تتالت حوادث مقتل تلاميذ مصريين في مدارسهم نتيجة إهمال مدرسي، إلا أن وزير التربية لم ير ما يستدعي استقالته.


القاهرة: أصيب المصريون بصدمة شديدة جراء مقتل عدد من التلاميذ في حوادث مختلفة في المدارس، بسبب الإهمال. فدهست سيارة مدرسية تلميذًا، وسقطت نافذة على ثان، ولقي ثالث مصرعه إثر سقوط بوابة المدرسة فوقه. ورغم غضب الرأي العام المصري، إلا أن وزير التعليم يرفض الإستقالة، معتبرًا أن "الانسحاب لا يجدي"، بينما قال المتحدث باسم الوزارة "لا يجوز عزل أي وزير بمجرد وجود حالة فساد".

الاهمال القاتل

كان أدهم محمد أحمد (9 أعوام) مفعمًا بالحياة، لديه أحلام عريضة في أن يمتهن الطب عندما يكبر. لكنه لم يكن يعلم أنه سيلقى حتفه دهسًا تحت عجلات سيارة التغذية المدرسية.

في منتصف يوم الثلاثاء الدراسي في مدرسة النشرتي في مركز أطفيح محافظة الجيزة، خرج أدهم، التلميذ في الصف الثالث الإبتدائي، ليتناول طعامه ويلهو مع أقرانه، فدهسته سيارة التغذية المدرسية، وكسرت عظامه الطرية، وأصابت زميلًا له هو إبراهيم وليد صلاح، ويعاني إصابات خطرة.

وكشفت التحقيقات أن السيارة التي تورد مواد غذائية للمدرسة، كانت تعاني عطلا في المكابح، ولم يستطع السائق السيطرة عليها أثناء الرجوع للخلف، ولم يكن مسموحًا لها بدخول الفناء المدرسي، وأمرت النيابة العامة بحبس السائق على خلفية اتهامه بالقتل الخطأ، كما أمرت بحبس مدير المدرسة ومشرفي التغذية والأمن أربعة أيام على ذمة التحقيقات في القضية، ووجهت إليهم تهمة الإهمال.

اتهام المدرسة

بحرقة وحزن، قال محمد عبد العال، والد الطفل القتيل، لـ"إيلاف" إن ابنه مات شهيدًا أثناء طلب العلم. أضاف أن ابنه راح ضحية الإهمال في المدارس المصرية، "فالسيارة الخاصة بالتغذية لم يكن فيها فرامل، وكانت ترجع للخلف في فناء المدرسة بسرعة، وفعصت طفلي، وظل ينزف حتى الموت في المدرسة".

اتهم الأب المكلوم المدرسة بالإهمال، خصوصًا مديرها وناظرها وسائر مسؤوليها، منوهًا بأنهم جميعًا يتحملون مسؤولية وفاة ابنه. ونبه إلى أنهم تركوا ابنه ينزف في المدرسة، ولم ينقلوه للمستشفى بسرعة.

من مستشفى إلى آخر

لم يفقد أدهم وحده حياته في المدارس المصرية بسبب الإهمال، بل قتل طفل آخر في مدرسة أخرى، إنه الطفل يوسف يحيى، التلميذ في الصف الثالث الإبتدائي في مدرسة عمار بن ياسر في حي المطرية في القاهرة، الذي قتل في مدرسته في 13 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، بعدما ذبحه زجاج النافذة. فبينما كان يتلقى دروسه في الفصل الدراسي، شعر بالحر وحاول فتح النافذة، إلا أن زجاجها سقط على عنقه واخترق رقبته الصغيرة. نقله معلمو المدرسة سريعًا إلى المستشفى، إلا أنه وجد إهمالًا أشد، اهمالًا بدرجة القتل، فرفضت مستشفى المطرية استقباله، بحجة أن الإمكانيات ضعيفة، مقارنة بخطورة حالته. انتقل به المعلمون إلى مستشفى الزيتون، ولكنها أيضاَ رفضت استقباله، للسبب نفسه. توجهوا إلى مستشفى عين شمس التخصصي، الذي يتمتع بإمكانيات كبيرة، لكن المفاجأة الأخطر أنها رفضت إستقباله إلا بعد دفع مبلغ عشرة آلاف جنيه (1400 دولار أميركي)، ما أدى إلى تفاقم حالة يوسف، فلفظ أنفاسه الأخيرة أمام أبواب المستشفى.

تعرض للطعن؟

قال يحيي يوسف، والد الطفل، لـ"إيلاف" إن طفله قتل في المدرسة بسبب سقوط لوح زجاجي عليه، مشيرًا إلى أن التشخيص الطبي لحالته تتمثل في قطع بالأوردة في الرقبة، ولفت إلى أن الجرح بالرقبة يشبه الطعن بآلة حادة، مشتبهًا في تعرض طفله للطعن في العنق.

ونبه إلى أن طفله تعرض للإهمال في المستشفيات، ما أدى إلى تفاقم حالته، ووفاته عندما دخل مستشفى عين شمس التخصصي التي رفضت استقباله، إلا بعد دفع مبلغ عشرة آلاف جنيه، خاصة أنه انتظر في غرفة الاستقبال أكثر من ساعة، قبل الدخول إلى غرفة العمليات.

