القاهرة: يواجه الشاب مصطفى إكرام معركة حقيقية يوميا في طريقه لعمله في فوضى مرور القاهرة حيث يعبر المارة منتصف الطريق فجأة، وتسير سيارات ال"توكتوك" والعربات التي تجرها الحمير بين السيارات وسط ضجيج أبواق لا يهدأ.

وتفادى الثلاثيني إكرام في سيارته الرمادية رباعية الدفع عربة توكتوك سوداء (سيارة بثلاثة اطارات تستخدم في مصر في النقل الجماعي) يقودها صبي يسير عكس الاتجاه بين السيارات قبل أن يسلك الطريق الدائري الذي يربط غرب القاهرة بشرقها ويعلق فيه الالاف في كافة أنواع السيارات يوميا.

ويشكل زحام القاهرة، وهي مدينة كبيرة يقطنها قرابة 20 مليون نسمة، كابوسا مزعجا، وكثيرا ما يتبادل السائقون السجائر او الفكة وهم يقودون على مهل معطلين الطريق فيما يعبر المترجلون منتصف الطرق التي تفتقد لاماكن لعبور المشاة. كما يؤدي هروب بعض السائقين للشوارع الجانبية لمضاعفة الزحام في كل مكان. 

ويقول إكرام وهو مدير مبيعات في شركة ادوات منزلية من أمام منزله إن "الزحام (في القاهرة) مستنزف للوقت والمجهود بشكل رهيب. أشعر اني سحين داخل سيارة يبحث عن منفذ للهرب". ولمواجهة هذه الفوضى، تبنت السلطات المصرية خلال العاميين الماضيين خطة طموحة لتثبيت كاميرات مراقبة في كل الطرق ورادارات على الطرق التي تسجل معدلات حوادث مرتفعة.

خطة تنظم أوقات الخروج 
كما تدرس الحكومة خطة لتنظيم أوقات خروج الموظفين بشكل يخفف من الزحام في أوقات الذروة. في مكتبه، يستمع العقيد عماد حماد، مدير الإعلام بمرور العاصمة القاهرة، إلى جهاز الاتصال اللاسلكي المضبوط على تردد شرطة المرور كما يستقبل صورا التقطتها الكاميرات في الشوارع.

وهو يرى ان السبب الرئيسي للزحام هو "سلوك المواطنين" وخصوصا "الانتظار في أماكن ممنوع توقيف السيارات فيها ما يضاعف الزحام". ويوضح العقيد حماد أنه تم الانتهاء من 80% من خطة تثبيت الكاميرات والتي تهدف إلى مراقبة السرعة والانتظار في الأماكن الممنوعة للتخفيف من الحوادث والزحام. وتسبب الزحام بخسائر قدرت بنسبة 3,6 % من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب دراسة للبنك الدولي نشرت في العام 2014 وتوقعت ارتفاع هذه النسبة بحلول العام 2030.

 التكنولوجيا للهرب من الاختناقات 
في حال غادر إكرام القاطن في حي الهرم (اقصى غرب القاهرة) منزله في وقت الذروة الصباحي فان رحلته لعمله في التجمع الخامس (أقصى شرق العاصمة) ستستغرق قرابة ساعتين يقضيها وسط بحر من السيارات التي تسير على مهل.

لكن تطبيق "غوغل مابس ترافيك" ينصحه بالموعد الأفضل للانطلاق، ما يقلص الرحلة لأقل من النصف أحيانا. ويقول اكرام فيما كان شخص يعبر بتهور الطريق أمام سيارته على الطريق السريع "أنا ارتب يومي بناء على الزحام سواء بأن ابدأ يومي مبكرا جدا قبل موعد الذروة الصباحية أو متأخرا بعد انتهائه".

وتسير في شوارع القاهرة 3,3 مليون مركبة تشكل نحو 38% من عدد المركبات في البلاد، بحسب الارقام الرسمية. وتقول هبة عصام مسؤولة العمليات في شركة دولية في القاهرة "أصل كل يوم لعملي مرهقة وأحتاج لشحن طاقتي من جديد" ما دفعها للتفاوض مع شركتها للعمل يومين أسبوعيا من المنزل.

وتمضي هبة في سيارتها البيضاء قرابة أربع ساعات يوميا ذهابا وايابا بين منزلها في منطقة الهرم باقصى غرب القاهرة وعملها الواقع في ضاحية التجمع الخامس باقصى شرق العاصمة. لذلك تعتبر ان الاتفاق الذي توصلت اليه مع رؤسائها في العمل "انجاز عظيم".

 مواصلات عامة متداعية
ويستخدم 3,5 مليون راكب ثلاثة خطوط للمترو في القاهرة يوميا لكن عدم وجود شبكة مواصلات مناسبة للحافلات فوق الأرض يدفع الآلاف لشراء سيارات خاصة ما يضاعف الزحام.
وتنفذ الحكومة حاليا خطين جديدين للمترو لربط شرق القاهرة بغربها. ويقول المهندس محمد محمد (62 عاما) "استخدم المترو كلما كان الأمر ممكنا. ولو كانت شبكة المواصلات منظمة لتخليت عن استخدام سيارتي تماما".

ويعتقد أسامة عقيل استاذ الطرق والمرور في جامعة عين شمس في القاهرة أن الحكومة "لا تقدم علاجا حقيقيا للأزمة". ويقول إن الحل هو "توفير وسائل نقل جيدة تنقل المواطنين من كل الطبقات ما سيقنع الناس أن تترك سياراتها الخاصة لركوب الحافلات". ويرى ان توافر مواصلات عامة "سيقلل من تكدس السيارات في الشوارع".

السكوتر هو الحل
لا يستطيع كثير من المصريين انهاء اكثر من التزام واحد يوميا خلال أيام العمل بسبب صعوبة التنقل، ما يدفعهم لقضائها في عطلة نهاية الأسبوع يومي الجمعة والسبت عندما يقل الزحام.
وبدأ مئات المصريين اخيرا في استخدام الدراجات النارية بمختلف أنواعها عوضا عن سياراتهم للتغلب على أزمة الزحام ومنهم محمد عبد الواحد الذي وجد الحل في السكوتر.

ويقول عبد الواحد (34 عاما) وهو صاحب شركة استيراد وتصدير يستخدم السكوتر منذ خمسة أعوام "عندما كنت اذهب للعمل بالسيارة لم أكن افعل أي شيء آخر في حياتي سوى العمل".
ويضيف ضاحكا فيما كان سكوتر آخر يمر برشاقة وخفة بين سيارات متوقفة في إشارة مرور تتكدس السيارات امامها "لا أتخيل استخدام السيارة مجددا". ويتابع وهو يعدل من وضع خوذته فوق رأسه "الآن اعود من العمل للمنزل في 45 دقيقة لأنام ثم أذهب للنادي أو التقي اصدقائي او أتسوق. الحياة فيها أمور أخرى كثيرة أفضل من الحبس في الزحام".