ظهر إيبولا في المرة الأولى في العام 1976، لكنه انحسر حينها. أما اليوم، يقف العالم عاجزًا عن وقف انتشار هذا الوباء، الذي يهدد بالقضاء على البشرية جمعاء.


بيروت: بين إرسال شركة أدوية صينية عقاراً تجريبياً مضاداً لفيروس إيبولا إلى أفريقيا وتحذير مسؤولين أمميين من احتمال خسارة المعركة ضد إيبولا، التي تحتاج إلى مليار دولار لا يتوافر منها إلا 100 ألف قدمتها كولومبيا، يظهر التخبط الدولي في مجابهة فيروس ينذر بقتل 15 ألف نسمة كل أسبوع في القريب العاجل، على ذمة منظمة الصحة العالمية.
&
طويل يشبه الدودة
&
وإيبولا الفتاك هذا ليس مستجدًا على ساحة الأمراض السارية، بل كان أول ظهور له في العام 1976. آنذاك، تم احتواءه وأوقف عند حده، قبل أن يتحول إلى وباء مخيف. وهذا ما يعجز العالم المتحضر اليوم عن تحقيقه. ونقلت غارديان البريطانية عن البروفسور البلجيكي بتر بيوت، مدير كلية لندن للصحة والطب الاستوائي وأحد مكتشفي إيبولا، سرده للرواية الآتية: "أصيبت راهبة بلجيكية، تعمل في مستشفى بالكونغو، بإيبولا في العام 1976.
&
وفي أيلول (سبتمبر) من العام ذاته، نُقلت عينة من دمها إلى بلجيكا، وكان يُعتقد بأنها مصابة بالحمى الصفراء. كنت حينها باحثًا متدربًا في مختبر بمدينة أنتويرب البلجيكية، وبعد اختبارات استغرقت أيامًا، تبيّن أن الفيروس كبير وطويل يشبه الدودة، ولا شبه بينه وبين فيروس الحمى الصفراء، بل هو أقرب إلى فيروس ماربورغ الخطر، وعوارضه مشابهة لعوارض إيبولا، وحين أُرسلت العيّنة إلى مركز مكافحة الأمراض في أطلنطا الأميركيّة، تبيّن أن الفيروس ليس ماربورغ".
&
لهذا انحسر
&
انتشر الفيروس المجهول في يامبوكو النائية بالكونغو، فقررت بلجيكا إرسال فريق من الأطباء إلى هناك، فتطوّع بيوت. توصّل الفريق إلى أن أوّل ظهور للفيروس كان في آب (أغسطس) 1976، وقرر الفريق البلجيكي تسمية الفيروس بـ"إيبولا" نسبة إلى نهر إيبولا القريب من المنطقة المنكوبة.
&
يقول بيوت: "انتشر الفيروس في تلك القرية بين النساء تحديدًا لأن الراهبة البلجيكية المصابة وشقيقتها كانتا تعملان في قسم الولادة بمستشفى كاثوليكي في تلك القرية، وكانتا تحقنان النساء المرضى والحوامل بواسطة خمس إبر فقط، لم يتوافر غيرها في المستشفى".
&
وبالرغم من أن الفيروس تفشى حينها وتحول وباءً بشكل سريع، بالرغم من اقتصاره على قرية يامبوكو وحدها، حيث أصيب به 318 شخصًا توفي منهم 280. لكنه سرعان ما انحسر، حتى اختفى، بعد إغلاق المستشفى وعزل القرية، وبفضل احترام معايير السلامة والنظافة والتعقيم، وفصل المرضى، وحماية العاملين في الرعاية الصحيّة.&
&
وردت تقارير علمية انحسار الفيروس في العام 1976 إلى تعديلاتٍ سريعة في سلوكيات المجتمع المحلي، كتغيير تقاليد الدفن لتجنّب انتقال العدوى من ضحايا الفيروس إلى المشيّعين. يقول بيوت: "لا يمكن كبح جماح إيبولا بتدابير في المستشفيات فقط، بل يجب تغيير سلوكيات الأشخاص ونشر الوعي".
&
عودة الفيروس الضال
&
عاد إيبولا في كانون الأول (ديسمبر) 2013، منطلقًا من قرية ميلياندو فيغوكيدو في غينيا، كما حددت تقارير منظمة الصحة العالمية. وأفاد باحثون أمميون أن الوباء نجم عن دفن امرأة مشعوذة مصابة بالعدوى في قرية سوكوما بسيراليون. وبعد الدفن، تفرّق المشاركون في جنازتها إلى مناطق مختلفة. وما لبثت الوفيات أن تتالت.
&
كما رد باحثون منشأ المرض إلى الخفاش آكل الثمر،لأن فرضية انتقال العدوى بواسطة إنسان مصاب في أفريقيا الوسطى غير محتملة بحسب ما يظنون، فالمنطقة الأولى المصابة المعروفة في غرب أفريقيا معزولة، واتصالها بالخارج ضئيل.
&
انتشر الفيروس هذه المرة سريعًا بغرب أفريقيا، وقتل أكثر من 4500 شخص في 7 بلدان، وخرج إلى دول أخرى، فسُجّلت إصابات في إسبانيا والولايات المتحدة الأميركية.
&
وتتقاطع تقارير مختلفة في رد تفشي المرض هذه المرة إلى العقلية المحلية في أفريقيا، وعدم الثقة بعاملي الإغاثة، ودور الإدارات الصحية المحلية الأفريقية، وشحّ الموارد المالية الخاصة بمكافحة الفيروس في الأمم المتحدة.

لات ساعة مندم!
&
السؤال المطروح اليوم: ما الذي يؤخر الحد من انتشار إيبولا اليوم؟ يجيب بعض الاخصائيين عن هذا السؤال بتسليط الضوء على الاختلاف الثقافي والحضاري بين الشعوب، وهذا الاختلاف أنتج سوء تواصل في العمل لمشكلة الوباء، ونقصًا في الوعي الكافي بخطورة الفيروس لدى سكان المنطقة الريفيّة النائية في غينيا.
&
وهذا أدّى إلى خوف الناس هناك من الفرق الطبية الوافدة فلم يتجاوبوا مع ما اقترحه المختصون الأجانب من إجراءات وقائية، خصوصًا أنها آتية من رجال بيض، يرتدون ثيابًا صفراء، ويغطون وجوههم بأقنعة فيها زجاج، وكأنهم آتون من خارج كوكب الأرض.
&
تتسارع الأبحاث والاختبارات، أميركية وأوروبية وصينية، لإيجاد علاج للمرض. لكنها تبقى إلى الآن في مراحل تجريبيّة. وكل الخوف في أن يكون هذا المرض هو الضربة الطبيعية القاضية للعرق البشري... وعندها، لات ساعة مندم.