كتب لها النجاة

يوسف آخر لقي مصرعه في مدرسته، ولكن في أقصى الشمال الغربي من الجمهورية المصرية، إنه الطفل يوسف سلطان عبد العال (7 سنوات)، الذي قتل إثر سقوط بوابة مدرسته الزغيرات الابتدائية في مطروح عليه، أثناء لعبه مع زملائه خلال الفسحة.

وإذا كان يوسف قتل أسفل بوابة مدرسته، فإن الطفلة إيمان نجت من مصير مماثل، لكنها أصيبت بجروح خطيرة في الرأس. فقد سقطت بوابة مدرسة سعدون في جزيرة مطاوع في محافظة الشرقية فوق الطفلة إيمان جلال (6 سنوات)، ووقعت الطفلة مغشيًا عليها، ونقلت للمستشفى. لكن كتب لها النجاة، وأصيبت بجرح قطعي بالرأس.

وحوادث مقتل الأطفال في المدارس بسبب الإهمال أثارت غضب الرأي العام المصري، واضطر رئيس الوزراء إبراهيم محلب للخروج متوعدًا بالتحقيق فيها، لاسيما حادث مقتل الطفل يوسف يحيى. وقال: "لا بد أن أعرف ملابسات الموضوع، ومعي وزير الصحة وسأحصل منه على معلومات، وسيبدأ التحقيق فورًا".

أقيلوه!

اتهم ائتلاف تمرد معلمي مصر وزارة التربية والتعليم بالتسبب في وفاة الأطفال، وقال في بيان: "إن ما يحدث من إهمال داخل المدارس سببه تسيب هيئة الأبنية التعليمية التي تعمل بشكل غير صحيح"، داعيًا إلى وجود لجنة مشكلة في كل مدرسة من أجل الاطمئنان على كل ما هو موجود داخل المدرسة سواء أمن من عدمه. وأضاف الائتلاف: "ما نسمعه في وسائل الإعلام عن معاقبة المتسبب ومحاسبته ما هو إلا كلام، ولا يتم محاسبة أحد".

وطالب سياسيون وأولياء أمور بإقالة وزير التعليم الدكتور محمود أبو النصر، على خلفية تكرار تلك الحوادث. وطالب عضو الهيئة العليا لحزب الحركة الوطنية المصرية ياسر قورة، الحكومة المصرية بأن تتحمل مسؤوليتها السياسية إزاء الأوضاع المتردية التي تشهدها المدارس، مشيرًا إلى أن هذه الأوضاع التي أدت إلى كارثة شهدتها مصر خلال الأسبوع الماضي، إذ لقي 3 تلاميذ مصرعهم جراء إهمال في أعمال الصيانة الخاصة بالمدارس.

الخوف على المصير

وصف قورة في تصريح أرسله لـ"إيلاف" اجراءات وزارة التربية والتعليم المصرية بأنها هزيلة لا تتناسب وحجم الكارثة التي نحن بصددها الآن، مطالبًا بإقالة وزير التربية والتعليم من منطلق مسؤوليته السياسية حول ذلك الملف، فضلًا عن التحقيق مع كافة المسؤولين عن الكوارث، وتطبيق أشد العقوبات القانونية والإدارية عليهم.

وأردف قورة قائلًا: "كان على الحكومة أن تهرع بتقديم استقالتها فورًا إزاء تلك الكوارث المتلاحقة، التي عززت مشاعر الخوف داخل الأسر المصرية، على مصير أبنائهم"، موضحًا في السياق ذاته أن وقائع مصرع الأطفال في المدارس ما هي إلا نتاج خلل السياسات التعليمية في مصر، وإرث ثقيل من الفساد على مدار العهود الماضية، قد يخلف المزيد من الكوارث إن لم تتحرك الإرادة السياسية إزاء ذلك الملف، بما يحمي أولادنا وأبناءنا من تلك الأخطار والكوارث.

ولفت إلى أن الفساد والإهمال أخطر من الإرهاب الذي يضرب مصر، "ولا بد أن تتناغم الجهود المبذولة من أجل القضاء على الإرهاب مع جهود مواجهة الفساد في مؤسسات الدولة"، واصفًا تصريحات حكومة محلب بأنها لا تتناسب مع حجم الكارثة.

الوزير رفض الاستقالة

وزارة التربية والتعليم في مصر ترى أن مثل هذه الحوادث لا تستدعي إقالة أو استقالة الوزير. وقال هاني كمال، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، إن تحميل الوزير مسؤولية وفاة التلاميذ في المدارس لا يجوز، مشيرًا إلى أن الوزير اتخذ قرارات حاسمة في مواجهة الإهمال في المدارس.

واتهم كمال المديريات التعليمية بالفساد، وقال: "لا بد من تطهيرها، لكن لا يجوز عزل أي وزير بمجرد وجود حالة فساد، مثلما حدث أثناء حادث الصعيد، الذي راح ضحيته وزير النقل، وأنه رغم أنه كان يؤدي عمله على أكمل وجه".

الوزير شخصيًا رفض الاستقالة، وقال في تصريح: "فكرت في الاستقالة بعد حادثة وفاة طفل عقب سقوط باب مدرسته عليه بمطروح، لكني تراجعت لاستكمال خطط التطوير بمنظومة التربية والتعليم". وقال: "الانسحاب لن يجدي نفعًا".