قارنت كبريات الصحف الألمانية تعذيب طالبي اللجوء في ألمانيا بممارسات التعذيب البشعة في سجن ابو غريب العراقي، و مثيلاتها في قاعدة غوانتانامو الأميركية، واستغربت أن تجري هذه الممارسات في ألمانيا.


ماجد الخطيب: بعد الغضب السياسي والإعلامي الذي عمّ ألمانيا، بسبب فضيحة تعذيب اللاجئين، طالت تهمة التعذيب الجسدي الشرطة الاتحادية، بعد أن كانت مقتصرة على رجال الأمن والحماية، التابعين لشركة خاصة تشرف على أمن معسكرات اللاجئين.

وتحدث أحد رجال شركة مدينة ايسن، في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا، عن "غرفة تأديب" في مركز الشرطة، يجري فيها حبس اللاجئين المشاغبين وتقييدهم وتهديدهم والإساءة إليهم. ووصف الشرطي الوضع الصحي للاجئين في هذه المعسكرات بالسيىء جدًا.

يهينون جزائريًا

وكانت ألمانيا قد اهتزت بقوة بعد أن عرض التلفزيون فيلمًا مصورًا بهاتف جوال يظهر اثنين، أو أكثر، من رجال حماية المعسكر وهم يهينون شابًا جزائريًا. صور الفيلم صحافي ألماني حر وسلم نسخة منه إلى شرطة مدينة هاغن التي تشرف على معسكر اللاجئين في بلدة بورباخ في ولاية الراين الشمالي فيستفاليا.

بدأت النيابة العامة التحقيق مع رجال الحراسة التابعين لشركة "سكي"، التي تتخذ من نورمبيرغ الجنوبية (ولاية بافاريا) مقرًا لها. ووجهت النيابة إلى 8 أفراد يعملون في هذه الشركة المختصة بتوفير رجال الحماية والحراس، تهمة الحاق ضرر جسدي خطير ببعض اللاجئين.

وتقدم رالف ييجر، وزير داخلية الولاية، باعتذار مباشر إلى طالبي اللجوء السياسي، متعهدًا تحسين ظروفهم، والعمل على منع تكرار مثل هذه الممارسات.

وقال ييجر، قبل انكشاف مشاركة الشرطة الاتحادية في العمليات" التأديبية"، انه سيواصل تكليف شركات الحماية الخاصة بتوفير الأمن في معسكرات اللاجئين، إلا أنه سيفرض رقابة مشددة عليها. وقال الوزير إنه من الصعوبة مراقبة سلوك شركات الحماية الخاصة حينما توظف هذه الشركات المجرمين العتاة في صفوفها. وأعلن الوزير عن الغاء عقد العمل مع شركة سكي وتقديم العديد من موظفيها إلى المحاكم بتهم مختلفة.

نم في قيئك!!

يظهر الفيلم القصير، الذي يعرض حاليًا على الانترنت، رجلي حماية أو أكثر يضغط أحدهما بقدمه على رأس لاجئ خائف ومرهق من الضرب واقع على الأرض. وكشفت التحقيقات أن رجلي الحراسة هما ماركوس ك. و ماركوس هـ.، من شركة سكي، والرجل الواقع على الأرض شاب جزائري من طالبي اللجوء.

يسأل الحارس الأول الجزائري: "هل تريد ضربة أخرى؟"، فيرد الجزائري: "لماذا تعذبني؟". يجيبه الحارس الآخر: "اضطجع في قيئك ونم!!" وكان الجزائري يضطجع مستسلمًا على سجادة قذرة ملوثه بالقيء.

وقال رجال الحراسة في التحقيق انهم فعلوا ذلك في حالة دفاع عن نفس! وبرروا ضغط رأس الرجل بالحذاء على أنه علامة انتصار ضده بعد أن تم اخضاعه. وعثر رجال التحقيق في شقتي الرجلين على أسلحة وأدوات تعذيب، وتحدثت بعض التقارير الصحفية عن وشوم نازية على أجسادهم، إلا أن الوزير ييجر كان حذرًا في تصريحه عن هذا الموضوع، واكتفى بالقول إنه سيحقق في علاقة المنظمات النازية في الفضيحة. وعثرت الشرطة في غرفة الحرس على بخاخات فلفل أحمر وهراوات وقبضات حديد، علمًا أن معسكر اللاجئين أقيم في معسكر سابق للجيش الألماني في بورباخ.

