تسلط الدورة التاسعة من منتدى صحيفة الاتحاد، التي تستمر يومين في فندق جميرا أبراج الاتحاد في أبوظبي، تسلط الضوء على الإرهاب وآليات مواجهته من خلال 5 محاور، تتناولها بالنقاش والتحليل نخبة من أبرز المفكرين والكتّاب والمحللين والإعلاميين والصحافيين من أنحاء العالم العربي، وتكتسب النسخة الحالية من هذا الحدث الإعلامي السنوي البارز أهمية خاصة، لكونها تناقش موضوعًا مهمًا، يحمل درجة عالية من الحساسية، كما إنه يخص شعوب المنطقة العربية، التي تعاني آفة الإرهاب أكثر من أي منطقة أخرى في العالم.


محمود العوضي من أبوظبي: أكد محمد الحمادي، المدير التنفيذي للنشر في أبوظبي للإعلام، رئيس تحرير صحيفة "الاتحاد"، أن فكرة تنظيم المنتدى سنويًا تأتي من الدور الذي تقوم به صحيفة "الاتحاد"، والتي ترصد التطورات بطريقة تحليلية، وتواكب المستجدات من أجل جعل الرأي العام على علم بمجريات الأمور ومعرفة بالقضايا الحساسة، مثل خطر الإرهاب وتداعياته على المنطقة، وسبل مواجهته، وهو موضوع هذه الدورة التاسعة".

عقدت الجلسة الأولى من اللقاء، والتي تناولت المحور الأول "الإرهاب.. الأسباب والتداعيات" بإدارة د.عبدالله العوضي، وشارك في الجلسة كل من د. رضوان السيد ود. صالح المانع ود. علي الطراح. أما الجلسة الثانية بإدارة راشد صالح العريمي، فتناولت محور "خريطة التنظيمات الإرهابية في العالم العربي"، وشارك فيها د. علي عمار حسن ومحمد السماك ود. سلطان النعيمي ود. عبد الله المدني.&

كما عقدت في وقت لاحق الجلسة الثالثة، التي أدارها عبد الله بن بجاد العتيبي، والتي خصصت لمناقشة محور "خطر الإرهاب على النظام العربي"، وشارك فيها د. أحمد يوسف أحمد ود. عبد الله الشايجي ود.عبد الله جمعة الحاج.

صدمة "العوضي"
الدكتور العوضي، الذي تولى إدارة الجلسة الأولى، أشار إلى أن ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن أن القضاء على الإرهاب يرتبط بالقضاء على الفكر أولًا، يعبّر عن واقع حقيقي، فالإرهاب لن ينتهي بقوة السلاح، ولا بالحروب، بل بضربه في رأسه، عن طريق القضاء على الفكر الإرهابي.

لم يتردد العوضي في طرح واقعة شخصية تعرّض لها هو شخصيًا، حيث قال "بعد خروجي من المسجد يوم الجمعة، تفاجأت بشخص يقول لي إنه قرأ مقالي، الذي كنت أقوم بنشره في صحيفة "الاتحاد"، وأشار إلى أنه لا يجوز السلام على شخصي، لأنني تناولت في مقالي موضوع الإرهاب والتطرف، وأتيت على ذكر بعض الأسماء والشخصيات التي تمثل لهذا الشخص رمزًا مهمًا، حينها أدركت أنني أمام مشروع إرهابي، بل هو الإرهاب بعينه".

السيد والإرهاب
من جانبه، أشار الدكتور رضوان السيد إلى أن ما يفعله الإرهاب في المنطقة العربية الآن لم يشهد العالم مثيلًا له منذ الحروب الصليبية، فهناك نصف مليون قتيل على الأقل في آخر 5 سنوات قتلهم الإرهاب بمختلف أشكاله، كما إن هناك 10 ملايين مهجر في أقل من 5 سنوات، بل إن الآلاف يموتون في رحلة البحث عن الحياة، حينما يقررون الهروب بوساطة قوارب صغيرة في عرض البحار، وهم يعلمون أن فرصة النجاة لا تساوي أكثر من 5 %، لكن ذلك أفضل لهم من البقاء في سوريا، أو في أي بقعة أخرى تشتكي نار الإرهاب.

