أحمد الدروي، ضابط شرطة مصري، إنتهى به الحال قيادياً في تنظيم "داعش" المتطرّف، ولقي مصرعه في عملية إنتحارية بالعراق في شهر مايو/ آيار الماضي، وفي ما يلي رحلته بالتفصيل كما عاينتها "إيلاف".


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: في العام 2005، أعلن ضابط شرطة في وزارة الداخلية المصرية يدعى أحمد الدروي إستقالته، إحتجاجاً على ما اعتبره عمليات تزوير واسعة تقوم بها وزارة الداخلية بأمر من مكتب الرئيس الأسبق حسني مبارك في الإنتخابات البرلمانية، بالإضافة إلى إعتراضه على ممارسة الشرطة للتعذيب بحق المصريين.

واختفى هذا الضابط تماماً من الساحة، ولم يسمع له صوت، لاسيما أن مثله، لايمكن أن يسمع له صوت في عهد مبارك.

وقال في حساب منسوب له على فايسبوك: "كانت استقالتي أبسط رد على ازدواجية المعايير والعنصرية القبيحة في المعاملة بين الغني والفقير، بين المصري والأجنبي، استقالتي كانت نتيجة طبيعية وصرخة اعتراض على تحويل المدنيين للمحاكمات العسكرية وتعذيبهم بأبشع الوسائل وأحقرها".

شارك في ثورة يناير

وفي 25 يناير/ كانون الثاني 2011، ظهر الدروي مرة أخرى في ميدان التحرير، ثائرًا ضد نظام حسني مبارك، مع الملايين من المصريين، واستقر بالميدان، حتى اسقط نظام الحكم، وبدأت مرحلة جديدة من حياة الضابط المصري.

وظهر في الفضائيات يتحدث عن مرحلة حسني مبارك، والظلم الذي تعرض له المصريون خلالها، وظهر في برنامج "آخر النهار" مع الإعلامي محمود سعد، ووجه خلاله رسالة إلى زملائه الضباط في وزارة الداخلية، دعاهم فيها إلى ضرورة استيعاب الثورة، وعدم اعتبارها "نكسة"، أو أن المصريين خرجوا من أجل "الإنتقام من الشرطة أو كسرها".

ودعا زملاءه إلى العمل على عودة الأمن بحق الله، وأن يحققوا هتاف "أرفع راسك فوق انت ضابط شرطة" من خلال العمل فقط.

ترشح إلى الانتخابات

ولأنه وجه معروف في أوساط أهل حي حلوان بالقاهرة، قرر الدروي الترشح في أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، وقد كان، إلا أنه أخفق فيها، في مواجهة الإعلامي مصطفى بكري، الذي يتمتع بنفوذ واسع في أوساط أهالي حلوان، وفي الوسط السياسي.

وتضمن برنامجه الذي نشره عبر صفحته على فايسبوك: "إنشاء لجنة أمنية داخل مجلس الشعب تناقش وبشفافية وصدق جميع القضايا المتعلقة بالمشاكل الأمنية ومراقبة وتقييم أداء وزارة الداخلية، وسأعمل على إنشاء لجنة من الخبراء لتشريع قانون جاد لإعادة هيكلة وزارة الداخلية بخطتين: إحداهما قصيرة الأجل لإصلاح ملموس وسريع وأخرى طويلة لزم على وزارة الداخلية تطبيقها".

ورغم أنه لم يفز بمقعد في مجلس الشعب، إلا أنه انتقد قرار المحكمة الدستورية العليا بحل المجلس، وقال: "لمن تعمل المحكمة الدستورية حتى تفرض رأيها على 30 مليون ناخب ؟".

أيّد محمد مرسي

أيد الدروي الرئيس السابق محمد مرسي، في الإنتخابات الرئاسية في العام 2012، وشد من عضده، وأيده أيضاً في أعقاب ما يعرف بـ"ثورة 30 يونيو"، واعتبرها إنقلاباً عسكرياً ضد الشرعية، وانضم إلى أنصار مرسي في إعتصامهم بميدان رابعة العدوية، إلا أنه اختفى تماماً عن الأنظار في مصر، وأشيع وقتها أنه أصيب بمرض السرطان، وسافر للعلاج في أميركا، وهناك توفي متأثراً بمرضه.

انتحر في العراق

لم يعد أهالي حلوان ومن يعرفون الدروي يتتبعون أخباره، بل يدعون له بالرحمة والمغفرة، إلى أن فجر تنظيم "داعش" مفاجأة مدوية خلال اليومين الماضيين، عندما أعلن "موقع أنا مسلم"، إحدى الأذرع الإعلامية للتنظيم أن الدروي، قتل في عملية "إنتحارية/ استشهادية" بالعراق، وأنه كان أحد قيادات التنظيم.

