الأزمة التي تعصف حاليا بحزب الاتحاد الاشتراكي المغربي، قد تؤدّي حسب محلّلين إلى انقسامه وإضعافه، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات.


أيمن بن التهامي من الرباط: يبدو أن لعنة الانشقاق ترفض أن تدير ظهرها للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي يعدّ من أعرق الأحزاب التاريخية في المغرب.

وعاش هذا المكوّن السياسي منذ التسعينات حالة من عدم الاستقرار وخلافات انتهى بعضها بالانشقاق، وهي النتيجة التي تنتظر الصراع الحالي الذي أسفر عن مغادرة العديد من القيادات البارزة "البيت الاتحادي"، الذي توجد مفاتيح رئاسته حاليا في يد إدريس لشكر.

أزمة عميقة

يحفل رصيد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالانشقاقات. فبعد ثلاثة صراعات داخلية، اثنان منها انتهيا بالانشقاق، يبدو الحزب على أبواب انشقاق قد يكون الأكبر بسبب الموقف من التسيير الداخلي للاتحاد.

ويقود هذا الانشقاق، الذي يأتي مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، تيار أحمد الزايدي (الديمقراطية والانفتاح)، الذي يضم قياديين بات من المستحيل تعايشهم مع فريق إدريس لشكر.

حملات إعلامية

وفيما اتخذ 18 نائبا برلمانيا محسوبا على تيار الزايدي موقف الاستقلالية عن رئيس الفريق الحالي والكاتب الأول للحزب، معلنين اشتغالهم كمجموعة، ومقاطعة جميع أنشطة الاتحاد التي يقودها الكاتب الأول، أكد لشكر لمقربين منه، حسب ما تناقلته تقارير إعلامية، أن "ما يروج اليوم من أخبار تتحدث عن قرب حدوث انشقاق جديد داخل الاتحاد، مجرد حملات إعلامية للاستهلاك، هدفها إضعاف الحزب قبل الوصول إلى الانتخابات الجماعية المقبلة".

وفي هذا الإطار، قال إدريس قصوري، الباحث في العلوم السياسية إنّ "أمد الأزمة طال داخل الاتحاد، الذي ساهم بشكل كبير في التحولات الكبيرة التي عرفها المغرب بشكل مباشر وغير مباشر"، مشيرا إلى أن "الحزب عاش دائما أزمات، لكنه كان دائما يتغلب عليها لاعتبارات محددة".

صراعات

وقال إدريس قصوري في تصريح لـ "إيلاف"، "للأسف، الأزمة الحالية داخل الاتحاد الاشتراكي ليست وليدة اليوم، أو مرحلة لشكر، وإنما مرتبطة بمراحل سابقة من نهاية التسعينات"، إذ منذ تلك الفترة عاش الحزب ثلاثة صراعات داخلية.

ستفكّك صفوفه

وأضاف "استمرت الأزمة إلى الآن، وأظن أنها أثقلت الحزب وستفكك صفوفه والتنظيمات الموازية له وأداءه، كما أنها ستعطي صورة سيئة عن تاريخه ومناضليه، وربما ستؤثر عليه كثيرا في الاستحقاقات المقبلة، وربما ستكون أيضا في مرحلة في القطع مع ما يسمى بالاتحاد الاشتراكي النضالي بكل حمولته التاريخية. وسيصبح حزبا عاديا إن لم يكن حزبا ضعيفا جدا، وهذا الذي لا يتمناه أي أحد".

فقدان الوحدة

منذ المؤتمر الأخير للاتحاد الاشتراكي، الذي عرف انتخاب إدريس لشكر كاتبا أول، ظهرت بوادر قوية تشير إلى أن الحزب يسير نحو فقدان وحدته التنظيمية شيئا فشيئا.

واستمرت هذه الوضعية إلى أن تفجّر الوضع في الشهور الأخيرة، دون أن تتمكن القيادة الحالية من احتواء الخلاف والحفاظ على الوحدة، كما كان عليه الأمر في الصراعات السابقة.

ويرجع الباحث في العلوم السياسية السبب إلى كون أن "القيادات السابقة كانت ترسم الخطب والسيناريوهات والاستراتيجيات داخل الحزب في جميع علاقاتها مع الفاعلين، سواء الحزبيين، أو النظام، أو أحزاب أخرى أو المجتمع، كما أنها كانت تعرف الربط بين الخطاب والممارسة، وكيف تلحم التنظيم وتبقى محافظة على وحدته وتماسكه لتتجاوز الأزمات، وهو شيء مفقود في المرحلة الحالية".

وأضاف "في القيادات السابقة كانت هناك من لديه أولا كاريزما سياسية، كما هو الشأن بالنسبة للراحل عبد الرحيم بوعبيد أو عبد الرحمان اليوسفي، أو لديه كاريزما سياسية تنظيمية، كما هو الشأن بالنسبة لمحمد اليازغي.

وعندما يحدث صراع، فإن التناقض إما يحل بشكل داخلي وتعود التوازنات ويبدأ التنظيم في الاشتغال ويتعافى، أو إذا كان الصراع حادا فإنه ينتهي بذهاب كل طرف في اتجاه معين، قبل أن تجري بسرعة فائقة دوران آلة الحزب من جديد وتشرع آليات التنظيم في الاشتغال كأن شيئاً لم يكن، وبالتالي تتحول لحظة الضعف إلى لحظة قوة. غير أنه في المرحلة الحالية تفتقد مثل هذه الميزات والمناورات السياسية والسيناريوهات الإيجابية لتجاوز الأزمة".

ما بعد الانشقاق

توقع القصوري مستقبلا للاتحاد انه&قد ينتقل من الضعف إلى الاندثار، مؤكدا أنه "حتى في حالة بقاء الحزب كاسم فإن مضمونه سيفرغ بسبب الانشقاق".

وتشير الأخبار المتوفرة إلى احتمال اتجاه المنشقين إلى تأسيس حزب جديد أو الانضمام إلى الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

وما يعزّز هذه الفرضية، هو استباق المجلس المركزي الموحد للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ، وإصداره بيانا، يفوض فيه للسكرتارية الوطنية "اتخاذ التدابير اللازمة من أجل تقوية هياكل الحزب جهويًا وإقليميًا ومحليًا، وكذا البت في انضمام فعاليات سياسية تؤمن بخط الحزب ومبادئه".

يشار إلى أن مراسل "إيلاف" حاول الاتصال بكل من أحمد الزايدي وإدريس لشكر، لإبداء آرائهما في الموضوع، لكن دون جدوى.
&