء اللاتي فقدن شعورهن بعد العلاج الكيميائي. وتضيف انها لم تستعد حياتها فقط، بسبب احتفاظها بشعرها، وإنما استعادت روحها المرحة وآمالها بالمستقبل. وسبق للأطباء أن شخصوا إصابة زابينة ج. بسرطان الثدي في العام 2014، حيث اخضعت لاحقًا إلى العلاج الجراحي، ثم أعقب ذلك العلاج الكيميائي.
يتطلب العلاج الكيميائي، في حالة سرطان الثدي، زرق مادة سايتوستاتيكا الكيميائية 16 مرة خلال نصف سنة في عيادة هانوفر لعلاج السرطان. ولا يكلف استخدام قلنسوة التبريد غير 80 يورو إضافية كل مرة، بحسب تصريح البروفيسورة بارك-سايمون، لكن شركات التأمين الصحي ترفض تغطيتها حتى الآن. وكشف استطلاع صغير للرأي بين المريضات في مركز هايدلبيرغ للأبحاث السرطانية، أن نسبة 60-70% من النساء مستعدات لتحمل الكلفة الإضافية لقلنسوة التبريد رغم ضعف الحالة المالية لمعظمهن.
ومن الممكن عند استخدام النموذج الأولي من نظام ديغنيلايف ربط مريضتين عليه كل مرة، وهذا يقلل الكلفة. كما يمكن مستقبلًا إنتاج جهاز ينظم عمل أكثر من قلنسوتين كل مرة.&
يسبب سرطان الثدي موت 565 ألف مواطنة من الاتحاد الأوروبي كل عام، وذلك رغم تطور تقنيات الكشف المبكر والعلاج، وارتفاع الوعي الصحي بين الناس. وبقي سرطان الثدي، على هذا الأساس، من أخطر الأمراض السرطانية على حياة النساء. ورغم أن نسبة الوفيات بسبب هذا الورم السرطاني قد انخفضت في السنوات الأخيرة، إلا أن نسبة الإصابات به ترتفع كل بمرور كل عام. ويمكن للعلاج الكيميائي أن يؤخر تطور المرض في الثدي، لكنه لايضمن عدم انتقال الورم عبر اللمف والدم إلى الأعضاء الحيوية الأخرى.&
&