وروى قيادي في التنظيم يدعى أبو مصعب المصري، تفاصيل انتقال الدروي من جهاز الشرطة المصري إلى صفوف أكبر تنظيم إرهابي في العالم اليوم، وقال: "أحمد الدروي، كان ضابطًا في الأمن المصري ومرشحًا لانتخابات مجلس الشعب، ثم تاب فنفر ونفذ عملية استشهادية في العراق"، مشيراً إلى أن "كان رحمه الله متردداً في بيعة الدولة الإسلامية بداية الأمر، وكان يبحث ويتحرى الأخبار حتى يبايع ومن معه على بينة من أمرهم، خاصة مع كثرة الإشاعات والأكاذيب التي يروجها الخصوم بجميع أطيافهم على الدولة الإسلامية، وكان مما طمأنه لمنهج الدولة وحفزه لبيعتها أنه عندما كان يلتقي بجامعي التبرعات والممولين في تركيا، كان بعض اللحى يشترطون عليه محاربة الدولة الإسلامية مقابل الدعم المادي".

وأضاف أبو مصعب المصري: "الدروي هو نفسه الأخ أبو معاذ المصري القائد العسكري لجماعة جند الخلافة باللاذقية سابقاً، والتي بايعت الدولة الإسلامية وانحازت من الساحل مع من انحازوا لمناطق الدولة بعد غدر الصحوات"، منوهاً بأن "الأخ وجماعته أغلبهم مصريون"، يقصد الدروي.

ونشر حساب يعرف باسم "كتيبة أسود الخلافة" التابع لتنظيم داعش على موقع يوتيوب مقطع فيديو بعنوان "سهرة المجاهدين من كتيبة أسود الخلافة"، يظهر فيها مجموعة من أعضاء التنظيم ينشدون عدة أناشيد منها: "شامخة راياتنا في العلالي.. يا منايا تعالي في سبيل الله والحق المنية.. جندنا بعدد حبات الرمال.. والأسد من جيشنا يعدل سرية"، و"الجنة الجنة الجنة والله ما أقدر استنا". وظهر الدروي في مقطع الفيديو الذي صّور ليلاً على ضوء الحطب المشتعل.

ونشر داعش صورة للدروي، وهو يرتدي زياً أفغانياً، وهو كث اللحية، ويحمل سلاحاً، وكتب يقول: "أحمد الدروي كان ضابطًا في الأمن المصري ومرشحاً لانتخابات مجلس الشعب ثم تاب فنفر إلى أرض الخلافة فنفذ عملية استشهادية".

وأكد شقيق له يدعى هيثم، خبر مقتل الدروي، وقال في حساب منسوب على موقع توتير: "التواصل معه كان صعباً، كان يغيّر أرقامه باستمرار، وفي نهاية شهر مايو الماضي ناس كلمونا وقالوا إنه توفي من غير أي تفاصيل وأعلنا الخبر وكنت المفروض اروح تركيا لأخذ الجثمان".

وتابع: "لكن قررنا نعمل صلاة الغائب والعزاء الأول، ولم يكن عندنا أي معلومات، غير أنه توفى في تركيا، وبعدها أشخاص نشروا صوره مع داعش قالوا إنه كان معهم وعمل عملية استشهادية، وحاولنا التواصل وفشلنا".

وأضاف: "أحمد ما كنش عنده سرطان، ومفيش حد من أسرته قال كده، وهو كان في تركيا وقالنا أنه بيتعالج ومداري عننا أي تفاصيل، ومحدش من العائلة كان يعرف أنه في الدولة الإسلامية"، وأكد خبر انتمائه إلى داعش، وقال: "أحنا جالنا في شهر مايو أنه مات، وصلينا عليه الغائب، ودلوقتي جالنا الأخبار الأكيدة، أنه كان في الدولة الإسلامية، مات في عملية استشهادية".

يذكر أن الدروي، ليس الضابط الأول المصري الأول الذي يلتحق بـ"داعش" أو تنظيمات إسلامية متشددة، بل سبقه ضابط آخر سابق بالجيش، وهو الذي نفذ عملية إنتحارية استهدفت موكب وزير الداخلية المصري محمد إبراهيم، ونشر تنظيم أنصار بيت المقدس مقطع فيديو للضابط السابق بالجيش ويدعى الرائد وليد بدر.

وتتداول وسائل إعلام ما يفيد أن الضابط السابق حلمي هاشم، هو أحد قيادي "داعش"، وزعمت أنه الذراع اليمنى لأبي بكر البغدادي الخليفة الداعشي.
&