توصل علماء من "المركز الأوروبي للوقاية والرقابة على الأمرض المعدية" إلى نتيجة مفاجئة مفادها أن الأنفلونز أخطر على حياة الأوروبيين من الأيدز.

إيلاف من برلين: جاء في تقرير المركز، الذي يتخذ من العاصمة السويدية ستوكهولم مقرًا له، أن ضحايا الأنفلونزا يزيد على عدد ضحايا الأمراض الخطيرة الأخرى، وخصوصًا الإيدز والتهاب الكبد الفيروسي.

وكتب أليساندرو كاسيني، من المركز الأوروبي المذكور، في مجلة "الطبيب الألماني" إن الأنفلونزا كانت الأخطر من ضمن 31 مرضًا معديًا شائعًا في أوروبا. واعتمد فريق العمل، الذي قاده كاسيني، على"معدل سنوات الحياة بالنسبة إلى الأمراض DALYs "(disease-adjusted life years) في تقدير خطورة الأمراض على الحياة.

يمثل DALYs عدد السنين التي يخسرها الإنسان نتيجة الموت المبكر بسبب الأمراض المعدية أو بسبب الإعاقة الذهنية والجسدية التي تلحق بالمريض نتيجة هذه الإصابة. 

اعتمد كاسيني وفريق عمله في دراستهم على معطيات شاملة عن الأمراض الـ31 من ملفات دول الاتحاد الأوروبي بين 2009 و2013. أضاف الباحثون أيضًا معطيات مماثلة حول الموت المبكر والإعاقة بسبب هذه الأمراض من بلدان أخرى، هي النروج وإيسلندا وليشتنشتاين.

تفتك بالشيوخ
وبحسب مقياس DALYs فقد 1.4 مليون إنسان في هذه البلدان حياته مبكرًا خلال خمس سنوات، بسبب الأمراض المعدية الـ31 المذكورة. ومات ثلاثة أرباعهم خلال فترة الحالة الحادة من المرض.

هذا يعني أن شعوب هذه البلدان فقدت 273 مواطنًا من بين كل 100 ألف مواطن كمعدل خلال كل سنة بسبب هذه الأمراض المعدية، بحسب معيار DALYs. وكانت حصة كبار السن والأطفال من الضحايا، كما هو متوقع، هي الأكبر، بحسب هذا المقياس، وخصوصًا المسنون الذين تزيد أعمارهم على 65 (24%)، والأطفال تحت سن 5 سنوات (11%).

كان رقم ضحايا الأنفلونزا هو الأكبر في الاتحاد الأوروبي بين ضحايا الأمراض المعدية الـ31، إذ شكلوا نحو 30% من المجموع. كما كانت الأنفلونزا سبب خسارة أكبر عدد من سني الحياة التي سببها الموت المبكر في هذه البلدان.

ورغم إعلان أوروبا منذ عقود عن القضاء على السلّ تمامًا تقريبًا، فإن ضحايا السلّ جاؤوا في المرتبة الثانية بعد الأنفلونزا، وهي المفاجأة الثانية في الدراسة، وربما تفسر عودة السلّ إلى أوروبا على أساس "عولمة الأمراض" التي رافقت العولمة وازدهار السياحة وتفاقم أزمة الهجرة من بلدان آسيا وأفريقيا الفقيرة إلى أوروبا.

كما تسببت عصيات كوخ بنسبة 20% من الضحايا في أوروبا، بحسب مقياس DALYs، واحتلت بالتالي المركز الثاني في قائمة الأمراض الأخطر على حياة الإنسان في أوروبا.

ضحايا الإيدز أقل عددًا وعمرًا
جاء مرض الأيدز في المركز الثالث من الأمراض المعدية القاتلة في أوروبا بنسبة 18%، إلا أن عدد السنوات التي خسرها المصابون بسبب هذا المرض كانت الأعلى. والأدهى من ذلك هو أن العلاج المضاد لفيروسات الإيدز أطال عمر المرضى، لكن حياتهم مع المرض، الذي تحوّل إلى مرض مزمن، لم تكن مرضية أبدًا.

ويبدو أن التهاب الرئتين البكتيري لا يزال يفتك بضحايا، وخصوصًا من كبار السن والأطفال. إذ تسبب هذا المرض بموت 11% من الضحايا المسجلين في أوروبا خلال خمس سنوات. يلي الالتهاب الرئوي في المركزين الخامس والسادس مرض التهاب الكبد الفيروسي بـ(2.9%) والتهاب السحايا (1.7%) والسعال الديكي (1.2%).

وجاء مرض الحصبة في المرتبة العشرين، بحسب مقياس DALYs. إلا أن الباحثين لاحظوا أن المعطيات حول هذا المرض يمكن أن تختلف كثيرًا. وأشاروا إلى سنة 2010 في بلغاريا، حيث تفشى المرض في صفوف 22 ألف إنسان، معظمهم من الأطفال.وهناك احتل المرض في تلك السنة المرتبة الرابعة بعد الإيدز بحسب مقياس DALYs.

حملة تلقيح ضد الأنفلونزا
اعتبر كاسيني وزملاؤه نتيجة الدراسة باعثًا للتأكيد على أهمية التلقيح ضد الأنفلونزا قبل بدء موسمها. وذكروا بموقف المجلس الأوروبي، الذي نصح الأوروبيين في سنة 2015، وخصوصًا كبار السن والأطفال الصغار، بالتلقيح ضد الــ"فلو".

جدير بالذكر أن دراسة مشتركة لمعهد روبرت كوخ الألماني ومعهدي بول إيرلش ومركز إيرازموس الهولندييين، تشير إلى أن التطعيم المنتظم والمستمر سنويًا، وخصوصًا بين فئة أعمار 60 سنة فما فوق، يقلل نسبة الوفيات بين هذه الفئة. 

وكتب الباحث برونو شتيكر في المجلة الأميركية "جاما" أن التطعيم لمرة واحدة يزوّد الإنسان بمناعة ضد الأنفلونزا، إلا أن التطعيم المنتظم والمستمر يزوّد الإنسان بمناعة أقوى، ويقلل نسبة الوفيات بين المسنين.

حسب تقديرات توماس فوتسلر، رئيس معهد العلاج الكيميائي للفيروسات في جامعة ينا، يموت في ألمانيا سنويًا بين 10- 15 ألف شخص بتأثير من الأنفلونزا أو مضاعفاتها. وتزداد خطورة المرض الفيروسي كثيرًا، حينما يصيب المسنين المعانين من أمراض أخرى، حيث تؤدي المضاعفات إلى الموت أحيانًا. والمشكلة، حسب رأي البروفسور، هي أن الناس لا تقدر مدى خطورة المرض تقديرًا جيدًا، كما لا يفرّق البعض بين البرد والرشح والأنفلونزا.