نهى أحمد من سان خوسيه: بعكس المجتمعات الغربية، فان المجتمع في العديد من بلدان امريكا الجنوبية محافظ واقرب الى المجتمعات العربية شبه المتحررة، لذا يعتبر مضمون كتاب عالمة النفس الارجنتينية سليفا بادارو عن علاقة الام بابنتها من الكتب التي تستعرض أيضا مشاكل هذه العلاقة في البلدان العربية.

الكتاب الذي يحمل عنوان" علاقة طيبة جدا" تعدد خلاله الكاتبة المشكلات العائلية إضافة الى النصائح لتخطيها ، وبرأيها ان بقاء المشاكل من دون حلول وإزالة تأثيرها على النفس تلقي بظلالها طوال العمر. وتستهل الكاتبة الكتاب بالقول ما يجمع الأم بابنتها من البداية صداقة وخصام وحب وغيرة وتباعد وتقارب ولا توجد علاقة إنسانية متعددة الأوجه كما هذه العلاقة التي تتغير حسب المراحل والظروف، مع ذلك تظل علاقة انسانية مميزة. 
تقليد 

فعندما تكون الابنة طفلة صغيرة تحاول تقليد امها بملابسها التي تسرقها أحيانا من خزانتها وتقليد شكلها وحركاتها ، فهي تريد ان تكون مثلها تماما. لكن عندما تدخل مرحلة المراهقة يتغير الكثير في العلاقة واحيانا بشكل سريع جدا، فاغلب المراهقات لا يرغبن ابدا بان يكن صورة عن أمهاتهن. في المقابل تتملك الام باللاوعي رفض لقبول الوضع الجديد لابنتها التي تريدها ان تكون صورة عنها وقريبة منها فتواصل التصرف معها وكأنها طفلة، وهذا يؤدي الى مشاكل كبيرة وقد تصاب العلاقة بالتوتر الدائم وحتى الشجار، فينعكس ذلك على وضع المراهقة وتظهر أحيانا على بشرتها بثور او ما يسمى بحب الشباب.

ولا يقتصر الامر على توتر العلاقة بل تسعى الفتاة المراهقة للتحرر من قيود أمها عبر التمرد عليها منها رفض ما كانت تقبله سابقا ويتطابق مع تصور امها له واعتبار كل نصيحة منها نقدا او فرض سلطتها عليها. هنا تقول الكاتبة على الأم التصرف بحكمة والعودة بذاكرتها الى مرحلة المراهقة التي مرت بها. فاذا ما فعلت ذلك تعي للوضع وتتصرف بوعي وتفهم. اذ يمكنها على سبيل المثال مشاركتها أفراحها وأحزانها وبكاءها ودعوة صديقاتها لقضاء وقت لديها دون التدخل في حياتها بشكل مباشر، فاذا ما كسبت ثقتها تمر مرحلة المراهقة بشكل طبيعي وتضمن بقاء العلاقة طيبة مع ابنتها.

مرحلة النضوج
لكن علاقة الام بابنتها تدخل مرحلة ثالثة وهي مرحلة النضوج بعد سن الـ 19، وتكون ايضا مميزة وتتخللها تضارب في الآراء. فمع انهما تتناقشان في أمور كثيرة وتفضلان التبضع معا والتجول في الأسواق والحديث عن هذه الفتاة او تلك، الا ان الابنة تلجأ بسرعة الى الفرامل عندما تشعر ان امها تخطت الخط الاحمر الذي وضعته، فتعود الصور القديمة الى تذكّرها بفضول امها ومحاولتها التدخل في حياتها دون اعطاء اهمية لنضوجها وبان عليها تغير اسلوب التعامل معها. 

ويزداد التوتر اذا لم تتوقف الأم عن التعليق على كل شيء: من أسلوب ملابس ابنتها وحتى نوعية أصدقائها وصديقاتها وتقيم تصرفاتها بشكل متواصل. وتنطلق الأم من مبدأ انها أكبر منها سنا وأكثر خبرة في الحياة، دون إعطاء أهمية لفارق العمر والعقلية والزمن، وقد تتمادى في تصرفاتها برسم صورة لابنتها شبيهة بها عندما كانت بعمرها رغم ادراكها التام بان نساء اليوم لسن كما نساء امس ، مع ذلك فان اعتقادها بالبحث عن مصلحة ابنتها يطغو على رؤيتها للواقع، وتقول " افعل ذلك لصالحك لانني احبك"، وهذا صحيح لكنه العلاج الخاطئ.

وتضيف الكاتبة، لا يمكنني إلقاء اللوم على الأم فقط، فالابنة من جانبها تسعى كي تكون مستقلة ومعارضة دائمة لكل ما تقوله امها ورافضة ان تكون صورة عنها رغم انها تكون وارثة جينيا لاحد طباعها، وليس من الحكمة بعد ذلك ان تقول لها عند اقترافها لاي خطأ" لقد تعلمت ذلك منك" وذلك بهدف التحرر من تبعات الخطأ. 

وعند تنبيه أمها لها عن أخطاء أو تصرف تقوم به يقع الخلاف الكبير الذي يصل الى المقاطعة لأيام متهمة إياها بانها تراقب تحركاتها وتعمل على إخضاعها لعادات قديمة وممارسة سلطتها ما يزيد من النقاش حدة وتعميق الخلاف.

وتنصح عالمة النفس الأم كما الابنة التي تخطت مرحلة المراهقة التخلي عن التمسك بالافكار التي تسبب الخلاف والبحث عن طرق للتقارب في الافكار، وعلى الابنة الناضحة ان تعي بانه سوف تكون يوما أما وتتحمل مسؤولية حياتها الخاصة وحياة عائلتها وتتخلى عن فكرة رمي حمل المسوؤلية على الآخرين. 

ومن أجل الحد من وقوع خلافات ونقاشات حادة بين الام وابنتها يجب إعطاء حرية أكثر في العلاقة ومحاولة التعمق في رؤية حقيقة مشاعر الآخر عندها يدرك كل طرف ان علاقته مع الآخر ليست لفترة قصيرة بل لكل العمر.