حراس ذوو ماضٍ اجرامي

هذا ما أكده ييجر في حديثه عن "سكي"، التي تضاعف نشاطها في الفترة الأخيرة داخل وخارج ألمانيا. وذكرت مجلة شتيرن المعروفة أن الشركة، في اعلانها الرسمي على الانترنت، لا تشترط أية كفاءات أو دورات تدريبية، وتتخصص بتوظيف الميالين للعنف. وهدد الوزير كافة شركات التأمين الخاصة بحظر نشاطها اذا وظفت أصحاب السوابق في مهماتها.

وثبت من تحقيق الشرطة أن ماركوس هـ. من ذوي السوابق، وكان قد مثل أمام القاضي بتهم متعددة، منها الاعتداء بالضرب، والاحتيال والسرقة وتعاطي المخدرات. ولا يبدو أن حراس الشركة الآخرين يقلون "عنفًا" عن ماركوس هـ. بحسب اعتراف متحدث باسم الشرطة. وأضاف المصدر أن معظم رجال "سكي" هم ناس بلا مستقبل، وذوو ماضٍ إجرامي.

وكشف الراديو الألماني الغربي (في دي ار)، وهو أكبر محطة بث في ألمانيا، عن تقارير طبية استلمها تكشف عن تعرض العديد من اللاجئين إلى تعذيب تطلّب نقلهم إلى الاطباء لتلقي العلاج. وتنهض شركة "سكي" مهمات الرقابة والأمن في معسكرات اللاجئين بتكليف من شركة يوروبيان هوم كير الألمانية، التي تتولى توفير المساكن والغذاء والرعاية لطالبي اللجوء في معسكرات وبيوت اللاجئين منذ العام 1989.

عار على الولاية

وصف ييجر ما يحصل في ثلاثة معسكرات لجوء من إساءة للاجئين على أنه "عار على ولاية الراين الشمالي فيستفاليا". لكن يبدو أن هذا العار سيمتد إلى مؤسسات حكومية أخرى ويطيح برؤوس كبيرة، كما حصل في قضية الخلية النازية التي كانت تغتال الأجانب في ألمانيا، لأن الجميع يعرف بأن ملفات المقبولين في شركات الحماية الخاصة تمر على دائرة حماية الدستور الألمانية (الأمن العام).

ووصف فرانك ريشتر، رئيس شرطة هاغن، صورة الحارس وهو يضع حذاءه على رقبة الشاب الجزائري (20 سنة) بأنها ممارسة لا يمكن أن تحدث إلا في قاعدة غوانتانامو الاميركية في كوبا. وأكد ريشتر أن الشرطة استجوبت 100 لاجىء من مجموع 700 في هذه المعسكرات، عن تصرفات رجال شركة سكي، وانه تم رصد الكثير من الخروقات لقضايا حقوق الإنسان.

يذكر أن عدد اللاجئين الوافدين إلى ألمانيا ارتفع للمرة الاولى&في هذا العام عن مستواه في العام 1995. وقدم 19500 شخص طلب اللجوء السياسي في ألمانيا حتى شهر آب (اغسطس) الماضي، وتتوقع دائرة اللجوء الاتحادية أن يرتفع العدد، حتى نهاية هذا العام، إلى 200 ألف.

قتل عمد

في هذه الأثناء، أكدت المحكمة الاتحادية قرارًا سابقًا لمحكمة ماغدبورغ (شرق) ببراءة رجلي شرطة، متهمين بقتل طالب لجوء أفريقي. وأوقع القاضي غرامات مالية فقط برجلي الشرطة، رغم قناعته بتهمة القتل غير العمد ضد طالب لجوء أفريقي اسمه اوري جالوه. وجاء الحكم بعد 67 جلسة، وقال القاضي بعدها بعدم توفر أدلة كافية على وجود قتل عمد.

وكان الشرطيان قد عذبا الأفريقي وقيداه بسوط جلدي، ثم اجبراه على شرب كميات كبيرة من الكحول، واتهماه بالتحرش بسيدتين ألمانيتين. وقضى الشاب نحبه حرقًا في ظروف غامضة، عندما احترقت مرتبة كان ينام عليها في زنزانته.

قال رجلا الشرطة إنه احرق نفسه. لكن المنظمات الأفريقية والمنظمات الإنسانية الألمانية لم تقتنع بهذه الإدعاءات، وشكلت مبادرة لإثبات تهمة القتل العمد ضد الشرطيين.