أضاف السيد: "هناك حالة أقرب إلى الانفجار الديني، وهو ما يصل إلى درجة ارتكاب العنف والقتل باسم الدين، وهنا تتشكل ملامح الوضع الكارثي، وهو إرهاب شيعي سني، صحيح أن هناك جدلًا مستمرًا حول أي من الطائفتين أكثر عنفًا، ولكن يبدو أن العنف أصبح مشتركًا، هو بلا مذهب أو هوية، فالتطرف الشيعي ظهر قبل الثورة الإيرانية، وهي الثورة، التي أقامت نظامًا دينيًا، وبدأت فكرة تصدير العنف إلى خارج إيران".

وفي المقابل - يضيف السيد - "وصل التطرف السني إلى درجة عالية في مشهد اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات، وقد لا يعلم البعض أن عناصر حركة الجهاد، الذين اغتالوا السادات، قالوا في التحقيقات معهم، إن الدافع لقتل السادات كان بسبب الصلح مع إسرائيل، ولأن زوجته مكشوفة الرأس، كما إنه كان يدخن علنًا، وهذا هو الفكر الذي دفعهم إلى قتل الرئيس المصري!".

كما أشار المفكر العربي إلى أن فشل الفكر العروبي أدى إلى صعود تيارات الأصولية الدينية، وبدأت رحلة التمرد على الدولة، لأسباب دينية، لم يكن مبدأ تكفير الدولة بالمفاجأة، وارتفعت أسهم فكرة استحضار الإمام الغائب، الذي كان منتظرًا، وإقامة حكم ديني ودولة دينية، واللافت أن الحركات الأصولية السنية لم تتمكن من أن تنجز نجاحًا مثلما أنجزته الأصولية الشيعية، مما جعلها أكثر عنفًا ورغبة في الانشقاق.

وتابع السيد "استفحل خطر التطرف والعنف باسم الدين، وسط حديث عن أن الدين مضطهد في الخارج ومفقود&في الداخل، وعادت فكرة الإمامة عند الشيعة بقوة، كما سطعت فكرة الخلافة لدى السنة، وسط خلط واضح بين الدين والسياسة".

كيف نخرج من الدائرة؟
يقول السيد: "هناك مشكلة حقيقية نتيجة هذا الانفجار الديني، وقد تكالبت وتداعت علينا الأمم، وتضرر ديننا ضررًا شديدًا، ليس فقط في العالم الخارجي، بل على المستوى الداخلي في البلدان الإسلامية، ووصلنا إلى مرحلة أن نقتل بعضنا بعضًا، ولا ننتظر أن يعتدي علينا الإيرانيون والأتراك أو الأميركيون، لأننا نعتدي على أنفسنا بأنفسنا، إن لم يكن بالسلاح، فبفكرة التكفير.

ويرى السيد أن "الوسطية" كلمة تم استخدامها كثيرًا في المرحلة الماضية، وادّعاها البعض في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، بمعنى أن الوسطية هي التي تجعلنا على علاقة مع العالم الخارجي، وفي زمن الحرب الباردة، ارتفعت أسهم هذه الوسطية، فهناك نظام رأسمالي ليبرالي، وآخر إشتراكي، مما جعل فكرة الوسطية الإسلامية تبدو وكأنها حل أو نظام ثالث معتدل، وأكثر توازنًا في معادلة الروح والجسد، وبين حياة الإنسان المادية والفكرية والروحية، وأضيف إليها في الثمانينات معنى ثالث، وهو ترشيد الصحوة، ومع إنتشار العنف ظهر فقهاء ومثقفون، يدعون إلى قبول الآخر والتسامح مع الجميع، ولا يزال الفكر المعتدل يواجه تحديًا كبيرًا في صراعه مع الفكر المتطرف.
&