بعد عودتهم من جبهات القتال ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال العراق، يجلس مقاتلو البيشمركة الشباب بسراويل الجينز، حول طاولة عليها بعض عبوات مشروبات الطاقة، وهواتف ذكية، في مشهد يناقض الصورة النمطية لمقاتلي الجبال الأكراد.


بغداد: بدا وكأن العالم تناسى إلى حد كبير أمر البيشمركة منذ التمرد على نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال تسعينات القرن الماضي. واحتفظ المقاتلون "الذين لا يهابون الموت"، بصورة المقاتلين الأشاوس المتمركزين في الجبال، يتنقلون بين دروبها الوعرة وبنادقهم على أكتافهم.

إلا أن الهجمات الشرسة، التي شنها عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف في العراق منذ التاسع من حزيران/يونيو، وسيطرتهم على مناطق واسعة واقترابهم من إقليم كردستان، دفعت جيلًا جديدًا من الشباب الأكراد إلى الالتحاق بالقتال وارتداء "الكاكي"، والتحوّل إلى مقاتلين تجمع صورتهم بين الحداثة والمدنية ووسائل التكنولوجيا الحديثة.

أمضى العديد من هؤلاء مرحلة شبابهم في مدن إقليم كردستان، الذي يشهد منذ أعوام طفرة اقتصادية ومعدل نمو يفوق 10 بالمئة سنويًا. ويتقن هؤلاء "لغة" التواصل الاجتماعي، أكانت عبر موقع "فايسبوك" أو تطبيقي "واتساب" و"فايبر". ورغم أنهم لم يختبروا الحرب سوى في ألعاب الفيديو، إلا أن العديد منهم تعلم الرماية ببنادق كلاشينكوف تملكها عائلاتهم.

"إيفون 6" على الجبهة!
عند عودتهم من الجبهات في شمال العراق إلى مدينة إربيل عاصمة إقليم كردستان (320 كلم شمال بغداد)، يستبدل هؤلاء زيهم العسكري بملابس مدنية، إلا أنهم يحتفظون ببندقية حربية في سياراتهم لدى خروجهم ليلًا. وعند العودة إلى الجبهة، يضع المقاتلون الشباب هواتفهم الذكية داخل ستراتهم الواقية من الرصاص.

يقول الجنرال سروان بارزاني، أحد ضباط البيشمركة، "هذه هي العولمة، هذا عالم جديد، وعلينا التكيّف معه". أضاف إن "لدى الشباب الآن كل شيء، تكنولوجيا وهواتف ذكية وتطبيقات"، قبل أن يضيف ضاحكًا "أمس رأيت أحدهم يحمل هاتف أي فون 6 على خط الجبهة".

وتتنشر على خطوط التماس بين القوات الكردية والإسلاميين المتطرفين، والممتدة لنحو ألف كيلومتر، أجيال مختلفة من مقاتلي البيشمركة، بعضهم مخضرم يرتدي الملابس الكردية التقليدية، وآخرون من الجيل الشاب يضعون قبعات ونظارات شمسية ويحملون هواتف ذكية، وغالبًا ما يسألون زائريهم: "هل لديكم حساب على موقع فايسبوك؟".

تكتيكات المخضرمين
ويرى كثيرون أن المقاتلين المخضرمين هم أكثر شراسة من الشبان. يقول أحد عناصر البيشمركة الشبان محمد (19 عامًا)، المتواجد قرب منطقة جوير، التي يسيطر عليها عناصر "الدولة الإسلامية" منذ منتصف آب/أغسطس الماضي، إن "القدامى أكثر قوة منا". ويتابع "رغم أنهم كبار في السن، إلا أنهم مقاومون أقوياء، ولديهم تكتيكات، لسنا على دراية بها".

يقرّ رشيد ياسين موزوري، وهو مقاتل متمرس يبلغ من العمر 63 عامًا، أمضى نحو خمسين منها في صفوف البيشمركة، بأنه "حتى لو دربناهم، وقدمنا إليهم معلومات كثيرة، الشباب دائمًا في حاجة إلى مقاتلين مخضرمين إلى جانبهم". يضيف "الحياة مختلفة الآن، فالشباب لديهم كل شيء، فيما لم يكن لدينا شيء (...) عندما كنا في سنهم، كانوا يعطوننا قطعة واحدة من الخبز عليها أن تكفينا لأسبوع كامل. حاليًا عندما يذهب الشباب إلى الجبهة، يجب أن تقدم إليهم وجبات كاملة".

ويقول مقاتل مخضرم آخر، حتى الحرب تغيّرت. ويقول خالد (74 عامًا) "في الماضي، كنا نقاتل في الجبال، الآن المعارك تدور في السهول والأراضي المنبسطة، وهذا أصعب... العدو يواجهك، لا تستطيع الاختباء". يضيف "في وقتنا، كنا نقاتل الجيش العراقي بأسلحة متكافئة"، متابعًا: "الحال ليست كما هي الآن ضد تنظيم الدولة الإسلامية"، الذي استولى خلال هجومه في الأشهر الأخيرة، على عدد كبير من المعدات العسكرية التي قدمتها واشنطن إلى الجيش العراقي.

جواز مرور
إضافة إلى المسؤولية وشرف الدفاع عن الأرض، يبحث الشبان المنضمون إلى البيشمركة عن امتيازات اجتماعية ونوع من الاحترام والتقدير في صفوف المجتمع الكردي. يقول أحد المقاتلين الشباب بسرور: "أوقفني عناصر من الشرطة ذات مرة بسبب مخالفة قمت بها لدى قيادتي السيارة، وعندما إطلعوا على أوراقي العسكرية، التي تظهر انتسابي إلى البيشمركة، تركوني أذهب".

ورغم اختلاف نمط الحياة التي يعيشها المقاتلون الشباب عن أقرانهم المخضرمين، يرى رشيد أنه "حتى وإن كان هؤلاء الشباب يعيشون حياة رغيدة، إلا أنهم شجعان". ويقدم خالد نصيحة واحدة إلى الشبان الذين ينضمون إلى صفوف المقاتلين: "دافعوا باستمرار عن أرضنا وشعبنا (...) لا تتوقفوا عن القتال، إلى أن تصبح أيديكم حمراء مغطاة بدم الأعداء".
&